dimanche 22 octobre 2017

التفقد البيداغوجي في تونس: حل أم مشكل؟ جزء 2: الإطار النظري. مواطن العالم د. محمد كشكار

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 21 جوان 2010.

الإهداء: إلى بطلة قصتنا، المعلمة الصامدة، التي لم يحبطها الفهم الخاطئ و الاستعمال السيئ لمهنة التفقد من قبل بعض المتفقدين و لم يثنها ظلمهم عن أداء رسالتها التربوية بكفاءة عالية.

سأعتمد في طرحي التالي على المثلث التعلّمي (ثلاثة أقطاب: المدرس، التلميذ والمعرفة) (
Le triangle didactique ou pédagogique) وسأنحت من رحمه المثلث التقييمي (Le triangle d’évaluation) إن لم يكن موجودا، وسأعيّن أقطابه الثلاثة وهي المتفقد والمدرس والتقييم. من المؤسف جدا أن المتفقد والمدرس، الاثنان لم يدرسا أكاديميا علم التقييم، ومن يقيّم دون علم تقييم، مَثله كمَثل مَن يبيع سلعة دون ميزان، وفاقد العلم لا يعطيه. يطالبنا المتفقدون بتقييم إجمالي جزائي وتقييم تكويني وتقييم استباقي، سَمِّ ما شئت من الأنواع وهي كلها مفيدة للتلميذ والمدرس لكن من المتناقضات أن المتفقدين أنفسهم لا يطبقون علينا إلا نوعا واحدا من التقييمات السابقة وهو التقييم الإجمالي الجزائي. الخطير أن وراء هذا النوع الأخير من التقييم يكمن نموذج المدرسة السلوكية. برز هذا النموذج في الستينات في أمريكا على أيدي العالِمين، مؤسسي المدرسة السلوكية، "واتسون" و"سكينر".

المتفقد يتعامل مع المدرس بأسلوب الإثارة ورد الفعل مثلما يدرّب "بافلوف" كلبه، يجازيه عند الإجابة الصحيحة ويعاقبه إذا أخطأ. يطالبنا المتفقدون - وبإلحاح رب العمل وأوامره - أن نمكِّن التلميذ من مقياس الإصلاح (Barème de correction) مع ورقة الامتحان. يا أساتذة علوم الحياة والأرض، هل مدّكم يومًا متفقد بمقياس تقييمه للحصة قبل التفقد؟ لقد بلغني أخيرا أن مثال مقياس التفقد متوفر على النت. يوصوننا بل ويمنعوننا بالقانون بعدم إجراء فرض مراقبة فجائي احترامًا لحقوقِ التلميذ واجتنابًا لوقوعه في الخطأ، بارك الله فيهم وفي تفهّمهم لحقوق التلميذ ومشاعره باعتباره محور العملية التربوية، وهُم في المقابل يباغتوننا بزياراتهم الفجائية بِنِيّة القبض على المدرس متلبسا مع الإشارة أن هذا الأخير هو محور العملية التقييمية.

لقد شاركت مرة في مؤتمر علمي في المنستير من 15 إلى 18 ماي 2006، نظمته "الجمعية العالمية للبيداغوجيا الجامعية"، اسمحوا لي قرائي الكرام أن أعلمكم أن الأساتذة الجامعيين لا يخضعون للتفقد وكأنهم رضعوا علوم التربية في الحليب أو ورثوها في جيناتهم ولا يمدّون طلبتهم بمقياس الإصلاح ولا يُرجِعون ورقة الامتحان ولا يناقشون العدد مع الطالب وكأن تقييمَهم قرآن منزلٍ، وهُم - مع الأسف الشديد - مِثلهم مِثل الأساتذة والمعلمين لم يدرسوا عِلمَ التقييم ولا علوم التربية (ما عدا المدرّسين الجامعيين الذين يدرّسون هذه الاختصاصات). هل الأساتذة الجامعيون يتمتعون بثقة عمياء إلى درجة كونهم يُعفَونَ من التفقد ولا تطالبهم الوزارة بتطبيق القواعد الأساسية في التقييم؟ وهل نحن مدرّسي الأساسي والإعدادي والثانوي متهمون بالقصور البيداغوجي وعلينا إثبات براءتنا وولائنا لشخص المتفقد الذي لا يفوقنا علمًا ولا تجربة؟ ما هي مقاييس انتداب المتفقدين؟ وهل هي علمية وموضوعية؟ وهل قرار المتفقد مستقل تماما عن إملاءات الوزارة؟ أقصد بالإملاءات أن لا يُوظف المتفقد لخدمة أغراض إدارية ليست بيداغوجية كإخضاع الأستاذ المتنطع والمشاكس نقابيا أو إداريا وأن لا يُستغل التقرير السلبي للمتفقد لأهداف تأديبية لا علاقة لها بالبيداغوجيا.

أنا لا أشك في الأشخاص ولا أقرأ النوايا ولا أحاكمها، لكنني أوجّه نقدي لنظام التفقد الذي يفتقد فيه المتفقد للتكوين الأكاديمي في علوم التربية وعلم التقييم باستثناء خريجي معهد قرطاج. مع العلم أنه ليس من السهل الفصل التعسّفي بين المهنة وأصحابها وقد سمعت مرات عديدة بعض المتفقدين المستنيرين رفاقي في المرحلة ثالثة علوم التربية، اختصاص تعلمية البيولوجيا، يتذمّرون من الأساليب البالية والمتخلفة واللاعلمية وغير الموضوعية في مهنتهم و ينتقدونها بغيرة وإتقان المحترفين.

نمر الآن إلي المهم و هو "العقد التقييمي" (
Le contrat d’évaluation) الذي يربط المتفقد بالمدرس وهو عقد ضمني غير مكتوب ومسكوت عنه من جل متفقدي الابتدائي والثانوي عن قصد أو دون قصد. يبدو لي أنه من الأفضل أن يتولى المتفقد شرح هذا العقد في أول ملتقى بيداغوجي بمركز التكوين حتى يتبين المدرس حقوقه من واجباته كما أفعل أنا في أول حصة مع تلامذتي وأشرح لهم "العقد البيداغوجي" الذي يربطني بهم ضمنيا. هل سمعتم يوما متفقدا يشرح للمدرسين الذين يشرف عليهم طريقة عمله أو يقرأ عليهم مقياس تقييمه حتى يحذّرهم من الوقوع في الأخطاء الإجرائية البسيطة؟ نعم، سمعنا وأطعنا ويا ليتنا ما سمعنا ولا أطعنا ولا طبقنا بتبعية وعمى تربوي. سمعنا أن بعض المتفقدين يُملُون على المدرسين الخائفين الوجلين المبهورين وصفات بيداغوجية جاهزة.

إمضائي
يطلب الداعية السياسي أو الفكري من قرائه أن يصدقوه و يثقوا في خطابه أما أنا - اقتداء بالمنهج العلمي - أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات و أنتظر منهم النقد المفيد.
لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى و على كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف المادي أو اللفظي أو الرمزي.
Haut du formulaire




Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire