mardi 25 septembre 2018

ما هي المعارف البيولوجية الضرورية لفهم عالم اليوم المتحوّل؟ مواطن العالَم محمد كشكار، دكتور في تعلّميّة البيولوجيا، دراسة مشتركة وإشراف مشترك بين جامعة تونس وجامعة كلود برنار، ليون 1، فرنسا، 2007



يُعتبر هذا المقال ترجمة مختصرة مع إضافة متواضعة لمحاضرة ألقاها، صديق الملتقيات التعلمية، العالم الفرنسي في علوم التربية "أندري جيوردان" خلال مؤتمر الأيام الوطنية الثانية للجمعية التونسية لتعلّمية علوم الحياة والأرض (La Didactique des SVT) أو فلسفة تعليم العلوم،  أو إبستمولوجيا التعليم كما كادت التعلمية أن تُسمّى وكما يحلو لي أنا تسميتها، المؤتمر المنعقد  بالحمامات  من 28 إلى 31 مارس سنة 2007. قَلَبَتْ البيولوجيا وتكنولوجيتها وما زالتا تقلبان يوميا أوضاع واقعنا ومجتمعنا. هل نحن بصدد قيس تأثيراتهما في المحيط ومراقبتها؟ ما مدى سيطرتنا عليهما؟ تبدو العلوم بما فيها البيولوجيا معقدة ومجردة وشكلية... جل التلامذة لا يفهمون منها شيئا!!! قال تلميذ وهو ينظر إلى صورة حيوان منوي: "هذه صورتي عندما كنت صغيرا". العلوم معقدة... أصبحت العلوم بما فيها البيولوجيا مملّة.

نلاحظ نقصا في التساؤل والحيرة العلمية لدى التلاميذ خلال مدة الدراسة و نلاحظ أيضًا هبوطا في عدد الطلبة المنتسبين للشعب العلمية:
-         من سنة 1996 إلى سنة 1999، نزل عدد الطلبة الفرنسيين المسجلين بكليات العلوم بنسبة 13 في المائة وكانت شعبة الفيزياء المتضررة الكبرى 
(Nature vol. 401, 21/10/99).
-         في ألمانيا، تدنّى عدد طلبة السنة الأولى فيزياء إلى النصف بالمقارنة مع سنة 1991 وأصبح عدد المتخرجين لا يستجيب لاحتياجات الصناعة والبحث العلمي 
(Nature vol. 394 6/08/98).
-         في اليابان، رغم أن عدد الباحثين الشبان في الاختصاصات العلمية هبط من 11 في المائة سنة 1977 إلى 4 في المائة سنة 1995 فإنهم يواجهون اليوم صعوبات كبيرة في الانتداب 
(Nature vol. 391 1/01/98).

العلوم شيءٌ معقد... العلوم تزعج. تبدو ساعات درس العلوم منفّرة ومتجهّمة وكريهة وغير سائغة... نفس الأخطاء تستمر من الروضة إلى الجامعة. لا نعرف موضعنا في هذا العالم. عالم العلوم هو عالم الاصطلاحات و عالم الاعتباطي. الصرامة العلمية صرامة خانقة وغير إنسانية. لا تهتم العلوم إلا قليلا بالحياة اليومية ومسائل البيئة والمجتمع وعلم الأخلاق (Éthique). لفظت المدرسة العديد من التلامذة الأذكياء بسبب العلوم. العلوم تخدم سياسة الانتقاء.

لكن...ماذا نتعلّم؟ ولماذا؟
-         نتعلم علوم الحياة والأرض  والعلوم المرجعية وتاريخ الطبيعة وعلم النباتات وعلم الحيوانات وعلوم الحياة وعلم كيمياء الأحياء وعلم الوراثة وعلم "ما بعد الوراثي المخي" (Épigenèse cérébrale ). هذا العلم الأخير يقول أن الذكاء تصنعه مليون مليار وصلة عصبية بين الخلايا المخية في تفاعل مستمر بين الوراثي والمكتسب اليومي. يقول صاحب السيارة: "أخيرا نقص ثمن البنزين"، يعلّق المترجل: "وارتفع ثمن علاج سرطان الرئتين".
-         نتعلم كيفية المحافظة على البيئة ضد تبذير المياه ومضارّ مبيدات الأعشاب ومبيدات الحشرات والمعادن الثقيلة والملوثات العضوية الدائمة والفضلات المنزلية والأجسام المعدلة وراثيا والنفايات النووية والاحتباس الحراري وثقب الأوزون والسيدا [ ليس لها علاجٌ شافٍ ولا تلقيحًا حتى اليوم 2018 ] والأمْيانْتْ أو الورق الحراري والدم الملوث [منذ 10 سنوات تقريبا، أصاب دم ملوث بفيروس السيدا العديد من الكهول وخاصة الأطفال بالعدوى في مَنْشَئِه بفرنسا وفي بعض الدول التي استوردته كالعراق وتونس] وانفلونزا الطيور والخنازير [ التي أصابت الملايين من المواطنين بالهلع الفارغ وأصابت بعض الدول بالعجز المالي من جرّاء شراء التلاقيح المضادة] والأمراض الناتجة عن العدوى داخل المستشفيات (Les maladies nosocomiales) والتلوث الجوي والبحري والبرّي والصوتي.

-         نتعلم البيولوجيا لكي نشارك في حل مشاكل البشر   بالطرق الطبية الحديثة التالية:
1.     العلاج الجيني (Thérapie génique): العلاج الجيني هو إستراتيجية علاجية ترتكز على إدخال جينات في خلايا أنسجة الفرد لعلاج المرض. يهدف العلاج الجيني إلى استبدال أو تكملة لِجينة أو مورّثة متحوّلة معيبة بِجينة سليمة ووظيفيّة أو الإفراط في إنتاج بروتين قد يكون لنشاطه تأثير علاجي على الجسم. 

     2. الاستنساخ العلاجي (Clonage thérapeutique ): يمكن أن يؤدي  الاستنساخ البشري العلاجي إلى إنتاج أعضاء أو خلايا ويحتوي على التحدي الأساسي المتمثل في تعزيز زرع أعضاء لتحل محل أعضاء أو خلايا مدمرة أو متضرّرة  مع ضمان توافقها الجيني مع جسم المريض. وبالتالي قد يكون للاستنساخ العلاجي فائدة مزدوجة لمعالجة الأزمة الناتجة عن النقص في الأعضاء الممنوحة وتجنيب المريض المستفيد مشقة أخذ العلاج مدى الحياة بسبب الرفض من قبل الجسم للعضو المزروع.
3. الإنجاب بمساعدة طبية (Procréation médicalement assistée): تمثل التكنولوجيا الإنجابية مجموعة من الممارسات الطبية والبيولوجية حيث تسمح بشكل شبه مباشر  للأزواج العقم من إنجاب أطفال. على الرغم من الارتباك الشائع ، لا ينحصر الإنجاب بمساعدة طبية  في الإخصاب في الأنابيب أو التخصيب في المخبر ونقل الأجنة فقط وهي ليست سوى طريقة من بين طرق أخرى، تسمى هذه التقنية البيولوجية عادة بأطفال الأنابيب وهي تسمية قد تجر التلميذ إلى الخطأ فيذهب في ظنه أن الجنين يكبر ويتكون داخل أنبوب والواقع أن تلقيح البويضة بواسطة الحيوان المنوي هو فقط الذي يتم داخل أنبوب في المخبر ثم يُنقل "الجنين- المضغة" إلى رحم أمه حيث يكمل التسعة أشهر مثل أي جنين عادي.

نحاول الآن إدماج تطلعات جديدة في التعليم مثل التربية البيئية والتنمية المستديمة والتربية الصحية والجنسية. نبحث في الميدان ونحتكّ بالمحترفين، ليس فقط في المعارف المدرسية النظامية (Savoirs disciplinaires)، بل في المعارف الأفقية (Savoirs transversaux) والمواقف (Attitudes) والتمشيات (Démarches) وكيف أكون (Savoir-être) وما هي مواقفي؟ أحاول اكتساب الحيرة العلمية والثقة بالنفس والحس النقدي والرغبة في البحث والفهم والتواصل والانفتاح على المحيط والخيال الإبداعي.

ما هي مهاراتي (Savoir-faire) و ما هي تمشياتي؟
المنهجية التجريبية (Méthode expérimentale) والمقاربة الشاملة (Approche systémique) وتملّك المعلومة (Maîtrise de l’information ) وتوضيح "الوضعية-المشكل" (Clarification de la situation-problème)  والنمذجة والتطبيق الافتراضي (Modélisation et simulation)   والمحاججة (Argumentation) وتوظيف المعرفة في المكان والتوقيت المناسب (Mobilisation du savoir) والمشاهدة والملاحظة (Observation) وطرح الفرضيات (Hypothèse) والتجريب (Expérience) والتفكير (Raisonnement) والتأويل (Interprétation) ثم الاستنتاج (Conclusion). محطات منفصلة في البحث العلمي، لا تربطها إلا علاقات خطية متكلّسة، فاتها البحث العلمي وعوّضها بشبكة معقدة من العلاقات بين الفرضية والتجربة والتأويل والاستنتاج. يراوح الباحث ويجسّر [ يبني جسورا ] بين الأربع محطات الأخيرة دون ترتيب ودون تمييز ودون تزمين.

علينا أخيرا ربط الاستهلاك بالمواطنة من خلال مقاربات محسوسة وذات معنى لا أن نضيع جهدا ونلوث محيطات من أجل صنع دراجة بسيطة مثلا: تصنع قطع غيارها في 30 بلد مختلف، منها على سبيل الذكر لا الحصر، إيطاليا، البرتغال، بلجيكا، تايلندا، اليابان، ايرلندا، الصين، تايوان، ألخ... ثم تَجمَّع في سلوفاكيا. تُنقل قطع غيارها من أقصى العالم إلى أدناه عبر الزوارق في الأنهار وفوق الشاحنات في السهول والجبال والطائرات وداخل البواخر في البحار والمحيطات.

خلاصة الموضوع: نحاول إخضاع تدريس البيولوجيا وتكنولوجيتها إلى وقفة تأمل حول الأهداف والغايات ونضيف في البرنامج تدريس علم الأخلاق والإبستومولوجيا وعلم الاجتماع وتاريخ العلوم  و"إدراك عملية الإدراك" (La Métacognition)  حتى نفهم التعقّد أو التعقيد (La complexité) والصُّدْفَوِي أو الصدفة (L’aléatoire)  وغير المحقق أو المشتبه فيه (L’incertain) في العلوم. لكن يبدو أن تغيير السلوك مهمة صعبة.

ملاحظة: العالِم الفرنسي "أندري جيوردان" أسس مخبر تعلّمية وابستومولوجيا العلوم بجنيف (Laboratoire de didactique et épistémologie des sciences, LDES). خَلَفَ العالم السويسري المشهور البيولوجي والابستومولوجي "جان بياجي"منذ وفاة هذا الأخير سنة 1980.

إمضائي
و"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 21 ماي 2010.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire