dimanche 22 octobre 2017

التفقد البيداغوجي في تونس: حل أم مشكل؟ جزء 3: كيف يستطيع المتفقد تغيير تصورات المدرس غير العلمية حول عملية التفقد؟ مواطن العالم د. محمد كشكار

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 21 جوان 2010.

الإهداء: إلى بطلة قصتنا، المعلمة الصامدة، التي لم يحبطها الفهم الخاطئ والاستعمال السيئ لمهنة التفقد من قبل بعض المتفقدين ولم يثنها ظلمهم عن أداء رسالتها التربوية بكفاءة عالية.

نصل الآن إلى طرح الإشكالية التي يحتوي عليها عنوان المقال: كيف يستطيع المتفقد تغيير تصورات المدرس غير العلمية حول عملية التفقد؟
يعرِّفُ مديرُ أطروحتي السابق الأستاذ "بيار كليمان" (1998, 2004) تصورات التلميذ على النحو التالي: تنبثق التصورات غير العلمية (Les conceptions non scientifiques) والعلمية من التفاعل بين معارف التلميذ وقيمه والممارسات الاجتماعية المرجعية حسب نموذجه المشهور "م ق م" ذي الأقطاب الثلاثة (KVP : K, Knowledge en anglais ou connaissances ; V, valeurs ; P, pratiques sociales de référence).
سأستعير هذا النموذج من أستاذي وأكيّفُه مع موضوعنا الحالي وأقول: تنبثق تصورات المدرس غير العلمية حول عملية التفقد من التفاعل بين معرفته هو بعلم التقييم، وقيمه المرجعية، وممارسات المتفقد حياله وحيال زملائه أثناء الملتقيات البيداغوجية وخلال زيارات التفقد.
لكن المدرس يفتقد إلى تكوينٍ في علم التقييم كما أكدنا سابقا، يبقى إذن في جعبته قيمه الموروثة حضاريا والمكتسبة اجتماعيا ومدى تمثّله للسلطة المجسّمة في شخص المتفقد. تُعتبر ممارسات المتفقد عاملا محددا لتصورات المدرس حول التفقد.

هل يستفيد المدرس من الملتقيات البيداغوجية في مراكز التكوين (CREFOC
أنا أشك كثيرا في جدواها وذلك للأسباب التالية: يقوم بالتكوين في هذه الحصص متفقد أو أستاذ مكوّن، وللأسف يفتقد الاثنان للنظريات وكما هو معلوم، كل تطبيق سليم تسبقه نظرية سليمة تتفاعل بدورها مع نتائج التطبيق وتطور نفسها بنفسها. لقد مارستُ خطة أستاذ مكون لمدة عامين، ومن حسن حظي أن صادف في تلك السنة وجود برنامج تكوين في التعلمية، اختصاصي الثاني، وعندما كلفني المتفقد بتعليم زملائي كيفية استعمال الكتاب وأنا لا أحذقها ولا افقهها نظريا، اعتذرتُ وقدمت استقالتي فورًا. زِد على هذا أن أجر الأستاذ المكوّن زهيدٌ جدا، ديناران وخمس مائة مليم الساعة، يعني يحضّر الأستاذ حصته لمدة 15 يوما ويعرضها على الحاسوب ويناقشها مع زملائه لمدة أربع ساعات والأجر عشرة دنانير، أقل من الأجر الأدنى ليوم عمل! وفي المقابل، عندما يستدعي المتفقد أستاذا جامعيا ليلقي محاضرة بساعتين يغدقون عليه أجرا محترما من مائة إلى مائتي دينار الحصة الواحدة. أليس هذا حيفا كبيرا واحتقارا مهينا وأسلوبًا مقرفا لإحباط حماسِ أستاذ الثانوي، وكأن الأستاذ الجامعي التونسي عالِم ومنتِج للعلم والحقيقة أننا في الهواء سواء، نحن وهُم ناقلو علم ولسنا منتجي علم، ومَن ينتج العلم للأسف يقيمُ وراء البحار ويُكافأ عند مجيئه بمئات الدولارات.
كان الأجدر بوزارتنا أن تثمّن عمل أستاذ الثانوي وترفع من شأنه لأنه هو الوحيد الخبير بشعاب التعليم الثانوي ومشاكله وإشكالياته، ويوجد في النهر ما لا يوجد في البحر. يحمل المئات من أساتذة الثانوي أو الآلاف (لا أعرف الرقم الدقيق) شهائد عليا من ماجستير إلى دكتورا في كل الاختصاصات، وفي المقابل يوجد حوالي عشرات الآلاف من أساتذة الجامعة لا يحملون شهادة الدكتورا في الاختصاصات التي يدرّسونها، مع العلم أنني لا ألوم هؤلاء الأخيرين ولا أستنقص من قيمتهم العلمية ففيهم أساتذة أكفاء أجلاء. يبرز الخَوَرُ عندما يكون الدكتور متوفر في الاختصاص نفسه - كحالتي - ولا تنتدبه الجامعة لأسباب مالية غير بيداغوجية وأسمع من زملائي وأصدقائي طلبة معهد المتفقدين بقرطاج أن مَن يدرّسهم التعلمية هم متفقدو ثانوي لم يدرسوا أكاديميا ولو عاما واحدا هذا الاختصاص الصعب والمعقد.

سؤال يلحّ علي وهو الآتي: لماذا لا يُعلِم المتفقد مسبقا المدرس بزيارته؟ لقد سبق وناقشتُ هذه المسألة مع صديق متفقد علوم الحياة والأرض ورفيق مرحلة ثالثة تعلمية البيولوجيا، فقال لي بالحرف الواحد: أنا موافق على الإعلام المسبق للمدرس وما الضرر لو حضّر درسه وهيأ تلامذته وبذل مجهودا أكبر في البحث والتمحيص؟ أليس هذا هو هدفنا في التكوين وقد بلغناه بأيسر السبل وبطريقة بنائية ذاتية؟ واستطرد يقول: تصور وقل لي حسب رأيك من عارض هذه الفكرة؟ الشباب أم الكبار في السن؟ قلت: طبعا الكبار. قال: آسف والجواب خطأ، عارضها الشباب للحفاظ على هالة سلطتهم وسطوتها وبَهرجها وناموسها، جنون العظمة الذي من أجله دخل الكثيرُ منهم المهنة.

لماذا لا يكون التفقد عبر لجنة متكوّنة من المتفقد والمدير وزميلين قديمين؟ تُضفِي اللجنة على التقييم التعددية والديمقراطية والعدل والإنصاف وتُبعِد عن المتفقد الشريف أخطار المهنة التي يتعرض لها كل مرب والمتمثلة في شبهات الرشوة والانتقام والتحرش الجنسي.

إمضائي
يطلب الداعية السياسي أو الفكري من قرائه أن يصدقوه ويثقوا في خطابه أما أنا - اقتداء بالمنهج العلمي - أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات وأنتظر منهم النقد المفيد.
لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة والبراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى وعلى كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف المادي أو اللفظي أو الرمزي.
Haut du formulaire




Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire