mercredi 4 avril 2018

بعد الفرحةِ الظرفية بالمقالِ الأجنبي الذي استشهدَ بأبحاثي، لم أركُنْ للراحةِ، لم أدّعِ الاقترابَ من الكمالِ، ولم يخامِرْني التبجُّحَ ولو للحظةٍ واحدةٍ، بل تَداركْتُ أمرِي بسرعةٍ، وذهبتُ فورًا للتمحيصِ والنقدِ والتفكيكِ، هوايتي المفضلة. مواطن العالَم


لآ أنكرُ أن مقالَ الطبيب الهاييتي فرانز برنادان قد أسرّني كثيرًا، وكطفلٍ صغيرٍ فرحٍ بلعبةٍ جديدةٍ، قمتُ بنشره وإرساله فيسبوكيًّا إلى أصدقائي الذين يفرحون لفرحتي مهما كان السبب حتى ولو كان تافهًا (استشهادٌ يتيمٌ في مقالٍ علميٍّ أجنبيٍّ واحدٍ). أنا فرحان، هم أو هن يفرحون أو يفرحن. أصدقاءٌ قُدّوا من غَزْلِ الحريرِ الناعمِ عكس بعض أصدقائي القدماء غلاظ القلب. طبعتُه، عرضته على كل جلسائي في حمام الشط بمقهى الشيحي ومقهى الأمازونيا. ومسرورًا، هاتفتُ صديقين يقيمان بجمنة، ولو بيدي لقدمتُه في نشرةِ الأخبار المسائيةِ.


مُناوِئِيَّ يقولون عني أنني أنشدُ الاعترافَ باجتهاداتي الفكريةَ (La Reconnaissance de mes travaux scientifiques et intellectuels). وما العيبُ في ذلك يا تُرى إن لم تكن الحركةُ انتهازيةً؟ بالله قُولولِي؟ الإنسانُ كائنٌ اجتماعيٌّ بطبعِه وبمكتسباتِه أيضًا، ولا وجودَ للـ"أنا" (Le Je) إن لم توجد الـ"أنتَ" (Le Tu)!

مرّ يومٌ ودقتْ ساعةُ الحسابِ، فإليكم ما في جِرابِي:
1.     المفروض أن أطروحة الدكتورا تُعَدُّ إنتاجًا علميًّا يرجعُ له الباحثون في نفس الاختصاص عديد المرّات (لا مرّة واحدة) ليعتمدوا نتائجَه ويبنونَ عليها. بحثي متوفرٌ على شبكة النات منذ ثمان سنوات. ومنذ ثمان سنوات لم يلتفتْ إليه العلماءُ الأجانبُ إلا هذه المرة، رغم أن مدير أطروحتي فرنسي النشأة والجنسية، والبحثُ مكتوبٌ باللغة الفرنسية ويتناولُ براديڤم جديد (ما فوق الوراثي المخي -L`épigénèse cérébrale contre le tout génétique )، وأنا متخرجٌ من جامعة فرنسية (UCBL1).
لماذا؟ حسب اجتهادِي المتواضعِ، يوجدُ سببان محتملان:
-         سببٌ أولٌ مُرٌّ كالعلقمِ، نحن مسؤولون عنه (قُلْ الحقيقةَ ولو على نفسك ولو على حسابِ كِبريائك)، سببٌ علميٌّ موضوعيٌّ، سبق أن قلته ونشرته: جل الأطرحات التونسية في كل الاختصاصات لم تُنتجْ معرفةً جديدةً، بل هي نسخٌ باهتةٌ للإنتاج العلمي الغربي، بما فيها أطروحتي في تعلمية البيولوجيا (2007)، نحن في أغلبنا ناقِلو علمٍ ولسنا من منتجِيه.
-         سببٌ ثانٍ أمرُّ من العلقمِ، نحن ضحاياه، سببٌ عنصريٌّ مقيتٌ بغيضٌ، هل يمكنُ أن يَخطرَ على بالكم يومًا أن عالِمًا غربيًّا مغرورًا متكبرًا قد يتصفحُ أطروحةً مؤلفها اسمه "محمد" وجنسيتُه "تونسية"؟ وذلك لِما تحمله هذان الكلمتان من معاني سلبية في ذهنية أغلب الغربيين، خاصة في هذا الجو المشحون بالإسلاموفويبيا السائدةِ في العالَم الغربي (كُرْهُ المسلمين بسببٍ ودون سببٍ).
2.     لكن الحظَّ أسعفني ثلاث مرات:
الأولى: كل بحثٍ علميّ لا يخلو من إيجابيات حتى ولو كانت قليلةً، وكل اجتهادٍ نزيهٍ في البحثِ العلميِّ أو تَمشٍّ فرديٍّ صادقٍ حتى ولو لم يُفضِ إلى نتيجةٍ معتبرةٍ، فقد يمثلُ ركيزةً للنجاحِ عند الغيرِ، على الأقل يُجنبه سلوكَ نفس الطريقِ.
الثانية:  أن الطبيبَ الأجنبيَّ كاتبَ المقال المعنِي ينتمي مثلي للعالَم الثالث، أي ليس عنصريًّا وليس معاديًا للرموز الإسلامية وليس منتفخًا عرقِيًّا ولا متعصبًا حضاريًا.
الثالثة: أنه تفطّنَ للقَيّمِ الجَيِّدِ والجديدِ في أطروحتي، أعني به مجموعة الحجج العلمية التي تُقيمُ البرهانَ القويَّ والدليلَ الساطِعَ على مبدأ المساواة المخية بين المرأة والرجل، وهذا شرفٌ أعتز به.

خاتمة: أيها المثقفون، احذروا الشكرَ فهو مخدّرٌ، واطلبوا النقدَ فهو في النهايةِ بنّاءٌ حتى ولو كان مضمونُه هدّامًا، والهدمُ الجيّدُ يسبقُ دومًا البناءَ الجيّدَ! وإذا لم ينقدونَكم، انقدوا أنفسَكم وجاهدوها، فهو الجهادُ الأكبرُ والأفضلُ. المهم الصدقُ في القولِ والإخلاصُ في العملِ. للأسف، شاعرنا العظيم منور صمادح قال:
شيئان في بلدي قد خيبا أملي *** الصدق في القول والإخلاص في العمل.

إمضائي
"المثقفُ هو هدّامُ القناعاتِ والبداهاتِ العمومية" فوكو
"إذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران
"لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة والبراهين، بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى، وعلى كل مقال سيء نرد بمقال جيد" مواطن العالَم
"وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا" (قرآن)
Les vices privés des capitalistes décideurs ne feront jamais la vertu publique du peuple gouverné

تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الأربعاء 4 أفريل 2018.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire