samedi 15 septembre 2018

أيها الزملاء الأعزاء، يبدو لي أن للغش حلولٌ علميةٌ تأتي قبل التأديبيةِ؟ مواطن العالَم محمد كشكار، دكتور في تعلّميّة البيولوجيا، دراسة مشتركة وإشراف مشترك بين جامعة تونس وجامعة كلود برنار، ليون 1، فرنسا (2007)



هل يتحمل التلميذ وحده مسؤولية الغش في الامتحانات؟ 
نذكّر أولا بالحلول التأديبية المطبقة الآن  سنة 2010 في تونس: يُحال التلميذ المتهم بالغش على مجلس التربية في معهده وإذا تبين بالحجة والدليل أنه قام بالغش في الامتحان يُرفت لمدة تتراوح بين 4 و15 يومًا، وفي صورة إعادة الكرّة يمكن أن يُرفتَ نهائيًّا من المعهد مع العلم أن للتلميذ حق الدفاع عن نفسه أمام المجلس لكن دون محامٍ رغم فداحة العقوبة التي قد يتعرض إليها.

أطرح هنا بعض الإشكاليات الموضوعية وأقترح بعض الحلول العلمية لظاهرة الغش:
1.     الاكتظاظ في القسم: تقريبًا معدل 30 تلميذ في قسم واحد وقاعة واحدة أو أكثر في عديد المعاهد، عددٌ يُرهقُ الأستاذ، والتلميذ لا يستفيد خاصة مع استعمال المقاربة التلقينية 
(Le béhaviorisme)
 السائدة حتى اليوم في تعليمنا العمومي. لو كانت المقاربة البنائية هي السائدة لَهانَ الأمر لأن التلميذ في هذه الحالة هو الذي يبني معرفته بنفسه تحت إشراف الأستاذ ويكون عادة مشغولا بإنجاز عمله داخل القسم فينقص التشويش ويرتفع التركيز (في سنڤابور، المعدل 30 ، لم يمنعها هذا الاكتظاظ من أن تصبح من أفضل الأنظمة التعليمية في العالَم).
هل يُعقل أن نضع 40   تلميذًا في قاعة تَسَعُ 20 ونطلب من كل تلميذ أن لا يسرق النظر إلى ورقة زميله؟ هل التلميذ هو المسؤول عن الاكتظاظ في القسم؟
ربما يكون من الأفضل توفير قاعات واسعة لعدد قليل من التلاميذ قبل محاسبتهم علي الغش.
          
2. طريقة إلقاء الأسئلة: أنا أتساءل:  ما ضّر لو أدخل التلميذ معه ورقةً مكتوبًا عليها أبياتًا شعرية في امتحان الإنشاء أو ورقة مكتوبًا عليها بعض القواعد في امتحان الرياضيات أو الفيزياء؟
ربما يكون من الأفضل عدم محاسبة التلميذ علي الحفظ في امتحان توظيف المعلومات.

3. مضمون البرنامج أصبح قديمًا: لماذا نفرض على التلميذ برامج قديمة لا تراعي اهتماماته الحالية ومن بعد نحاسبه على حفظها وفهمها؟
 ربما يكون من الأفضل استشارة التلميذ عبر استفتاء لمعرفة تصوراته وآماله وطموحاته قبل إعداد البرامج المدرسية.

4. المدرسة السلوكية المنسوبة إلي واتسون وسكينر (Le béhaviorisme de Watson et Skinner): نعّلم التلميذ عن طريق التلقين والسؤال والجواب والجزاء والعقاب طوال حياته الدراسية ونرسم له مستقبله دون أن يشارك هو في بنائه. نعامل التلميذ مثل ما يعامل الباحث السيكولوجي الفأر داخل المتاهة حتى أصبح التلميذ يردد العبارة المشهورة "بضاعتكم ردّت إليكم"، وله ألف حق فهي بضاعتنا نفرضها عليه ولم يخترها بنفسه. نجحنا في خلق أجيال تقلّد ولا تبادر أبدا.
ربما يكون من الأفضل تطبيق  ما جاءت به المدرسة البنائية المنسوبة إلي بياجي وفيڤوتسكي (Le constructivisme de Piaget et Vigotsky)  الّتي تعلّم التلميذ كيف يتعلم بنفسه خاصّة في عالم الانترنيت اليوم وعالم الموسوعات حيث يستطيع التلميذ أن يتفوّق على أستاذه في بعض المجالات. "المدرسة البنائية المنسوبة إلي بياجي وفيڤوتسكي" تُعَلِّمُ التلميذ المبادرة والاستقلالية عن الأستاذ، وتفرض على المربين بجميع أصنافهم اعتبار التلميذ عقلا مستقلا يفكّر وينتج وله وجهة نظر محترمة وليس إناءً فارغًا نملؤه بما نريد أو صفحة بيضاء نخط عليها ما نشاء.

5. نقد مقاربة "بيداغوجيا الأهداف" (PPO : Pédagogie Par Objectif): ترسم الوزارة أهدافها ويحضّر الأستاذ درسه وأهداف برنامجه دون معرفة مسبقة لتصوّرات التلميذ ويقو م المدرّس بإنجاز درسه على أحسن ما يرام ويكمل برنامجه متجاهلا المستوى  المعرفي لتلاميذه قبل وبعد الدرس. أنا أتساءل: هل أهداف الدرس هي أهداف التلميذ أم أهداف الأستاذ أم أهداف الوزارة؟
ربما يكون من الأفضل اعتماد طريقة "بيداغوجيا المشروع" (Pédagogie de projet مشروع التلميذ لا مشروع الأستاذ ولا مشروع الوزارة. أقصد مشروع البحث العلمي المشترك بين مادّتين أو أكثر كالفيزياء وعلوم الحياة والأرض. مشروعٌ يختار موضوعَه التلميذ وينجزه التلميذ داخل فريق بإعانة الأستاذ ويقدمه التلميذ أمام زملائه فلا حاجة إلي حراسة ولا عقاب وبواسطة هذه الطريقة العلمية قد نقضي على الغش وعلى الأنانية من جذورهما، فينشأ التلميذ واثقا بنفسه وبالآخرين.

أروي لكم ما شاهدت بأم عيني في معهد في نانسي بفرنسا: رأيتُ فريقًا من تلاميذ السنة ثالثة ثانوي (عام قبل الباكلوريا) يقدّمون مشروعهم في نهاية السنة مستعملين الوسائل الحديثة وهم يتداولون على أخذ الكلمة على المنصة، يشرحون تجاربهم، فخِلتهم طلبة المرحلة الثالثة يدافعون عن أطروحاتهم! اشتغل التلامذة على المشروع مع بعضهم عامًا كاملاً، تبادلوا المعلومات، استشاروا أهل العلم، قاموا بالتجارب وحدهم في المخبر ووظفوا المعلومات في حلّ مشكل واقعي كـ"تأثير الأمطار الحامضة على النباتات" مثلا. "بيداغوجيا المشروع" جعلتهم يعدّون أنفسهم بأنفسهم للبحث العلمي والعمل مع الآخرين.

خلاصة القول: للغش حلول علمية يتغافل عنها المسئولون والمربون على السواء ولا يطبقون إلا الحلول التأديبية على التلميذ وهو الذي يمثل  أضعف حلقة في سلسلة المسؤولين على الغش في الامتحانات. أقِرّ أن التلميذَ مسؤولٌ نسبيًّا على عملية الغش ويجب تأديبه لأن غياب التأديب فيه سوء تهذيب (L’absence d’autorité est une forme de maltraitance). لكن عندما لا تطبق الوزارة الحلولَ العلمية وتكتفي بالعقاب يصبح التلميذ ضحية بعدما كان مسؤولا. خلال مقابلة خاصة مع وزير التربية الأسبق منصر رويسي  في مكتبه (2002)، طرحتُ عليه فكرتي هذه حول علاج الغش، وقلتُ له بالحرف الواحد، لكن بعد تقديمٍ يليق بمقامه: "لو ضَبطتُ تلميذًا يغش، المفروض أكتبُ تقريرًا فيك أنت سيدي الوزير وأحيلك على مجلس التأديب". ابتسم وقال لي: "عندك حق".

شهادة على مهنة:  لم أرسِلْ يومًا بِتلميذٍ من تلامذتي إلى "المِقصلة" (مجلس التأديب أو مجلس التربية)، إلا مرتين خلال مسيرة دامت 38 سنة بالتمام والكمال: الأولى، تلميذة أعادت محاولة الغش في امتحان الباكلوريا بمعهد غار الدماء بعد ما سامحتها في الأولى (1989، لا أعرف إلى اليوم مصيرَ تقريرِي). الثانية، تلميذ سبّ في وجهي الجلالة في معهد برج السدرية ورفع كرسيًّا قصد تعنيفي داخل قاعة الدرس، أنا لم أتحرّك من مكتبِي، من حسن حظي زملاؤه منعوه (2011، عام الثورة، طلبتُ من أمه، قيّمة بنفس المعهد، نَقلَهُ إلى معهد آخر دون عقوبةٍ، رفضتْ، أصرّيتُ، رَفتٌ نهائيٌّ من المعهد، سجّلته أمه في نفس العام الدراسي في معهد حمام الأنف).

كيف أتعامل مع تلميذي عندما أضبطه في حالة غِش؟
لديّ قانونٌ خاص أصرّح به لتلامذتي في أول حصة، وهو التالي: لن أكتبَ تقريرًا للمجلس بل سوف أسنِدُ عددًا يساوي واحد على عشرين لكل تلميذٍ أضبطه في حالةِ غِشٍّ، لأن هذا الأخير لم يبذل جهدًا في التحصيل العلمي. وكل مَن لا يعجبه حكمي يشتكيني عند مجلس التأديب المنتخَب وأنا راضِ  بحكم المجلس. خلال مسيرتي المهنية (38 سنة)، الحمد لله لم يشتكيني أي تلميذ عاقبتُه بهذه الطريقة ولم يحتج عليَّ أي ولي لتلميذ أخطأ.

إمضائي
"عَلَى كل خطابٍ سيئٍ نردّ بِخطابٍ جيدٍ، لا بِالعنفِ اللفظِي" (مواطن العالَم)

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 27 نوفمبر 2008.


إمضائي
و"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران

تحيين بتاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الأحد 16 سبتمبر 2018.




Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire