"عالميًّا
- وأنا مواطن العالَم - كان يحكمنا رجالٌ نبلاءٌ فضلاءٌ شجعانٌ مثل لينين، ستالين،
ماو، موسولوني وهتلر، قتلوا منّا 45 مليون مدني على أقل تقدير وفي ظرف ربع قرن فقط.
لستُ ساذجًا ولا غِرّاً حتى أقول أننا اليوم في أفضل حالٍ. عديد المبدعين ماتوا
صغارًا وحُرِمت الإنسانية جمعاء من عبقريتهم: بودلير (46 عام)، موباسّان (42 عام
بمرض الزهري)، كافكا (40 عام بمرض السل)، جين أوستين، شومير، موزار، إلخ. اليومُ،
جل المبدعين يعمّرون وبفضل الطب على آلامهم تقريبًا يسيطرون. هذا لا يعني أن كل
تقدم هو فعلٌ إيجابي، ولكل تقدم جانب سلبي وثمن غالٍ، مثلاً تزايد السكان والتلوث بوتيرة
مفزعة. "قْبَلْ" كانت الحياة الزوجية تدوم عقدًا أو عقدين واليوم تدومُ نصفَ
قرنٍ أو أكثر قليلاً، العلمُ أدامَ العشرةَ بين القرينَينِ. التطور التكنولوجي قد يقضي يومًا على العمل (Le travail) ومجتمعنا مجتمعٌ منظّمٌ حول العمل، فلْنَعُدُّ أنفسَنا
لمجتمعٍ جديدٍ. أومن بالتفاؤلِ المناضلِ وليس التفاؤلَ الساذجَ" (ترجمة عن
مقابلة تلفزية على اليوتوب للفيلسوف الفرنسي المعاصر العظيم ميشيل سارْ، 87 عام،
75 كتاب).
أوهام "قْبَلْ"
الخادعة وحقائق اليوم الواقعية:
-
الوهم المُخدِّر: كان التعليم أفضل، لم نكن
نرتكب أخطاءً لغوية كجيل اليوم الفارغ، كنا نقرأ أكثر من جيل اليوم الجاهل، ومعلِّمونا
كانوا جهابذةً.
الحقيقة الواقعية: التعليم كان تلقينيًّا مائة في
المائة، ارجعوا إلى امتحانات الإملاء بالعربية والفرنسية القديمة وستكتشفون الكم
الهائل من الأخطاء الإملائية، أما اليوم فالحاسوب يوفر لكل كاتبٍ (لا أعني المؤلف
بل المواطن العادي)، ويُجنّدُ لخدمتِه مستشارًا لغويًّا متعدد الألسنة ودون مقابل،
تدعوه وبمجرد نقرة على الفأرة كالجن يخرج من قمقمه ويقول لك "شُبيك لُبيك أنا
بين إيديك"، جيل اليوم أصبحوا كلهم يكتبون، يعبّرون وكل الحواجز يَعبُرون، وفي
الفيسبوك عشرات الصفحات يوميًّا يقرأون، وعلى أخبار العالم حينيًّا يطّلعون، يتحاورون،
يتواصلون، وكل دقيقة على أحوال بعضهم يسألون، وعلى أحبابهم يُسلّمون ويَطمئنّون. ماذا
يقرأون؟ مسألة تُناقَش بهدوءٍ. معلمونا كانوا كلهم خريجي ثانوي لكنهم كانوا صادقين
مغرومين نتاجُ عصرهم وليسوا نتاجَ اجتهادهم الشخصي، مع احترامي الشديدِ لهم
واعترافي بأفضالهم عليّ شخصيًّا.
-
الوهم المُخدِّر: كان غذاؤنا صحيًّا وكنا أقوى
بدنيًّا.
الحقيقة الواقعية: جل كبار السن كانوا دُرْدًا
(فم دون أسنان) إلا الأغنياء يشترون "مَضْحَكًا" (فكّان صناعيان يضعهم
الأدرد في فمه في النهار وفي الليل ينزعهما ويضعهما في كأس ماء، رأيتهما عند أبي
العامل المهاجر بفرنسا قبل الاستقلال)، واليوم وبفضل العلم، كل كبار السن يبتسمون،
وعن أسنانٍ سليمةٍ بيضاءَ بخيلاء يكشفون. أمل الحياة زادَ (espérance de vie)، ولم أقل زادت بهجةُ
الحياةِ. التلقيح الشامل والبنسلين قَضَيَا على جل الأمراض الجرثومية. كنا في جمنة
(المعذرة لأولاد بلادي فأنا أتحدث على عائلتي في طفولتي عند شيخوخة أبي، أبي كان
نسبيًّا غنيًّا، فَقِرَ في أواخر أيامه، أنجبني وعمره 66 عامًا)، كنا نملك أفقرَ
كوجينة في العالم، نطبخ دون زيت (لا زيتونة لا سانڤو) ودون لحم (لا غِنمي لا بِڤري
لا دجاج، ولم نكن نعرف من الحوت إلا الوزف الشايح يتغزغز في البركوكش)، حتى القمح
والشعير هجروا مطبخنا، عوضتهم أنواعٌ غريبةٌ من الحبوبِ، ماسطة وحتى أسمائها خايبة
مثل "البِشْنَة والدُّخْنَة"، كعبات الفول في الكسكسي، مِن فرطِ قلتها كنا نتعارك حولها، أنا والمرحوم أخي الأكبر صالح.
-
الوهم المُرعب: كنا في سلام وأصبحنا في حرب.
الحقيقة المُهدّئة: العكس هو الصحيح، على الأقل في تونس،
قبل الاستقلال كانت تونس مرتعًا للاستعمار الفرنسي ومسرحًا لحربٍ ضَروسٍ بين
الألمان والحلفاء، بعد الاستقلال، أي منذ 1956، ونحن ننعم بسلام دام 62 عامًا وإن
شاء الله يدوم إلى الأبد (الشعانبي إرهابٌ مخطرٌ لكنه ليس حربًا شاملةً). احمدوا
ربكم يا توانسة على هذه النعمة رغم الفساد المستفحل وضَنْكِ العيش اليومي بالنسبة
لأغلبية الشعب. الحربُ لم تعد سببًا من أسباب الموت على الأقل في تونس باستثناء السلفيين
التونسيين الجهاديين في سوريا الذين اختاروا الموتَ في سبيل إيديولوجيتهم الدموية
المتطرفة وليس في سبيل الله أو الإسلام كما يدّعون وعلى أنفسهم يكذبون.
إمضائي
و"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران
تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، السبت 1 سبتمبر 2018.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire