mercredi 19 septembre 2018

أيها الزملاء الأعزاء، انتبهوا جيدًا فإن تغيير أو تعديل تصوّرات التلميذ غير العلمية ليس بالسهولة التي تتصورونها (شْوَيّة صَبْرْ وشْوَيّة وسَعْ بالْ)! مواطن العالَم محمد كشكار، دكتور في تعلّميّة البيولوجيا، دراسة مشتركة وإشراف مشترك بين جامعة تونس وجامعة كلود برنار، ليون 1، فرنسا (2007)



يبدو لي ولڤاستون باشلار أن "المدرّسين لا يفهمون أن تلامذتهم لا يفهمون".
يبدو لي أيضًا أن المدرس يعتقد خطأ أن تلامذته سيقتنعون بوجهة نظره  عندما يصمم   درسه بهدف تجاوز العوائق الابستومولوجية والتعلّمية والنفسية.
يبدو أنه ينسى أو يتناسى أن التخيلات القوية والمعاناة والعواطف لدى التلميذ قد تكون بنفس الأهمية أو أكثر أهمية من الجوانب المنطقية المقتصرة على عالم المعرفة.
لقد قادتنا البحوث العلمية حول تصورات التلميذ حول المخ وحول الحتمية البيولوجية إلى تمثل التعلّم أو التدريب على شكل تغيير في التصورات الذهنية.

سنعرض في الفقرة التالية بعض وجهات النظر لعلماء حول مفهوم "تغيير التصورات غير العلمية" (Le changement conceptuel ):
-         "باشلار" (1989): " بالنسبة لباشلار الداعي لمقاربة "التطور المتقطع للعلم"، يقع التغيير بعد قطيعة ابستومولوجية (Rupture épistémologique)  حُبلى بالعوائق الابستومولوجية. تُنجَز القطيعة عند تجاوز العائق. يرى باشلار أن العلم يتطور عبر سيرورة من القطائع الابستومولوجية التي تقطع مع المعرفة العامة مثلما تقطع مع النظريات السابقة.
-         "بوسنار" (1982)، هو العالم الذي أدرج مفهوم "تغيير التصورات غير العلمية" حتى ولو اقتصر مجهوده على نقل إشكالية كلاسيكية من مجال تاريخ وإبستومولوجيا العلوم إلى مجال التعلم الفردي (Apprentissages individuels). يجوز أن نتحدث على تغيير التصورات الذهنية المستديمة على مستوى شخص. نقول أن هذا الشخص تعلم ما هو معروف عند العلماء عندما يفهم ويستوعب و يهضم و يوظف بسهولة فكرة معقولة وخصبة.
-         بالنسبة لـ"كون" (1983)، تغيير التصورات الذهنية هو تغيير في إطار التفكير (Changement de paradigme) ويقع بعد ثورة علمية.
-         يستعيد "روملار" (2005) فكرة "كون" و يؤكد أن العائق الابستومولوجي (Obstacle épistémologique) هو في حد ذاته إطار تفكير وقد يتمثل تغيير التصورات الذهنية في تغيير أطر التفكير نفسها.
-         أما "أستولفي" (1997) فيعتقد أن النجاح في التعلم أو التدرب يتمثل أولا في إثارة تغيير فكري أكثر من مجرد إضافة معلومات جديدة.
-         يضيف العالم "أورانج" (2005): تمثل كيفية طرح المسائل (La problématisation) استراتيجية لتغيير التصورات غير العلمية. نأخذ تصورات التلميذ غير العلمية ونحولها إلى إشكالية حتى نصل إلى عقلنتها وعلمنتها. ننطلق من سؤال لنبحث في الممكن حتى نقع في غير الممكن والضروري. نطرح سؤالا غير مناسب ثم ننقده وبهذه الطريقة نتعرف على المشكل ونحلله ونفهمه. نحدد الفرضيات التي قد تصيب أو تخطئ. نتخلى عن مسألة الخطأ والصواب ونبحث في الممكن وغير الممكن. وبذلك نهدف إلى الوصول إلى معرفة علمية عقلانية عبر نقل تصورات التلميذ من المعرفة العامة غير العلمية إلى المعرفة العلمية. هذه الأخيرة تجيب عن تساؤلات كيف ولماذا، عكس المعرفة العامة التي تجيب عن سؤال كيف فقط. يمثل تغيير التصورات غير العلمية هدفا من أهداف التعلم. لكن نحو أي تغيير نحن ذاهبون؟ نحو تغيير يقود التلميذ من التصورات غير العلمية إلى التصورات العلمية عن طريق طرح الإشكاليات وحلها، لكن ليس عن طريق التلقين والتقليد. لن نصل إلى تغيير في تصورات التلميذ إلا إذا أكسبناه بالتدريب آليات التفكير وطرح الإشكاليات حتى ولو لم نصل به اليوم إلى تصور علمي صحيح.
-         ننهي هذه السلسلة من وجهات نظر بعض العلماء بفكرة "برّات-كليرمون" (1979) و"جيلّي" (1988). يكوّن مفهوم "الصراع الاجتماعي المعرفي" (Le conflit socio-cognitif ) استراتيجية جديدة لتغيير تصورات التلميذ. يدور هذا الصراع المعرفي بين التلاميذ في القسم بإشراف الأستاذ. يقول "أستولفي" (1997) أن مفهوم "الصراع المعرفي الاجتماعي" أُدْرِجَ من قِبل المدرسة البياجية السويسرية الجديدة في سنوات 75 على يد "دواز" و"موني" في اتصال مع تجارب "بياجي" لكن في قطيعة مع فلسفته. لا يرى "جيلّي" أن الصراع المعرفي يقتصر على مجابهات فكرية داخلية كما يعتقد بياجي بل يتخطاه إلى مجابهات فكرية بين الفرد وأقرانه الموجودين في محيطه. أما "برّات-كليرمون" فترى أن داخل كل صراع معرفي يكون الفرد مجبرا على أن يقيم وزنا لأفعاله وردوده ولأفعال أقرانه وردودهم أيضا حتى يصيغ و يستوعب الاختلافات الحينية.

خلاصة القول:
أنا أوافق الفيلسوف "كون" عندما يقول أن تغيير التصورات غير العلمية هو تغيير في إطار التفكير. لكنني أختلف معه في طريقة التغيير، هو يقول بعد ثورة علمية وأنا أقول بعد تطور تدريجي دون قطيعة، لأن العوائق الابستومولوجية شديدة المقاومة ولا تنهزم بسرعة و سهولة. شَبّه العالم "روملار" العائق الابستومولوجي بإطار تفكير. أنا أضيف أن إطار التفكير العلمي، بين معكّفين، المسمّى "الكل وراثي" (le tout génétique) يمثل هذا البراديقم أو إطار التفكير مجموعة من العوائق قد تكون لها جذورٌ ابستومولوجية أو تعلمية أو نفسية (Des origines épistémologiques, didactiques ou psychologiques).

يتمثل براديقم "الكل وراثي" في النظرية القائلة بأن كل الصفات البشرية الجسمية منها والذهنية العالية مثل الذكاء، كلها وراثية مائة بالمائة ولا دخل لتأثير العوامل المكتسبة في التعليم في بروزها أو تطوّرها. قد يكون الاعتقاد في فكرة "الموهبة" (La notion du don) في الفن أو العلم أو الأدب جذرا من جذور هذا العائق " الكل وراثي"،  مع العلم أن فكرة "الموهبة" لم تأت من بحوث علمية نفسية ولا وراثية ولا بيولوجية. أما الراحل الأستاذ الفرنسي "أستولفي" فأنا معه في ما ذهب إليه من كَون إضافة المعلومات وحدها لا تحدث تغييرا فكريا. أستاذي الكبير ومدير أطروحتي السابق "كليمان" (1998, 2004) يؤكد كلام "أستولفي" ويعرّف التصورات على النحو التالي: تنبثق التصورات غير العلمية والعلمية أيضًا من التفاعل بين معارف التلميذ وقيمه والممارسات الاجتماعية المرجعية حسب نموذجه المشهور "م ق م" ذي الأقطاب الثلاثة (KVP : K, connaissances ; V, valeurs ; P, pratiques sociales de référence). إذا أردنا تغيير التصورات، فعلينا الاشتغال على الأقطاب الثلاثة في الوقت نفسه مع العلم أننا نعرف أن تغيير التصورات المرتبطة بالمعارف أو المعلومات هو أسهل بكثير من تغيير التصورات غير العلمية المرتبطة بالقيم و الممارسات (Delalande-Simonneaux, 1995). في الآخر تبقي طريقة طرح الإشكاليات أو  كيفية طرح المسائل إستراتيجية من بين عديد الاستراتيجيات الأخرى مثل الصراع المعرفي الاجتماعي أو التلقين أو التقليد أو التنشيط أو الاستقالة من التدريس  مع التواجد المادي داخل القسم و ترك التلميذ يتعلم بنفسه و بمعية أقرانه (La dévolution).

إمضائي
و"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في  15 جوان 2010.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire