dimanche 1 avril 2018

موقفٌ مركّبٌ من مسألة حجبِ الأعدادِ عن الإدارةِ، واقتراحاتٌ ديداكتيكيةٌ لإصلاحِ نظامِ تقييمِ عملِ التلاميذِ؟ مواطن العالَم


المقيِّمُ التونسي عمومًا (L`évaluateur معلمًا كان أو أستاذ ثانوي أو أستاذ جامعي أو متفقد، لم يتلقَّ أي نوعٍ من التكوين الأكاديمي في علم التقييم 
(Science de l`évaluation).
 فمَثَلُهُ إذن كمَثَلِ تاجرٍ يبيعُ سلعةً دون ميزانٍ! يقيّمُ المقيِّمُ عملَه ويصلِح فروضَ تلامذته مكتوبةً عليها أسماؤهم، وفي كثيرٍ من الحالات، يبرمج المدرسُ سلفًا تطورًا مزيفًا لأعداد تلاميذه لغايةٍ في نفسه: الغِش في إبراز كفاءته من ثلاثي إلى آخر، أو تخفيض الأعداد قصدًا لتخويف تلامذته من أجل ترغيبهم في تلقي دروسٍ خصوصيةٍ على يديه هو بالذات أو على أيدي زملائه المقاولين. فهل ننتظرُ من هذا المقيِّمِ أن يكونَ تقييمُه محايدًا وموضوعيًّا؟

قاهرُ وزارة التربية الفرنسية؟
أستاذٌ تاريخ في باريس كان يسند دومًا  لكل تلامذته 20\20. ما فلسفتُه؟ الأعداد الضعيفة ترعب التلميذ وتعطل نموَّ ذكائه المحتمل 
(ZPD: Zone Proximale de Développement mental).
 هذا الأستاذ أهمل التقييم الجزائي واللإشهادي، وحسنًا فعل، واعتنى بالتقييم التكويني فقط فأبدع فيه، عكس ما يقع عندنا بالضبط. ودون تقييمٍ جزائيٍّ (تقييمٌ غير علميٍّ يُجازِي التلميذ الممتثِل بعدد مرتفعٍ أو يعاقِب التلميذ المتمرد بعددٍ منخفضٍ، كما يجازَى الكلبُ المطيعُ عادةً بعظمٍ أو يعاقَب الكلبُ الحرُّ بِعَصَا غليظةٍ، وبكل حب مع تنزيه التلميذ عن الكلب: هذه هي المدرسة السلوكية السائدة في تونسنا منذ الاستقلال béhaviorisme) أو تقييمٍ إشهاديٍّ (تقييمٌ غير علميٍّ يمنح التلميذ شهادةً لا تشهد على شيء إلا على ضحالة التحصيل العلمي في تونس الخضراء)، أوصَل تلامذة الأقسام النهائية إلى مستوى عالٍ جدًّا من التحصيلِ العلميِّ حتى أصبح بعضهم ينشر مقالات في مجلاتٍ علميةٍ مختصةٍ. لم يضيع وقته وجهده في إسناد أعدادٍ اعتباطيةٍ تزرع التنافس والتناحر المَرَضِيَّين بين التلامذة، بل ركّز على التكوين ولا شيء غير التكوين. تحية لهذا المجدد البطل. للأسف نجحت وزارة التربية الفرنسية أخيرًا في إزاحته عن التدريس. أما في فنلندا فلا يبدأ التقييم بالأعداد إلا في الخامسة ابتدائي.

للأسف الشديد، يتعامل بعض المدرّسين عندنا مع التلميذ، كما يتعامل عالم النفس السلوكي مع فأر المخبر (إثارة فَجواب)، أو كما يتعامل مربي الحيوانات مع أحصنة السباق (يرعى ويشجع أسرعهم عَدْوًا).
يبدو لي أن الامتحانات ليست ضرورية أو ملازِمة للتكوين و الدليل: بعض الميكانيكيين وبعض البَنَّائين المهرة وبعض النساء التونسيات الطباخات الماهرات في الأفراح وبعض  الرياضيين لم يجتازوا في حياتهم ولو امتحانًا واحدًا (Ce sont des pratiques sociales de référence sans savoir savant: من بيئتي الجمنية في الستينيات، أذكر بعض الشخصيات التقليدية من هذا النوع، الله يرحمهم وينعّمهم: محمود الطهار، ثامر البيطري وللت الزينة بنت غنوة القابلة التقليدية، لو كان بيدي لَعَيّنتهم أساتذة في التعليم المهني!  وأذكر أيضًا بعض القدماء العظام من الفلاسفة والأدباء والرسّامين والممثلين والموسيقيين والنحّاتين الذين لم يدخلوا في حياتهم، لا مدرسة ولا جامعة.
عديد الدول المتقدمة تخلت أو قللت من إجراء الامتحانات، ونحن على العكس نطالب اليوم بإرجاع امتحانات السيزيام والنوفيام (مع التمسك بالاحتفاظِ بالامتحانات الثلاثية أو السداسية بفروضِها التأليفيةِ المعهودة)، بعد ما كنا في السبعينات نطالب بحذفها لأنها تكرس سياسة الانتقاء  وتمنع دَمَقرَطَةَ التعليم وتعرقل التحاق أكثر أبناء الفقراء بالجامعة وتكبل  المِصعَدَ الاجتماعيَّ (La sélection ralentit la mobilité sociale ou ascenseur social).

في امتحان الفيزياء والرياضيات وعلم الوراثة، نمتحن ونحاسب التلميذ على مدى قدرته على توظيف المعلومات لحل مسألة لم تُطرَح عليه من قبل وليس على حفظها. فلماذا إذن لا نسمح له بإدخال ورقة تحوي كل القواعد التي قد يحتاجها لحل المسألة العلمية؟
في امتحان الإنشاء، نمتحن ونحاسب التلميذ على مدى قدرته على توظيف الاستشهادات الشعرية والنثرية لتأليف نص أدبي لم يُطرَح عليه من قبل وليس على حفظها. فلماذا إذن لا نسمح له بإدخال ورقة تحوي كل الاستشهادات التي قد يحتاجها لتأثيث وإثراء موضوعه؟
الهدف من التعليم ليس اصطيادَ الخطأ بل الاستفادةُ منه، وأشهر العلماء تعلموا من أخطائهم وأخطاء مَن سبقوهم في العلم: في فنلندا، التي تُعَدُّ من أنجح النظم التربوية في العالم: يأتي التلميذ إلى الامتحان، يدخل قاعة الامتحان، يقرأ الأسئلة، وإذا لم يكن جاهزًا لإجراء الامتحان لأي سبب كان، يستأذن  من المراقب ويغادر، فيُعيَّنُ له موعدٌ لاحقٌ لاجتياز امتحانه في ظروف أفضل دون سؤاله عن السبب.
ليس من أهداف التعليم أن يتفوق تلميذٌ على تلميذٍ ويأتي قبله في المعدل أو الترتيب بل الهدف أن نهيئ للجميع فرص التكوين الجيد ولكلٍّ حسب مكتسباته وموروثاته ونجاح التلميذ موكولٌ بمسؤولية الجميع، مدرسين، أولياء وإدارة (Albert jacquard a dit: On ne peut pas catégoriser l`intelligence).

موقفٌ مركّبٌ من مسألة حجبِ الأعداد عن الإدارة:
-         موقفي النقابي:
أساند زملائي في استعمال كل الوسائل المتاحة أمامهم والتي يرونها هم ناجعةً للمطالبة بحقوقهم الشرعية بما فيها وسيلة حجب الأعداد عن الإدارة وليس عن التلامذة وأوليائهم إن استطاعوا الاتصال بأساتذة ابنهم العشرة. ولَوْ اعتبرنا أن وسيلتهم  خاطئة، فهو خطأ إداريٌّ بحت أي لا يلحق ضررًا بتكوين التلميذ، خطأ يمكن تداركه قبل نهاية السنة الدراسية لو قبلت الوزارة الدخول في مفاوضات مع النقابة دون فرض شروطٍ مسبقةٍ.
أخالفهم في وسيلةٍ واحدةٍ فقط: أنا ضد الإضراب عن التدريس في القسم لأنه إجراءٌ يعاقب التلميذ الذي لا ذنبَ له وهو ليس طرفًا في الصراع النقابي الدائر والدائم بين الوزارة والمدرسين.
-         موقفي الديداكتيكي:
حتى تكتشفوا خَوَرَ التقييم الحالي، يكفيكم أن تقارنوا بين معدلات أبنائكم السنوية ومعدلاتهم في امتحانات الدخول إلى الإعداديات والمعاهد النموذجية (في حالة نوفيام ابني السنة الفارطة، وصل الفرق 4 نقاط ونزل المعدل من 12 إلى 8)!
كَوَلِيٍّ، بماذا سيفيدني تقييمٌ كالتقييمِ الحاليِّ، تقييمٌ مشوّهٌ موروبٌ مغلوطٌ ذاتيٌّ منحازٌ أو مُغرِضٌ أو انتهازيٌّ خبيثٌ؟ من جانبي شخصيًّا كولِيّ ومختص في إبستمولوجيا التعليم (الديداكتيك)، أدعوهم إلى حجبِ الأعداد إلى الأبد على شرط أن يتبنوا اقتراحي التالي: قبل حدوثِ هذا الإشكال (حجبِ الأعداد عن الإدارة)، كنتُ أطالب الوزارة بنزع إجراءِ التقييم الجزائي والإشهادي 
(Les Deux sortes d`évaluations: sommative et certificative)
من أيدي المدرسين بجميع أنواعهم، ابتدائي وثانوي (الجامعي إشكال؟). تترك لهم الوزارة ممارسة التقييم التكويني فقط 
(L`évaluation formative
 وتكتفي هي بإجراء وتقييم الامتحانات الوطنية الثلاثة كما تفعل اليوم في السيزيام والنوفيام والباكلوريا، وهو تقييمٌ ناجعٌ، كافٍ ووافٍ (مع الدعوة لإلغاءِ الفروضِ التأليفيةِ).

إمضائي
"المثقفُ هو هدّامُ القناعاتِ والبداهاتِ العمومية" فوكو
"إذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران
"لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة والبراهين، بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى، وعلى كل مقال سيء نرد بمقال جيد" مواطن العالَم
"وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا" (قرآن)
Les vices privés des capitalistes décideurs ne feront jamais la vertu publique du peuple gouverné

تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الاثنين 2 أفريل 2018.




Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire