lundi 17 septembre 2018

أزمة التعليم الخاص في تونس: علاقة المؤسسة التربوية بتلاميذها؟ هل هي علاقة تربوية أو علاقة تاجر بحرفائه؟ مواطن العالَم محمد كشكار، دكتور في تعلّميّة البيولوجيا، دراسة مشتركة وإشراف مشترك بين جامعة تونس وجامعة كلود برنار، ليون 1، فرنسا (2007)




مقدمة حول التعليم الخاص بالسويد (Le Monde diplomatique, septembre 2018, pp. 18-19):
كل عائلة سويدية لها اختيارُ تسجيلِ ابنها في العمومي أو الخاص (20% من الإعداديات السويدية). إذا آثَرَتِ الخاص، فالبلدية هي التي تدفع "صك التربية" الذي يغطِّي تكاليف الدراسة كاملة أي بمبلغ يساوي المبلغ التي تصرفه الدولة في السنة على قرينه في العمومي (عشرة آلاف يورو أي ما يقابل تقريبًا 30 ألف دينار تونسي). رغم كل هذه التسهيلات فإن "خوصصة المدرسة، فشلٌ سويدي ذريعٌ" (عنوان المقال المعني). (...) بعض قدماء المناصرين لإرساء قانون التعليم الخاص ندموا بعد ما رأوا النتيجة (التعليمُ الخاصُّ لم يحسِّنْ جَودةَ التعليمِ السويدي)، وقالوا أننا لم نقدّر خطورة سلطة المال والربح حق قدرها. قانون الخوصصة، أرسته سنة 1992 "الأحزاب البورجوازية" عامًا بعدما وصلت للسلطة سنة 1991, وصلت بعد 60 عامًا من حكم الاشتراكيين-الديمقراطيين الذين مهّدوا لها الطريق بالتصويت على "القانون القاضي بلامركزية التعليم" ووضعِه تحت إدارة البلديات سنة 1989، مما قضى على خدمات القطاع العمومي الموحِّد، وخسر الأساتذة وضعَهم المميَّز كأجراء دولة، وأصبحوا موظفي بلديات. سنة 1994، استرجع الاشتراكيون-الديمقراطيون السلطة، حدّوا من حرية المؤسسات الخاصة لكنهم لم يتراجعوا على «القانون القاضي بلامركزية التعليم"، قانونِهم، لا بل رفّعوا في قيمة "صك التربية" المدفوع لمؤسسات التعليم الخاص، من 85% من المقابل المصروف في العمومي إلى 100%. سنة 2013، شركة تعليم خاص أفلست تاركة وراءها 11.000 تلميذًا دون تعليمٍ و1.600 موظفًا دون شغلٍ.
سؤال يفرضُ علينا نفسَه: إذا كان هذا حالُ التعليم الخاص في دولة متقدمة كالسويد، فكيف هو حالُه في دولة في طريق النموِّ كتونس؟

سأحاول الإجابة دون أن أدّعي منهجيةً علميةً، لكنني أدعي في الميدانِ تجربةً متواضعةً. تجربةٌ تُخجِّلُ. تجربةٌ لا تُشرِّفُ:
-         أبدأ بتقييم إطار التدريس في مؤسسات التعليم الخاص: مدرّسو الخاص ثلاثة أصناف، مدرّس عمومي مباشر يبحث على المادة، مدرّس عمومي متقاعد يبحث على المادة وقتل الوقت، مدرّس منتدَب من قِبل باعث المؤسسة (ليس شرطًا أن يكون رجل تربية) يبحث على شغل، هذا الغِرّ الأخير يستغلّه الباعث، لا يحترم رسالته التربوية ويعامله كعاملٍ في مصنع أو كعبدٍ حقيرٍ (كنتُ شاهدَ عيانٍ أخرسَ، لم أكن ضحيةً ولن أقبلَ ذلك)، يدفع له أجرًا أقل من أجر مدرّس العمومي، يكسب من ورائه آلاف الدنانير، يشغِّله أكثر من 18 ساعة في الأسبوع ولا يصرف على تكوينه البيداغوجي مليمًا أحمرَ لذلك تراهم لا يستقرّون في مناصبهم، مما قد يلحقُ ضررًا تربويًّا بتلامذتهم. أما المدرّسون الأكفاء، وهم قلة، فتُغريهم ماديًّا ومهنيًّا المؤسسات الخاصة الأغنى، وهي نادرة أيضًا، أي مدارس أولاد البورجوازية المتميزين عادةً أكثر والذين يدفعون أكثر بكثيرٍ.
-         مدرّسو الخاص يُسنِدون الأعدادَ بِسخاءٍ حاتِمِيٍّ استجابةً لضغوطٍ متعدّدةٍ، مصدرها التلميذُ والباعثُ والوليُّ (انظر المعدلات السنوية لتلاميذ الخاص المترشحين لاجتياز امتحان الباكلوريا).
-         التعليم الخاص يقضي على تكافئ الفرص بين أبناء الوطن الواحد، بصفةٍ مباشرةٍ يخدم أبناء المرتاحين ماديًّا وبصفة غير مباشرة يحرِم أبناء الطبقات الفقيرة (أجراء - موظفون وعمال - أو فلاحون صغار) وبهذه الطريقة يخلق تمييزًا سلبيًّا بين أبناء الشعبِ الواحدِ أي يساعدُ المتميزين اجتماعيًّا ويعمِّق الهوّةَ بين الطبقات، والمحمودُ أخلاقيًّا هو تجسيرُها وليس تعميقَها.
-         بتجهيزاته المتطورة (حواسيب، سبورات تفاعلية، رعاية صحية على الورق) يوهمنا التعليم الخاص بالتطوّر والنجاعة والنجاح. لو كان إصلاحُ التعليم مربوطًا بالتجهيزات الفخمة فقط، لكانت المنظومة التربوية في دولة الإمارات العربية أفضل من المنظومات الصينية أو التركية أو البولونية أو الكوبية.
-         يُظافُ وهمٌ ثانٍ، التعليم الخاص يجلب أولاد المرفهين (يتمتعون بمساندة تعليمية خارج المدرسة) لذلك تبدو نتائجه أفضلَ (خاصة في الابتدائي وبعض المعاهد ذات السمعة الطيبة على مستوى الانضباط في السلوك والجدية في العمل كالعِبدِلّي الاستغلالي بامتياز)، أفضلَ من نتائج العمومي الذي يستقطب أبناء الفقراء (أجراء - موظفون وعمال - أو فلاحون صغار) الذين لا يتمتعون بمساندة تعليمية خارج المدرسة.
-         أشهدُ على شرفي أن المؤسسات الخاصة الثلاث، التي درّستُ فيها، لا تضمُّ مكتبات ولا ملاعب رياضية ولا ساحات واسعة لحصص الراحة وخالية تمامًا من الأنشطة الثقافية والترفيهية (خاصة عندما نقارنها بالإعداديات والمعاهد العمومية التي شُيّدت في الستينيات في عهد أحمد بن صالح)، إلا واحدة وهي بمقابل مُشِطٍّ، كان فيها ملعب رياضي صغير المساحة ونشاطٌ واحد مسرحيٌّ ورحلاتٍ ترفيهيةٌ بمقابلٍ باهظٍ، هذه المدرسة الأخيرة كان فيها أيضًا موسيقى وأعداد موسيقى في بطاقة الأعداد الرسمية ومعدّل سنوي في الموسيقى دون أستاذ موسيقى ولا حتى منشط موسيقى هاوٍ (كنتُ مديرًا لهذه المدرسة، مديرًا أخرسَ، أخرسَ لشهرَين فقط لا أكثر، ثم غادرتُ مكرهًا والحمد لله). قصدًا، لم أذكرْ أسماءَ المؤسسات الثلاث المذكورةِ أعلاه ولا عناوينَها، أولاً لأنني لستُ لئيمًا، شغّلتني، بارك الله فيها، ثانيًا، أنا ضد التشهيرِ بالأشخاص حتى ولو أخطئوا في حق غيرهم، ثالثًا والأهم، هي مؤسسات تعليمية، أي لا يمكن أن تكون كلها شر بل فيها خيرٌ كثيرٌ، خيرٌ قد يغفرُ لها بعضَ زلاتِها لو تداركتْها بِسرعةٍ.
-         بُشرَى أنهي بها مقالي: نسبة التلاميذ المرسمين بمؤسسات التعليم الخاص التابعة لوزارة التربية التونسية لم تتجاوز بعدُ تقريبًا 8% من العدد الجملي لجميع التلاميذ المرسمين. أتمنى أن تنخفضَ إلى الصفرِ لا أن ترتفعَ.

ملاحظة لرفع اللبس: عبارتا مدرسة خاصة 
(École privée)
 ومدرسة حرة (École libre) تعنيان نفس التصنيف في وزارة التربية ولا فرق بينهما، أي صنف التعليم الخاص (Donc, c`est un léger abus de langage commun, pas plus).

إمضائي
و"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران

تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الاثنين 17 سبتمبر 2018.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire