dimanche 16 septembre 2018

أيها الزملاء الأعزاء، انتبهوا جيدًا فإن تصوّرات التلميذ غير العلمية لا تنهزم بسهولة! مواطن العالَم محمد كشكار، دكتور في تعلّميّة البيولوجيا، دراسة مشتركة وإشراف مشترك بين جامعة تونس وجامعة كلود برنار، ليون 1، فرنسا (2007)



أنطلق من البحث الّذي أجراه بيار كليمان, الأستاذ المحاضر بجامعة كلود برنار بليون, مدير أطروحتي السابق، على عيّنة تتكوّن من 98 طالبا فرنسيّا في السّنة الأولى طبّ و المنشور في أكاديمية مونتريال سنة 2002 .
السؤال المطروح في البحث: أنت عطشان جدّا. شربت لترا من الماء. بعد وقت قصير, شعرت بحاجة للتبوّل. ارسم على ورقة، المسار الذي اتبعه الماء داخل جسمك من لحظة دخوله إلى لحظة خروجه؟

نتج عن هذا البحث ثلاثة تصورات (représentations ou conceptions)
التصوّر الأوّل:
55 في المائة من الأشخاص المستجوَبين رسموا أنبوبا متواصلا من الفم إلى الأمعاء إلى الكيس البولي, يدخل فيه الماء من الفم و يخرج من الفتحة البوليّة، وهذا الجواب يعتبر خاطئًا علميًّا لأن الأنبوب الهضميّ منفصل تماما عن الأنابيب البوليّة والأوعية الدموية هي  التي تربط بينهما.
 التصوّر الثاني:
6 في المائة رسموا أنبوبين منفصلين دون أيّ رابط دمويّ بينها, الأوّل يدخل فيه الماء من الفم و يخرج من الشّرج مرورا بالأمعاء والثاني يخرج منه الماء من الفتحة البوليّة وهذا خطأ علمي أيضا.
 التصور الثالث:
39 في المائة رسموا ثلاثة أنابيب مرتبطة بسهام, الأوّل يمثل الأمعاء والثاني الأوعية الدّمويّة والثالث الأوعية البوليّة. يدلّ الرسم على أن المستجوَبين أصابوا علميا في تصورهم: يمر الماء إلى كامل أعضاء الجسم عبر الأوعية الدموية.

استنتجَ كليمان من هذا البحث ما يلي:
رغم أن الطّلبة درسوا في الابتدائي والثانوي والعالي المضامين العلميّة اللازمة لتبنّي التصور الثالث, نلاحظ أن أكثر من نصفهم ما زال يتمثّل في ذهنه التصوّر الأوّل غير العلمي.

بحث كليمان في سبب مقاومة هذه التصوّرات غير العلمية للعلم وتوصّل إلى الاستنتاج التالي:
تنبثق التصوّرات من التفاعل الذي يتم بين الثلاثة عناصر الآتي ذكرهم:
العنصر الأوّل:  المعارف العلميّة (les connaissances scientifiques) التي نشرت في المجلات المختصّة والكتب المدرسية أو الّتي تلقّاها التلميذ في المدرسة.
العنصر الثاني:  مجموعة القيم (les valeurs) التي يتبنّاها التلميذ حول هذا موضوع.
العنصر الثالث: الوسط الذي يعيش فيه التلميذ وممارساته الشّخصيّة والممارسات الاجتماعية السّائدة في بيئته (les pratiques sociales).

بعد التنظير، ننتقل الآن إلى واقعنا التعليمي التونسي لنعطي بعض الأمثلة على هذه التصوّرات غير العلمية الرّاسخة في أذهان التلاميذ رغم أن المعارف العلميّة اللازمة لتصحيحها تُدرّس في كل المستويات:
المثال الأوّل:
ما هي أسباب حركات التنفّس عند الإنسان؟
يأتي التلميذ إلى الإعدادي وهو يعتقد جازما أن الهواء يدخل إلى الرئتين وينفخها فيرتفع الصدر. وهذا جواب غير علمي، والجواب الصّحيح هو الآتي: تتقلّص عضلات الصدر وعضلة الحجاب الحاجز وتتبعها الرئتان الملتصقتان بهما فيزيد حجم القفص الصدري مما يخلق فراغًا في الداخل (un vide)، فراغًا يجذب الهواء من الخارج إلى الداخل عن طريق الفم والأنف. نلاحظ إذن أن دخول الهواء هو نتيجة لحركات التنفّس وليس سببا فيها. يدافع التلميذ على تصوره غير العلمي بقوله أن المعلّم لم يدرّسه المعلومة الصّحيحة وهذا مخالف للواقع لأن بعض التلامذة يحتفظون بهذا التصوّر غير العلمي رغم تصحيح الأستاذ للمعلومة ويعيدون استعماله في الثانوي وفي العالي.

المثال الثاني:
ماذا تتنفّس النباتات الخضراء؟
يأتي التلميذ إلى الإعدادي وهو يعتقد جازما أن النبتة تتنفّس عكس الإنسان, يعني أنّها تمتصّ ثاني أكسيد الكربون وتطرح الأكسجين وهذا جواب غير علمي، والجواب الصّحيح هو الآتي: أثناء التنفّس, الذي يقع في النهار والليل, تأخذ النبتة الأكسجين وتطرح ثاني أكسيد الكربون مثلها مثل الإنسان والحيوان. من أسباب هذا التصوّر غير العلمي عند التلميذ هو الخلط بين وظيفة التنفّس ووظيفة التركيب الضوئي اللتان تقعان في نفس الوقت في الضوء النهاري. أثناء عملية التركيب الضوئي الذي يقع في النهار فقط, تأخذ النبتة ثاني أكسيد الكربون لتصنع منه المواد العضويّة كالنشا والسكر والدهنيّات والبروتينات ثمّ تطرح الأكسجين.
 
المثال الثالث:
بماذا تتغذى النباتات الخضراء؟
يأتي التلميذ إلى الإعدادي وهو يعتقد جازما أن ثاني أكسيد الكربون يتكوّن من غازات سامّة ومضرّة بصحّة كلّ الكائنات الحيّة ولا يعتبره مادّة مثلها مثل الأجسام الصلبة والساّئلة. هذا التصوّر غير العلمي يجعل من الصعب إقناع التلميذ بأن هذا الغاز هو مادّة وغذاء للنباتات الخضراء ومنه تَصنع شجرة الزيتون الزيت ونبتة اللفت السكري السكّر… ودونه نموت جوعا.

المثال الرّابع:
هل مخ المرأة يساوي مخ الرجل؟
يتمثّل التصوّر غير العلمي السّائد في أن مخ الرجل أكبر في الوزن والحجم من مخ المرأة والخطير هو ما ينجرّ عن هذا التصور من قيم تحقّر من شأن المرأة وترفع من شأن الرجل رغم أن المعلومة الصّحيحة تقول أن وزن المخ وحجمه يتغيّران حسب وزن الجسم، رجلا كان أم امرأة(. هذه المعلومة تُدرّس  في برنامج الباكلوريا. أضف إلى ذلك أن الذكاء البشري لا يُقاس بحجم أو وزن المخ بل يُقاس بما يقِيمه المخ البشري من وصلات عصبية بين الخلايا المخية نتيجة التفاعل المستمر بين الجينات الموروثة والمكتسبات التي يتلقاها من المحيط الخارجي المتمثل في التعليم والمجتمع.

المثال الخامس:
من يشكّل الصفات البشرية, الوراثي أو المكتسب؟
جلّ الناس يعتقدون أن العامل الوراثي هو المحدّد في تكوين الجسم بيولوجيا وذهنيًّا ويهملون في أغلب الأوقات دور المكتسب أو يقلّلون من شأنه مع العلم أنه يستحيل الفصل بين الاثنين، الوراثي والمكتسب، لأن تفاعلهما الدائم ينبثق منه البشر بصفاته البدنية وخاصة الذهنية.

خلاصة القول:
 التصوّرات غير العلمية راسخة في ذهن التلميذ والأستاذ (في بعض الأحيان) وهي تمثّل منظومة فكريّة متماسكة أثبتت نجاعتها عبر السنين، لذلك قد لا نستطيع تغييرها بالاكتفاء فقط بتصحيح المعلومة الخاطئة لدى التلميذ. يأتي التلميذ إلى القسم حاملا أفكارًا وقِيمًا ناتجة عن تفاعله مع محيطه المادّي والبشريّ, فهو يتأثر بما يسمع في وسائل الأعلام وما يقرأ، وهو يؤثر في أقرانه أيضًا. نستنتج إذن أن التلميذ ليس صفحة بيضاء نكتب فيها ما نشاء أو إناء فارغا نملؤه بما نريد بل هو شخصيّة متكاملة وقابلة للتطوّر وقادرة على صنع معرفتها بنفسها كما يقول عالم المعرفة "بياجي".
من الأفضل أن لا نهمل تصوّرات التلميذ في كلّ عمليّة تربويّة لكي لا نكون مثل الذي يبني على أساس هشّ.

أعرض عليكم وجهة نظر بسيطة للتعامل مع هذه التصوّرات غير العلمية حسب طريقة تربويّة تعلّميّة:  قبل أي درس يتناول موضوعًا معيّنًا, نجمع تصوّرات التلاميذ حول هذا الموضوع، نحلّلها، نستخرج منها العوائق التي تَحُول دون تملّك المعرفة، ونجعل من أهداف درسنا تجاوز هذه العوائق، مع العلم أن تصحيح المعلومة وحده لا يكفي لتغيير المفاهيم غير العلمية عند التلميذ، وإذا اعتقدنا خطأ أننا تجاوزناها فقد تظهر من جديد لأنها لا تنهزم بسهولة. بكل لطف أدعوكم إلى التّمعّن في هذا التعبير المجازي و المعبّر للأستاذ جونّآر: "عوائق التعلّم كجبل الثلج", ما خفي منها كان أعظم لأن الأخطاء المعلنة الّتي تنبع من الذاكرة قصيرة المدى والّتي تبدو لنا بسيطة قد تُلهينا عن معالجة المنظومة الفكريّة العميقة المخبأة بحرص في الذاكرة طويلة المدى وهذه الخيرة هي الّتي ترتكز عليها تصوّرات التلميذ، ونحن جميعا, مدرسين وأولياء وأقران ووسائل إعلام, شاركنا في نحتها في مخه.
 
أختم دائما مقالاتي بطرح إشكالية: هل نستطيع تغيير التصوّرات غير العلميّة عند التلميذ إذا اقتصرنا على المدرسة فقط بمعزل عن المجتمع ؟

إمضائي
و"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 28 نوفمبر 2008.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire