dimanche 14 janvier 2018

"نحن هنا لِهَدْمِ الوعيِ الإيديولوجي المُكَبِّلِ للفِعلِ الثورِيِّ! نحن الفلاسفة والمفكرون الأحرار". صرخة فيلسوف حمام الشط حبيب بن حميدة، تأثيث مواطن العالَم

قال: "أنا ماركسيٌّ، غير منتمٍ لِأي حزبٍ، أحاورُ الجميع دون إقصاء ودون خلفيات إيديولوجية ودون أفكار مسبقة، أحاورهم من أجل هَدْمِ الوعيِ الإيديولوجي المُكَبِّلِ للفِعلِ الثورِيِّ لدى كل المتحزبين المؤدلَجين، وخاصة لدى رفاقي الماركسيّين-اللينينيين التونسيين حيث كبّلَ الوعيٌ الماركسيُّ فِعلَهم عِوَضَ إسْنادِهِ. عمومًا، كلما زادَ الوعيُ، نقصَ الفعلُ 
(La conscience idéologique et l`action révolutionnaire sont inversement proportionnelles)".

ما هو الوعيِ الإيديولوجي المُكَبِّلِ؟
هو الوعيُ المتأتّي من فوق، من كُتبِ الإيديولوجيات (الليبرالية، القومية، الماركسية، الإخوانية، السلفية). وعيٌ لا يرى الواقع الفاقع (الصافي).  هو الوعيُ الذي ينشره المتحزبون، من جميع المشارِبِ، لإقناع الناس بوجاهةِ مشاريعِ أحزابهم 
(L` Embrigadement des partisans).
 أصنِّفه، أنا مواطن العالَم، وأضعه في أسفلِ درجاتِ الوعيِ وأحَطِّها. وعيٌ يسجنُ حامِلَه في خانةٍ ضيقةٍ مظلمةٍ، لا ولن تدخلها الشمسُ ما لم يكسِّرْ الحاملُ أسوارَ سَجنِهِ. قال عنه سارتر، منذ 1948:
Les idéologies sont liberté quand elles se font, oppression quand elles sont faites

وبِما أنني لستُ فيلسوفًا فسأضرِبُ لكم مثالاً من الواقع التونسي الملموس، ولو أن الفلاسفة لا يحبون ضربَ الأمثلة وأنا أوافقهم، لأن المثال عادةً ما يكون محدودًا جدًّا وقد يختزل الفكرة وربما يشوّهها 
(L`exemple réduit souvent l`idée):
مدينة ڤعفور في ولاية سليانة، مدينةٌ عُمّاليةٌ وقلعة النضال اليساري منذ الستينيات أو قبلها، أي مدينةٌ عَشَّشَ فيها الوعيُ الماركسيُّ-اللينينيُّ الإيديولوجيُّ الكلاسيكيُّ الأورتدوكسيُّ (أي الستالينيِّ) وباضَ وفرّخَ، أما مدينةُ جمنة في ولاية ڤبلي، فهي مدينةٌ محافظةٌ بعيدةٌ جغرافيًّا عن العاصمة ولم ينتشر فيها  حتى النوع الناقد للستالينية رغم محاولاتنا المتواضعة سنوات السبعينيات  (نحن اليساريون الجمنين وأنا أولهم)، واليوم ليس لنا في جمنة إلا يساريٌّ واحدٌ وحيدٌ، يساريٌّ من نوعٍ جديدٍ أحبِّذُهُ، يساريٌّ متماهٍ مع بيئته العربيةِ-الإسلاميةِ، يساريٌّ يؤدِّي صلواته الخمس بالحاضر، يساريٌّ أفتخرُ به ويفتخرُ به أيضًا كل الجمنين، يساريون وقوميون وإسلاميون وعاديون، بل ويفتخرُ به كل العالَم لما أنجزه للصالح العام تطوّعًا، هو وأعضاء "جمعية حماية جمنة" وأرشحهم جميعًا لنيل جائزة نوبل. تضمّ المدينتان أراضٍ دولية يستغلها مستثمرون فاسدون. جمنة طردت الفاسد واسترجعت أرض أجدادها إبان الثورة منذ 12 جانفي 2011، أما ڤعفور الواعية فقد كبّلها وعيُها ولم تحرِّك ساكنًا ضد مستثمريها الفاسدين.

تقف المقارنة عند هذا المثال، لا يعني هذا أن الجمنين أفضل من الڤعفوريين، ربما يتفوّقون علينا في محطات نضالية أخرى أشمل وأنفع لتونس، سكان ڤعفور أنجبوا المناضل الشيوعي البطل نبيل بركاتي، شهيد تونس وشهيد حزب العمال الشيوعي التونسي (POCT)، استشهدَ المربّي الشاب (معلم) تحت التعذيب في مركز الشرطة بڤعفور، ورموا جثته في السكة في أواخر العهد البورڤيبي سنة 1987 حين كان بن على يشغل منصب وزير الداخلية. تحياتي الصادقة لكل الڤعفوريين، أكون جاحدًا إن أنا أنكرتُ كرمَهم الحاتميَّ واستقبالَهم الرائعَ لشخصي ومرافقي الجمني، عندما زرناهم أخيرًا لإلقاء كلمةٍ حول تجربةِ جمنة، بدعوى من رئيس جمعية "ذكرى ووفاء"، صديقي وزميلي المناضل الحقوقي رضا بركاتي ومن صديقي رضا الجويني.

خاتمة: ما يَنْشُدُهُ الفلاسفةُ؟ يَنشُدون وعيًا نقديًّا فوق الوعيِ الإيديولوجي وضدهُ. وعيٌ يتطلبُ ثقافةً واسعةً وإقرارًا بالعلاقة الجدلية القائمة رغم أنوفنا وأنوفهم بين الوعيِ والفعل حتى يصبحان 
 (Proportionnelles) 
وليس 
(Inversement proportionnelles).

إمضائي
"المثقفُ هو هدّامُ القناعاتِ والبداهاتِ العمومية" فوكو
"إذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران
"لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة والبراهين، بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى، وعلى كل مقال سيء نرد بمقال جيد" مواطن العالَم
"وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا" (قرآن)

تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الأحد 14 جانفي 2018.



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire