samedi 22 septembre 2018

أيها الزملاء الأعزاء، احذروا العِلمَ، فهو ليس موضوعيًّا كما تتصوّرون؟ ،. مواطن العالَم محمد كشكار، دكتور في تعلّميّة البيولوجيا، دراسة مشتركة وإشراف مشترك بين جامعة تونس وجامعة كلود برنار، ليون 1، فرنسا، 2007


أنطلق في هذا الموضوع من مقال نشره في الأنترنات سنة 2004 الأستاذ "بيار كليمان"’ مدير أطروحتي السابق وأستاذ بجامعة كلود برنار بفرنسا, عنوانه "العلم والأيديولوجية". اعتمد الأستاذ في هذا المقال على أبحاثي الشخصية في تونس وأبحاث غيري في بلدان أخرى. يقول الأستاذ: "أودّ هنا طرح ملاءمة بين المقاربة التعلّميّة والمقاربة الإبستمولوجية (الإبستومولوجيا هي مبحث نقدي في مبادئ العلوم) للمشاركة في تحليل العلاقات التي تربط بين وسائل الإعلام من جهة والعلوم والمجتمع من جهة أخرى. يتبوأ التفاعل بين العلم والإيديولوجية مركزا هامّا في أعمال فلاسفة العلوم انطلاقا من كتابات العلماء. لكن ما يضيفه التعليم أ و تعميم التعليم لهذا التفاعل بين العلم والإيديولوجية نادرا ما كان محلّ بحث. أقصد هنا بمفهوم " الأيديولوجية"، الأيديولوجية العلميّة السّائدة في تاريخ علوم الحياة، والأيديولوجية التي يحملها المدرّس أو الوسيط الثقافي للعلوم. ما يعنينا هنا هو التفاعل بين القِيم والمعارف العلميّة (Interaction entre valeurs et connaissances scientifiques)، لذلك نرى من الضروري, في عهد التعليم وتعميم العلوم, توضيح حدود المعارف العلميّة وتحديد نوعيّة القِيم التي يحملها مَن سينشر هذه المعارف.

لنضرب مثلا على ذلك:
يظهر من نتائج البحوث المذكورة أعلاه أنّ التصوّرات غير العلميّة الّتي ترى أنّ الذّكاءَ مرتبطٌ بوزن و/أو حجم الجمجمة (الرجل أذكى من المرأة لأنّ مخه أكبر وزنا وحجما من مخّها) لا زالت حاضرة في بعض البلدان بصفة متفاوتة، معأن أنها دون أساس علميّ، فهي إذن "تصوّرات أيديولوجية غير علمية". يدلّ هذا المثال السابق على أنّ الخطاب العلمي لا يخلو من أيديولوجية تُغذّي - في بعض البلدان - التمييز العنصري بين الجنسين، وذلك بتفضيل الذّكر على الأنثى. ففي تونس مثلا يعتقد ثلث الأساتذة المستجوَبين في البحث أن الرجل أذكى من المرأة، وفي لبنان نصف الأساتذة المستجوَبين يعتقدون نفس الشيء. يفتقر تكوين الأساتذة إلى التأكيد في المناهج التعليمية على التفاعل الموجود بين العلم والأيديولوجية وينطبق هذا أيضا على تكوين الصحفيّين والوسطاء العلميّين الآخرين. نلاحظ في النهاية أنّ الأيديولوجية الحتميّة (Le déterminisme) التي ينتمي إليها هذا المثال تتواجد أيضا في عدّة ميادين أخرى يبثّها الإعلام، منها العلمي وغير العلمي، مثل مفهوم التنجيم وقراءة الكف وعلم الفراسة وعلم القزحيّة (العيون هي مرآة الروح) وحديثا الحتميّة الجينيّة (التي تقول بحتميّة تحقق البرنامج الوراثي المكتوب في الجينات على شكل رموز في الهباء العضوي La molécule d’ADN).
بعض معتنقي إيديولوجية الحتمية الجينية (Le déterminisme génétique) يقولون: العنيفُ عنيفٌ، لا لأنّه اكتسب هذا السلوك في حياته بل لأنّه ورثه عن والديه في جيناته أو مورّثاته الكروموزومية. الحتميّة البيولوجيّة (Le déterminisme biologique) تؤمن بسيطرة البيولوجي على السيكولوجي, مثلا: المرأة لا تصلح لأن تكون قاضية في المحكمة لأنّها عاطفيّة ولأنّها متقلبة المزاج بسبب الحيض. قال عالم الوراثة "ريشار شارل لفونتان" : "مقاومة إيديولوجية الحتميّة البيولوجيّة تشبه مقاومة الحريق. كلّما أطفأت واحدا إلا واشتعل غيره في موضع آخر".

بعد هذا العرض النظري نمر إلى بعض الأمثلة التي تدل على تحيّز بعض العلوم:
- كل العلوم المنتسبة لإيديولوجية الحتميّة الجينيّة التي تدّعي أن القدرات الذهنيّة العالية عند البشر (مثل الذكاء والإبداع الموسيقي والسينمائي والرياضي والغنائي) تحددها الجينات منذ الولادة لذلك يسمونها "موهبة". يحاول العلماء, أسْرَي هذا النموذج من التفكير العلمي, أن يبرهنوا على أفكارهم الإيديولوجية بالاكتشافات العلمية الحديثة ويوظفوا البراهين العلمية لخدمة أغراض أيديولوجية. مثلا: يُرجِع أصحاب هذه النظرية أسباب العنف في أحواز باريس, حيث يسكن مهاجري شمال إفريقيا, إلى أسباب وراثية متعلقة بالجينات التي ورثوها عن آبائهم وليس لأسباب اجتماعية مثل الفقر والعنصرية والإقصاء. يفسرون الفشل الدراسي لأبناء هذه الجالية بالعامل الوراثي فقط دون الأخذ في الاعتبار العوامل الاجتماعية والسيكولوجية. ذهب بعض متطرّفي الحتميّة الجينيّة إلى إنشاء بنوك حيوانات منوية من الرجال الحاصلين على جائزة نوبل حتى يخلقوا على هواهم وحسب اعتقاداتهم عباقرة من صلب عباقرة ناسين أو متناسين دور القرين في الوراثة ودور المكتسب في تكوين القدرات الذهنية العالية.
- كل العلوم الرأسمالية, من اقتصاد سياسي وتجارة وغيرها, تتحيز للبرجوازية وتمجد النظام الرأسمالي وتبيح المحظور من الربح السهل على حساب عرق العمال بالفكر والساعد وعرق الفلاحين. أبدع الرأسماليون في "علمهم" المتحيز وأنشئوا بيوتا سمّوها بنوكا حيث يُجبَر الموظفون الفقراء على ادخار ما تيسّر من أموالهم ليسرقها الأغنياء على شكل قروض قد تُسترجَع يوم القيامة.
- كل العلوم الطبية التي تحدد على هواها مواصفات عالمية لنسبة السكر والكولسترول في الدم: يخضع تحديد هذه النسب لإملاءات شركات الأدوية الكبرى فتجعل السليم مريضا وتربطه بنموذج الطب الغربي السائد وتمتص دمه وعرقه وترهق ميزانيته الضعيفة فيمرض حتى ولو كان معافَى ويقضي جل وقته في قاعات الانتظار في العيادات الخاصة أو في المستشفيات.
- كل العلوم العسكرية المنحازة للأقوياء التي لا تنتج إلا الدمار وتزرع الموت كالقنابل العنقودية التي نشرها الجيش الإسرائيلي في كل شبر من الأراضي اللبنانية خلال حرب جوان 2006. تتنافس "الدول العظمى" في صنع أسلحة الدمار الشامل ويا ليتها تنافست في صنع السلام الشامل. احلموا معي و لو للحظة, لو صُرفت كل هذه الأموال في تحسين الأجور والمسكن والصحة والغذاء لأصبحنا كلنا أغنياء.
- كل العلوم الفضائية التي اقتحمت القمر والمريخ ولم تأت بدواء للجوع والفقر والسيدا. ألم يكن أجدر بالإنسان أن يحل مشاكل أخيه الإنسان قبل السفر الاستكشافي أو السياحي إلى الكواكب الأخرى؟ اكتشف العلماء الأمريكان القنبلة النووية واستعملها السياسيون الأمريكان فأبادت في يوم واحد في "هيروشيما" و"نڤازاكي" 150 ألف من المدنيين اليابانيين الأبرياء، ومنذ ذلك اليوم المشئوم فقدت العلوم (الفيزياء) ثقة المجتمع فيها وظَلّ بريقَها بريقُ قنبلة هيروشيما عام 1945، وانتقل عديد العلماء من العلم إلى الفلسفة. الغريب أن دول العالم الثالث ما زالت تسعى لامتلاكها ظنّا منها أنها تحميها من العدوان الخارجي ولم تتّعظ بما جرى لباكستان عند احتلال جارتها أفغانستان وإسقاط حليفها نظام "طالبان"، حينئذ قالت باكستان مبررة عدم تدخلها لنجدة أبناء عمومتها: "لن أتدخل حفاظا على قنبلتي النووية من نقمة الأمريكان"، أصبح هذا السلاح الفتّاك سببا في الانبطاح وفقدان الكرامة عوض حماية الشعب من الأعداء.

خلاصة القول
نعم, العلم متحيز للأغنياء الممولون للمخابر العلمية أما نحن المعذّبون في الأرض فلا تصلنا فوائد العلم إلاّ بعد استنفاذ طاقتنا الشرائية الضعيفة أصلا. يصرف الأغنياء على صنع العلم المال الوفير كتجارة مربحة ويكتب الأقوياء التاريخ لتسجيل بطولاتهم في قهر الضعفاء.
أظن أن الواجب يحتم علينا أن لا ننسى أن العلم صنعه العلماء فلا وجود لعلم دون علماء والعلماء بشر وعلمهم ذاتي 100% و موضوعي 100% وهم في الواقع صنفان:
- صنف يُذكر فيشكر ويمجّد ويخلّد لأنه خلق نظريات علمية تحولت إلى تكنولوجيا لصنع الأدوية النافعة والأمصال الواقية والسيارات والطائرات والبواخر والحاسوب والأنترنات وغيرها.
- صنف يُذكر فيُذم ويُلعن لأنه حوّل نظريات علمية إلى تكنولوجيا لصنع أسلحة الدمار الشامل من الكلاشنكوف إلى القنابل العنقودية والكيمياوي المزدوج وأسس حِيلاً رأسماليًّا متوحشًا يتحكم في مصائر الشعوب المستضعفة. جيلٌ صنع وسائل التعذيب وأقام المصانع المربحة للأغنياء والملوثة لبيئة الفقراء. جيلٌ لوّث واستنفذ واستغل مصادر الطاقة من نفط وأسماك وكأنها ملكه الشخصي أو إرث ورثه عن أجداده. رأسماليون متوحشون نسوا أو تناسوا أن الثروات الطبيعية في الخليج العربي وأمريكا وروسيا وغيرها هي ملك لجميع البشر وليس لهم حق التصرف فيها وتبديدها كما يشاءون تاركين إرثا ثقيلا للأجيال القادمة يتمثل في غابات متصحّرة ومحيط ملوث وألغام تحصد سنويا الآلاف من الأبرياء. قد ينقل العالِم نفسه من الصنف الثاني إلى الصنف الأول عندما يصبح مثقفا مثل العالم "أينشتاين" مكتشف القنبلة النووية الذي أصبح فيما بعد من أكبر منتقديها، والعالم "نوبل" مكتشف الديناميت الذي أوصى قبل موته بتخصيص ثروته كاملة لمنجزي الاكتشافات العلمية النافعة في الطب والفيزياء ما عدى الرياضيات.
أنهي مقالي هذا بعرض هذه المعلومة الطريفة والصحيحة: أوصى العالم "نوبل" بعدم منح أي جائزة لعلماء الرياضيات لأنه اكتشف أن زوجته تخونه مع واحد منهم.

إمضائي
و"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 13 ماي 2009.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire