mardi 3 octobre 2017

حوارٌ بين مواطنٍ تونسيٍّ مُثقفٍ مُهمّشٍ (م) ومواطنٍ تونسيٍّ مُثقفٍ حاملٍ لإيديولوجيا (س)؟ مواطن العالَم

 س: لماذا لا تَلِجُ المجالَ  السياسيَّ؟
م: ولماذا احترفتَ أنتَ السياسةَ؟
س: لأحترقَ كالشمعةِ كي تحيا أنت وأمثالُكَ!
م: لا أرى شمعَكَ ذائبًا، أراكَ كُتلةً من الشحمِ هائلةً.
س: أنتَ ترى فِيَّ ما لا يراه الناس، وأنا يهمني رأي الناس.
م: أنتَ يساري؟
س: هَبْ أنني كذلك؟
م: أنتَ لستَ كذلك، أنتَ تونسي، ولا يمكن أن تكون كذلك.
س: ومَن أدراك؟
م: فِعلُكَ وحدَه أنبأني وأدراني.
س: وما فِعلِي؟
م: غايتُكَ أكبَرُ من معدَنِكَ.
س: وما فِعلِي وما غايتي يا عرّاف زمانه؟
م: غايتُكَ النبيلةٌ رَكِبت نفسًا رخيصةً رذيلةً.
س: أو تشتمني؟
م: حاشا، بل أصفُكَ لأكشفَكَ لِمَن لا يعرفُ داخِلَكَ.
س: وما داخِلِي يا دخيلُ؟
م: اكتشفتَ الفكرَ اليساريَّ في كُتبٍ كُتِبت لفهم واقعٍ بعيدٍ عن واقعِكَ، وتجاهلتَ واقعًا يكاد يفقأ عينيك. أنتَ بورجوازيٌّ صغيرٌ، حَقّرَ ماركس من شأنِه فاستثنيتَ نفسَكَ وأنا لا أعرف إلى اليوم لماذا فعلتَ ذلك. أنتَ لا تعرفُ المِنجلَ ولا المِطرقةَ إلا في شعارِ حزبِكَ المستورَدِ. أنتَ تسكنُ الفيلات، وتبيعُ العِلمَ في الڤاراجات، وتسكرُ في أغلى البارات، وتعافُ ركوب الحافلات وتعرفُ تراثَ أسيادِكَ أكثر مما تعرفُ من تراثِ أجدادِكَ. أنتَ صَنَعْتَ للبروليتاريا التونسية وعيًا وهميًّا بِطبقتِها، وعيٌ لا يوجدُ إلا في تَصَوِّرِكَ، والطبقةُ - كما تعرِفُ وأنتَ سيدُ العارفين بالنظريات - لا تُعَرّفُ إلا بِوعيِها الطبقي (La conscience de classe). أنت يساريُّ القولِ ليبراليُّ الفِعلِ، لا فرق بينك وبين أهل الكتابِ في النصوصية والأصولية والسلفية، ثلاثتُهم ورابعهم أنتَ، مَثَلكم جميعًا كـمَثَلِ الحمارِ يحملُ أسفارًا.
س: ما دام خيالُكَ واسعًا وعقلُكَ تافهًا إلى هذه الدرجةِ، فهَبْ مَثلاً أنني دستوريٌّ؟
م: أنتَ لا تعِي من غاياتِ الدستورِ إلا ما ورد في اسمِ حزبِكَ. أنت لا تعرف من الروائح إلا رائحة الخبز عند الجيران، "خُبزيست" تشمه عن بعد وتسعى له زاحفًا.
س: هَبْ يا سيدي أنني إسلامي؟
م: اسأل نفسَكَ فأنا أستحِي أن أسألَك لأن الجوابَ بائنٌ من عُنوانِهِ: "هل نَهَتْنِي صلاتِي عن الكبائرَ التي أتاها ولا يزالُ يأتيها جلادِي السابقُ وحليفِي الحالي؟". أنتَ طَلَعْتَ أصغرَ من رسالتِك وأجبَنَ مما كنتُ أظن.
س: هَبْ أنني قومي؟
م: أوَ لا تخجل من مساندة ديكتاتور ابن ديكتاتور؟ أما عن نفسي إن رغِبتَ أحدثُكَ، فأنا أخجلُ من كل الأحزاب العربية وكل الحُكّام العرب التاريخيين والمعاصرين بجميع انتماءاتهم الإيديولوجية، ولا واحدٌ فيهم أفرحَنِي يومًا واحدًا.
س: هَبْ أنني نقابي؟
م: ماذا فعلتُم يا أبناء حشادْ للحفاظِ على سيادةِ البِلادْ ولماذا ساهمتُم في التفريطِ في القطاعِ العمومي؟
س: لم يُخطئ مَن سَمّاكَ مُهَمَّشًا وما أبعدك عن الثقافة يا عديم الوطنية!
م: أصابَ مَن قال أن الإيديولوجيات حريةٌ عند تَشَكِّلِها، استلابٌ عند اكتمالِها (سارتر). وفي النهاية أّسْتَسِرُّكَ: الإيديولوجيات المستوردة الخمسة المذكورة أعلاه (اليسارية، الليبرالية الدستورية، الليبرالية الإسلامية، القومية الشوفينية، البروقراطية النقابية) لم ولن تُغيّرُ من أنانِيتِكَ المكتسبةِ كمواطن تونسي، غرّبتَ أمْ شَرّقتَ. ابحثْ عن بديلٍ من صُنعِكُ ولا تُقصِي ضِدَّكَ فلن يأتيك الحلُّ من البحرِ ولا من السماءِ، "إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ"، صَدَقَ اللهُ العظيمُ.

إمضائي
"المثقفُ هو هدّامُ القناعاتِ والبداهاتِ العمومية" فوكو
"إذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" (جبران)

تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الثلاثاء 3 أكتوبر 2017.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire