jeudi 13 septembre 2018

أيها الزملاء الأعزّاء، ابحثوا في التلميذ عن الذكاء الكامن المحتمل ولا تكتفوا بالذكاء الظاهر غير المستقر! مواطن العالَم د. محمد كشكار، دكتور في تعلّميّة البيولوجيا، دراسة مشتركة وإشراف مشترك بين جامعة تونس وجامعة كلود برنار، ليون 1، فرنسا (2007)




هل يوجد لدى الطفل مستويان من النموّ الذهنيّ (الذكاء)؟

أعتمد في مقالي هذا علي كتاب بالفرنسيّة  عنوانه (Vygotsky aujourd’hui)، نُشِرَ بباريس سنة 1985 تحت اشراف (B.  Schneuwly  & J.P. Bronckar).
عندما نحدّد "العمر الذهنيّ" 
(l'âge mental)
 لدى الطفل بواسطة اختبارات  الحاصل الذكائي (QI: Quotient Intellectuel)، نتكلّم دائما على نوع واحد فقط من النمو الذهنيّ وهو "النموّ الذهنيّ الفعليّ (الحالي)" لكن مثلما أثبتته التجارب، يعجز هذا الحاصل الذكائي عن الإحاطة الكاملة بحالة النموّ الذهني عند طفل ما في لحظة معيّنة ما.

لنفرض جدلا أن لدينا طفلان اجتازا اختبار الحاصل الذكائي وحدّدنا عمرهما الذهنيّ بسبع سنوات (أي لهما القدرة على حل المسائل المناسبة لأطفال في عمرهما) فهل هذان الطفلان متساويان فعلا في النمو الذهني؟ لو حاولنا إخضاعهما لإختبارات أخرى فقد يظهر بينهما اختلاف مهمّ : قد يستطيع أحدهما وبسهولة حل اختبارات مناسبة لأطفال يكبرونه بعامين، أما الآخر فلا يحل إلا الاختبارات التي تفوق سنه بستّة أشهر. نستنتج إذن أنهما ليس متساويَين في الذكاء،  خاصة إذا أخذنا في الإعتبار القدرة الكامنة والممكنة والمحتملة لدى الطفلين التي قد تظهر وتتجسّم لو وفّرنا لها وضعيّة إجتماعيّة تعلّميّة يحتكّ فيها الطفل مع الغير، مدرّسين وأقران.

نصل هنا إلى تعريف النوع الثاني من الذكاء، ذكاء غير معروف لدى غير أهل العلم، ذكاء محتمل والمسمّى "المنطقة الأقرب للنمو الذهني 
(ZPD : Zone proximale de Développement).
 هذا المفهوم الجديد نسبيًّا، اكتشفه عالِم النفس والبيداغوجيا السوفياتي الاشتراكي "فيڤوتسكي" في أوائل القرن العشرين والذي يعرّفه في النقاط التالية:
-         ما يقدر الطفل على إنجازه اليوم، بمساعدة المدرسين وبحضور أقرانه (يحدّد مستوى "المنطقة الأقرب للنمو الذهني")، يستطيع تحقيقه بمفرده غدًا.
-         يختلف مستوى حل المشاكل الذهنيّة الذي يصل إليه الطفل بمفرده عن مستوى حل المشاكل الذي يصل إليه مع أقرانه وتحت إشراف ومساعدة مدرّسيه.
-         نستطيع تحديد حالة النموّ الذهنيّ (الذكاء) عند الطفل بالاعتماد على المستوَين المذكورين أعلاه: "النموّ الذهنيّ الفعليّ" (أي الذكاء الحاليّ) و"المنطقة الأقرب للنموّ الذهني" (أي الذكاء المحتمَل).
-         لو تركنا الطفل المتخلّف ذهنيّا وحده ودون رعاية تربويّة لَمَا وصل الى أيّ شكل من أشكال التفكير المجرّد.
-         لو أخذنا مثلا طفلا سليما يعيش في عزلة مع والدين "صم- بكم"، سيبقى هذا الطفل أصم-أبكم رغم تمتّعه بالملكات البيولوجية للنطق والسمع، ونتيجة لذلك لا تتطور في مخه الوظائف الذهنيّة العليا (الذكاء) المرتبطة بالكلام واللغة.
-         لو أخذنا في الاعتبار في التعليم مستوى "النموّ الذهنيّ الفعليّ"(أي الذكاء الحاليّ QI)  فقط، لَمَا اكتشف الطفل طاقاته الكامنة والممكنة مستقبلا (أي الذكاء المحتمل).
-         لو استبقنا النموَّ المستقبليَّ لدى الطفلِ وقدّمنا له أنشطة أعلى بقليل من مستواه الحاليّ (QI: Quotient Intellectuel)، أنشطة تقع في "المنطقة الأقرب للنموّ" 
(ZPD : Zone proximale de Développement)، 
يعني غير مستحيلة الإنجاز خاصة بحضور أقرانه وتحت إشراف ومساعدة مدرّسيه، لَتحسّن ذكاؤه.
-         كل وظيفة ذهنيّة عالية (الذكاء) تظهر مرّتين خلال نمو الطفل: تظهر أولا في شكل نشاط جماعيّ واجتماعيّ كوظيفة ذهنيّة مشتركة بينه وبين أقرانه، وهذا ما يقع فعلاً في القسم وأثناء الأشغال التطبيقية الجماعية، ثم تظهر ثانية على شكل ملكية فردية كوظيفة ذهنية داخلية، وهذا ما يحصل فعلاً بعد الدرس عند إدراك عملية الإدراك من قِبل التلميذ نفسه وبمفرده.
-         نصل الي الإستنتاج التالي : من المفروض أن لا يتزامن التعليم الحديث مع النمو الذهني الحالي للطفل (QI: Quotient Intellectuel)، بل يسبقه وينشّطه ويوقظ فيه التطوّر التدريجيّ للنموّ الذهنيّ أي الذكاء.

بعد هذا التقديم النظري الضروريّ والمختصر قدر المستطاع، نحاول توظيف هذه النظريات لتحليل واقعنا التعليميّ التونسي:
-         هل اطّلع  مدرّسونا - ابتدائي وثانوي - على هذه النظريّات البيداغوجيّة "الخلاّقة بالمعنى الحرفيّ للكلمة"، خلاّقة أي تخلق الذّكاء وهي نظريات ترتكز عليها المدرسة البنائيّة لـ"بياجي" (شعار مرفوع من قِبل وزارة التربية، لكنه غير مطبَّق).
-         لنفرض جدلاً أن مدرّسينا اطّلعوا على هذه النظريات ونسأل: هل الدولة أوجدت الأرضيّة والمناخ الملائم لتطبيقها؟ طبعا الجواب بالنفي والدليل الذي أستحضره الآن ويقُظُّ مضجعي، هو "الستة والثلاثون تلميذا" الذين ينتظرونني يومين في الأسبوع في المعهد الّذي أدرّس فيه.

خلاصة القول: قال لي صديقي "أنت تحلم" فقلت له: نعم أنا أحلم، لكنني أعي جيدًا بأنني أحلم، وأدرك جيدًا أيضًا حالة الحلم التي أمرُّ بها. أحلم، لكنني واعٍ بأن حلمي مشروعٌ وممكنُ التّحقيق لو توفّرت الظروف الملائمة، فالكوريّون الجنوبيّون ليسوا أفضل منا كبشر، عندما أقلعوا نحو التقدم في عشرين سنة بالاعتماد أساسا على إصلاحِ وتحسين التعليم.

إمضائي
و"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران

تاريخ أول نشر على النات: حمام الشط في 27 نوفمبر 2008.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire