وجهة نظر: تعريف العلمانيين.
مواطن العالم د. محمد كشكار
تاريخ أول
نشر على النت : حمام الشط في
16 جانفي 2012.
يُفرض على الطالب في البحوث العلمية الأكاديمية
أن يبدأ بتحديد المفاهيم التي سيشتغل عليها. أنا لا أدعي أن هذا المقال يندرج في
إطار البحث العلمي الأكاديمي, إنما هي مجرد خواطر دون سند نظري قوي فهي إذن قابلة بسهولة
للدحض و التفنيد و ترحّب بالتصويب و التعديل مهما كان مأتاه.
العلمانيون بفتح العين لا بكسرها كما ينطقها الكثيرون: لا ينتسب هذا المفهوم إلى الإيمان بالعلم فقط كما يعتقد أكثر الناس بما فيهم العلمانيون أنفسهم و لا ينتسب بالضرورة إلى نكران الدين أو تجاهله أو مواجهته بأي شكل من الأشكال كما يرى أكثر المتدينين. يدعو هذا المفهوم - غير المفهوم من المتدينين و من غير المتدينين أيضا - إلى التفكير في مشاكل هذا العالم و من هنا أتت تسميتهم بالعلمانيين بفتح العين أو العالميين نسبة لهذا العالم الذي يسع المؤمنين و هم كثر و غير المؤمنين و هم أكثر. يحاول العلمانيون المؤمنون, حسب تعبير أركون, و غير المؤمنين إيجاد حلول لإشكاليات هذا العالم البسيطة أو المعقدة بمشاركة كل الناس, المتدينون الموحدون و المتدينون غير الموحدين و البشر غير المعترفين بالدين أصلا. يهدف العلمانيون بكل توجهاتهم إلى إقامة جنة فوق الأرض بغض النظر عن الإيمان بوجودها في الآخرة أو الإيمان بعدم وجودها.
العلمانيون بفتح العين لا بكسرها كما ينطقها الكثيرون: لا ينتسب هذا المفهوم إلى الإيمان بالعلم فقط كما يعتقد أكثر الناس بما فيهم العلمانيون أنفسهم و لا ينتسب بالضرورة إلى نكران الدين أو تجاهله أو مواجهته بأي شكل من الأشكال كما يرى أكثر المتدينين. يدعو هذا المفهوم - غير المفهوم من المتدينين و من غير المتدينين أيضا - إلى التفكير في مشاكل هذا العالم و من هنا أتت تسميتهم بالعلمانيين بفتح العين أو العالميين نسبة لهذا العالم الذي يسع المؤمنين و هم كثر و غير المؤمنين و هم أكثر. يحاول العلمانيون المؤمنون, حسب تعبير أركون, و غير المؤمنين إيجاد حلول لإشكاليات هذا العالم البسيطة أو المعقدة بمشاركة كل الناس, المتدينون الموحدون و المتدينون غير الموحدين و البشر غير المعترفين بالدين أصلا. يهدف العلمانيون بكل توجهاتهم إلى إقامة جنة فوق الأرض بغض النظر عن الإيمان بوجودها في الآخرة أو الإيمان بعدم وجودها.
قد يبدو للبعض, و
للوهلة الأولى, أن هذا الهدف طوباوي و أن صاحبه أو طارحه يسبح في ملكوت الأحلام.
يكفي أن ننظر إلى ثروات العالم من نفط و غاز و ذهب و هي كلها لنا نحن العلمانيون
العالميون المسالمون أصحاب هذا العالم لكن افتكتها منا بقوة السلاح الأنظمة
الرأسمالية الاستعمارية الخارجية و الداخلية. لا يوجد نفط سعودي بطبيعته و لم من
عمل أجدادهم و لم يخصهم به الله وحدهم و كذلك لا يوجد أيضا غاز روسي أو ذهب
أمريكي, كلها موارد أحفورية طبيعية ترسبت على مر العصور منذ آلاف أو ملايين السنين
و لا استحقاق عليها لأمريكي أو سعودي أو روسي.
لقد شنّت الإدارة
الأمريكية منذ تأسيسها منذ 500 سنة 200 حرب على دول العالم المستقلة. تخيل و احلم
معي و لو للحظة صديقي العلماني المؤمن بالله و العلماني غير المؤمن بالحتمية و لا
بالغيبيات: لو صُرِفت عائدات ثروات العالم على بناء جنة فوق الأرض عوض تبذيرها في
الحروب الأمريكية على الأعداء الوهميين مثل العالم الشيوعي سابقا و العالم
الإسلامي اليوم. تكفي ميزانية وزارة الهجوم الأمريكية "البنتاغون" وحدها
لصنع جنة مستديمة لكل العالم المؤمن و غير المؤمن. هل تعرف أن ثمن طائرة حربية
واحدة من نوع ف16 يكفي لبناء و تجهيز 100 مدرسة ابتدائية؟
لماذا يتخاصم العلماني المؤمن و العلماني غير المؤمن؟ يبدو لي أن العوامل المجمِّعة بينهما أكثر بكثير من العوامل المفرقة. لماذا ينكر العلماني المؤمن على العلماني غير المؤمن عدم إيمانه و هو المؤمن بأن "لا إكراه في الدين"؟ لماذا يُقصي العلماني غير المؤمن العلماني المؤمن و هو المؤمن بأحقية البشر كل البشر في صنع مصيرهم بأنفسهم دون تمييز على أساس عرقي أو ديني أو جنسي أو لوني أو بدني ؟
لماذا العتاب و الخصام بين العلماني العربي و المسلم العربي و هم يعانون من نفس المشاكل البدائية؟ تتجسم مطالبهم المشتركة في أكل نظيف و لباس خفيف و دواء رخيص و طريق معبد و لسان غير خشبي و صحافة حرة و تداول على السلطة و انتخابات نزيهة و تعليم ناجع و أجور محترمة و نقابة حرة!
لماذا تصالح العلماني الغربي مع أخيه المسيحي و صنعا دولا متقدمة حتى و لو كانت ظالمة في بعض الأحيان؟ لماذا تصالح العلماني الآسيوي مع أخيه البوذي أو المسلم و صنعا كوريا الجنوبية و هونق كونق و سنغافورة و تايوان و الصين و الهند و ماليزيا و أندونيسيا؟ لماذا يرأس الهند البوذية مسلم و يرأس مجلس وزرائها سيخي و الاثنان من الأقليات؟ هل التدين المسيحي المتشدد منعَ "بوش" من احتلال العراق و أفغانستان؟ هل علمانية "ستالين" و إلحاده منعاه من إقامة المعتقلات للشعب السوفياتي و إبادته بالملايين؟ هل إسلام أحمد زويل منعه من الحصول على جائزة نوبل في الكيمياء؟ هل عدم إيمانه بالله منع عمدة لندن السابق من استقبال القرضاوي و رفض استقبال بوش؟ هل علمانية تركيا منعت حزب العدالة و التنمية الإسلامي من الوصول إلى السلطة؟ و هل بدوره منع هذا الحزب العلمانية عندما وصل إلى السلطة؟ هل منع إسلام المأمون، الخليفة العباسي، ترجمة الفلسفة اليونانية؟
خلاصة القول
أنا أرى, من وجهة نظر حقا متواضعة تستند
إلى اجتهاد نظري شخصي, أن الصراع بين العلمانيين و المتدينين هو هدر لطاقاتنا
المتواضعة و مضيعة للوقت. لو صَدَقَ العلمانيون و آمنوا بعلمانيتهم لتركوا
المؤمنين يؤمنون كما يشاؤون و لو صدق المؤمنون في بلادنا و عملوا بالقيم النبيلة
في دينهم لصلح أمرنا منذ زمان. يبدو لي, انطلاقا من مقاربة فلسفية و ليست فقهية,
أن أقرب الأديان للعلمانية هو الدين الإسلامي لأن هذا الأخير يرقى بالعلاقة بين
الإنسان و ربه إلى التجريد الكامل, علاقة عمودية لا وساطة فيها لأي بشر مهما بلغ
تدينه و تقواه. و يبدو لي أيضا, انطلاقا من مقاربة فلسفية و ليست فقهية, أن أول
علماني مؤمن في التاريخ هو الرسول محمد صلى الله عليه و سلم لأن القرآن الكريم
يقول: "و
أمرهم شورى بينهم". يبدو لي أن معنى هذه الآية ينطبق
تماما على التعريف الحديث للعلمانية المذكور أعلاه (إيجاد حلول لإشكاليات هذا
العالم البسيطة أو المعقدة بمشاركة كل الناس, المتدينون الموحدون و المتدينون غير
الموحدين و البشر غير المعترفين بالدين أصلا). أذكر هنا واقعة من التاريخ الإسلامي
قد تؤيد وجهة نظري: في حفل تنصيبه كخليفة أول للمسلمين، قال أبو بكر الصديق رضي
الله عنه في ما معناه و ليس حرفيا: "محمد كان له ملاك يهديه أما أنا فلي
شيطان يغويني, فإن أصبت فأعينوني و إن أخطأت فأصلحوني". إن كان لأبي بكر, رغم
تقواه, شيطان واحد يغويه و طلب المشورة و النصيحة فما بالك بسائر البشر و ما أكثر
شياطينهم.
أعتذر مسبقا عن كل خطا أو سهو وقعت فيه عن حسن نية فأنا لا أهدف إلى فرض رأيي عليكم بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى و على كل مقال, مهما بدا لكم سيئا, نرد بمقال جيد لا بالعنف, لا اللفظي و لا المادي.
إمضاء م. ع. د. م. ك.
"أنا متشائم بالذكاء و متفائل بالإرادة" أنتونيو قرامشي
قال الفيلسوف اليساري
المغربي العظيم عبد الله العروي: "لا أحد مُجبر على التماهي مع مجتمعه. لكن
إذا ما قرّر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن أن يتكلم بلسانه (المجتمع)، أن
ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه". و مجتمعنا التونسي عربي مسلم في أغلبيته أو لا يكون مع احترام حقوق الأقليات العرقية و العقائدية فهي ملح
الديمقراطية.
يطلب الداعية السياسي أو
الفكري من قرائه أن يصدقوه و يثقوا في خطابه أما أنا - اقتداء بالمنهج العلمي -
أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات و أنتظر منهم النقد الهدام المفيد.
لا أقصد فرض رأيي عليكم
بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى،
و على كل مقال قد يبدو لكم ناقصا
أو سيئا نرد بمقال كامل أو جيد، لا بالعنف اللفظي.
قال
الشاعر العراقي سعدي يوسف: "أسير مع الجميع
وخطوتي وحدي". هذه وضعيتي أنا و قلة من اليساريين التونسيين داخل العائلة
اليسارية الموسّعة التي تجمع أربع عائلات ضيقة وهي العائلة الفوضوية و العائلة الماركسية و
العائلة القومية الاشتراكية و عائلتي أنا، أعني العائلة الاشتراكية الديمقراطية على النمط الأسكندنافي
و ليس على شكل حزب الديمقراطيين الاشتراكيين التونسي (M. D. S).
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire