رسالة "منطقية"
ودية من مفكر تونسي مؤمن بوجود الله المتجلي في وجود المؤمنين إلى زميلي المثقف
التونسي الملحد المسالم. مواطن العالم د.
محمد كشكار
تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، السبت 13 سبتمبر 2014.
زميليي المثقف التونسي الملحد
المسالم: القرآن و الدستور التونسي الجديد يضمنان لك حرية العقيدة و الضمير
و التعبير و الرسول محمد صلى عليه و سلم جادل ملحدين عصره بالتي هي أحسن كما أمره
ربه سبحانه و تعالى. ثق أنني أحبك و أحترمك و أُجِلّك و أعترف بك أخا في المواطنة
و الإنسانية، مواطنا كامل الحقوق، و أنا طامع في حِلمك، أفلا يتسع صدرك و تسمعني
دقيقة من فضلك؟
أنت مادي و لذلك لا تؤمن
بوجود إله مجرّد غير محسوس. ربما يكون معك جزء من الحقيقة و لك كامل الحرية في عدم
الإيمان بالله و لا تجزع فأنت متناسق مع منطقك الداخلي المتماسك نظريا، لكن ألا
تدري أنك من حيث لا تدري قد نصبت لنفسك فخا مصنوعا من المنطق نفسه و سجنت نفسك
فيه؟ فهل تؤمن لو عُرِض عليك دليل مادي محسوس ينبِئك على وجود الله؟
إن أجبت بنعم وقعتَ، و إن بلا
فقد جنيت على نفسك و خالفت منطقك المادي بنفسك!
الدليل ليس من صنع أحد و ليس
معقدا فهو إذن دليل بديهي و واضح، واضح في النور و الظلمة، و هو أمامك و خلفك و
تصادفه في حياتك في القدوم و الرواح كل دقيقة و كل ساعة و كل يوم، تعرفه كما تعرف
نفسك بل هو نسخة منك مطابقة للأصل. أنت
تفتش عن الدليل في السماء، و الدليل موجود قربك في الأرض، ألا تدري أن رَبّ السماء
قد استخلف الإنسانَ في الأرض، استخلفك أنتَ الملحد و استخلف أخاك الإنسان المؤمن
بالله، الإنسان يعني قريبك و حبيبك و صديقك و جارك و ربما يكون أباك أو أمك أو
أخاك أو ولدك. أفلا تصدّق أخاك المؤمن (أنا قَبلك صدّقته) و تكفي نفسك و تريحها من
عناء الجدل العقيم و محاولة استنباط أدلة مادية على وجود إله مجرد، قمة العبثية لأنك لن تقدر - حسب رأيي - بكل ما
أوتيت من علم و فلسفة و عقلانية أن تنفي وجود
إله مجرد أو تؤكد على العكس وجوده. بكل ود و احترام أرجوك: حاول أن تجنب نفسَك
قلقا وجوديا عقيما لا طائل من ورائه إلا "الستريس" المَرَضي، و وظف جهدك
و ذكاءك - الذي تتميز بهما عن الآخرين - فيما ينفعك و ينفع الناس الذين تحبهم رغم اختلافك معهم، و اشتغل
على صورة الله المتجلية في الإنسانية المادية الرائعة و هذا ما أمر به الله عباده
المؤمنين، و احتفظ بإلحادك الشخصي لنفسك إن شئت!
أما أنا و كمؤمن بوجود الله المتجلي
في وجود المؤمنين، أقول لك: الفن و الأدب و الإبداع عموما و العلم و الفلسفة و
المنطق و العقلانية، أمرونا أن نحب البشر جميعا دون تمييز عرقي أو لوني أو جنسي أو
ديني أو مذهبي أو طائفي أو طبقي أو ذهني
أو إيديولوجي، و لا نستطيع أن نحبهم و في نفس الوقت ننكر عليهم معتقداتهم و
أفكارهم و طقوسهم الدينية، إسلامية كانت أو مسيحية أو يهودية أو بهائية أو بوذية
أو هندوسية أو غيرها.
و بكل أريحية و ثقة في الآخر،
أستطيع أن أقول لبعض إخواني المسلمين الذين أختلف معهم: أنا دائما أحبكم، لكن بعض تأويلاتكم
(مثل التكفير و الإكراه في الدين بالعنف المسلح) و بعض تطبيقاتكم (مثل الكسل و
التبذير و الاحتكار و الشطط في الأسعار في شهر رمضان الكريم) لا تتماشى مع القرن
21، "لكني أعتقد أن الحب الوجداني لا يتعارض مع النقد الفكري العَلماني. إن
الحب يروّض و يهذّب النقد، و النقد بدوره يجعل الحب عادلا، واعيا، و انتقائيا.
الله نفسه، كما صُوِّرَ في الخطابين الإنجيلي و القرآني، لا يعرف الحيادية، بل إنه
يشجُب الظالمين و ينصر المظلومين" (كتاب "المسيحية، الإسلام و النقد
العَلماني"، وليم الشريف، دار الطليعة، الطبعة الأولى، بيروت، 2000، صفحة
24).
إمضاء م. ع. د. م. ك.
"أنا متشائم بالذكاء و متفائل بالإرادة" أنتونيو قرامشي
قال الفيلسوف اليساري
المغربي العظيم عبد الله العروي: "لا أحد مُجبر على التماهي مع مجتمعه. لكن
إذا ما قرّر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن أن يتكلم بلسانه (المجتمع)، أن
ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه". و مجتمعنا التونسي عربي مسلم في أغلبيته أو لا يكون مع احترام حقوق الأقليات العرقية و العقائدية فهي ملح
الديمقراطية.
يطلب الداعية السياسي أو
الفكري من قرائه أن يصدقوه و يثقوا في خطابه أما أنا - اقتداء بالمنهج العلمي -
أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات و أنتظر منهم النقد الهدام المفيد.
لا أقصد فرض رأيي عليكم
بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى،
و على كل مقال قد يبدو لكم ناقصا
أو سيئا نرد بمقال كامل أو جيد، لا بالعنف اللفظي.
قال
الشاعر العراقي سعدي يوسف: "أسير مع الجميع
وخطوتي وحدي". هذه وضعيتي أنا و قلة من اليساريين التونسيين داخل العائلة
اليسارية الموسّعة التي تجمع أربع عائلات ضيقة وهي العائلة الفوضوية و العائلة الماركسية و
العائلة القومية الاشتراكية و عائلتي أنا، أعني العائلة الاشتراكية الديمقراطية على النمط الأسكندنافي
و ليس على شكل حزب الديمقراطيين الاشتراكيين التونسي (M. D. S).
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire