vendredi 13 octobre 2017

صديقي القديم، حيٌّ يُرزَقُ؟ مواطن العالَم


Citoyen du Monde, « Naître, c`est venir au Monde, pas dans tel ou tel pays, pas dans telle ou telle maison » Amin Maalouf, Les Désorientés

النص التالي مُستَوحَى من نفس الكتاب.
رُبعُ سنةٍ بالضبط مرت على قطيعتِنا. صديقي القديم، حيٌّ يُرزَقُ، مثقفٌ، حديثُه يؤنِسُ الحَجَرْ. كنتُ أظن أنني فُزتُ به ذخرًا للزمن، وكنتُ أوصيه أن يُعجِّلَ بالشاي بعد العَشاءِ للمُشيِّعِينَ يوم جنازتي. سَلِسُ المعاشرة معي، غريبُ الطباعِ مع الآخرين، لم أتدخل يومًا في شؤونِه الخاصة حِفاظًا على صداقتِنا التي من أجلها ظننتُ أننا نجحنا في تذليلِ كل الصعابِ، تنازلتُ وكانت تضحياتُه من أجل ذلك أكبرَ.
الحقيقةُ، كل ما فكرتُ فيه ينتابني شعورٌ بالضيقِ، ضيقٌ كالغثيانِ، لكنني أحاولُ تجاوزَ هذا الضعف. لا ولن أحقِدَ عليه، اخترتُه بنفسي عن وعيٍ وأنا فوق العشرينَ من عمري ولم يُجبرني على صداقته، لا القرابةُ ولا الجيرةُ ولا الزمالةُ ولا أحدْ، لم أختره لِكرمه ولا لِلُطفِ عباراتِه. كان فصيحًا سَليطَ اللسانِ جريءَ القولِ، رَجَوْتُه تجنيبي قسوةَ مؤهلاتِه، استعطفتُه مرّةً وما فعل. كنا نحبه جميعًا  ونستلطفُه لأجلِ كلماتِه الكبيرةِ (Gros mots) المَحشوَّةِ دُعابَةً ساخرةً، أصدقاؤه كلهم أصبحوا قُدامَى وهم أحياء وأنا آخرهم زمنيًّا، ولكنني في هذا البابِ لستُ بِأفضَلِ منه حالاً.
وفي يومٍ مشؤومٍ، يوم التاسع من جويلية 2017، فاجأني بِقرارِه، نزلَ عليَّ كالصاعقةِ، أحسَسْتُ نفسِي فجأةً أنني لا أساوي شيئًا، ولو انشقت الأرضُ حينئذٍ لَبَلَعتني جُثةً هامدةً دون مقاومةٍ. حاولَ التخفيفَ من عنفِه، وهل ينفع العقارُ فيما أفسده الدهرُ.
المفارقةُ الكُبرَى أنني - أنا نفسي - ارتكبتُ نفسَ الجُرمِ مع صديقٍ مشتركٍ، عشرون سنةٍ مضتْ. بعد الحادثةِ ندِمتُ، اعتذرْتُ، راسلْتُ، وسّطْتُ، توددْتُ، وبعد عشرِ سنواتٍ من المحاولاتِ اليائسةِ، استرجعْتُ أعزَّ صديقْ.
كم بقيَ في العمرِ من عَشَرَاتٍ؟

إمضائي
"المثقفُ هو هدّامُ القناعاتِ والبداهاتِ العمومية" فوكو
"إذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران

تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الجمعة 13 أكتوبر 2017.



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire