هل حرية التعبير هي أكبر مكسب
بعد الثورة أو أكبر كذبة في البلاد ؟ مواطن
العالم د. محمد كشكار
في كامل بلدان العالم
الرأسمالي الليبرالي توجد فئة قليلة بورجوازية محظوظة تتمتع بحرية الرأي، و تونس بحول
الله لن تشذ عن هذه القاعدة برعاية البنك العالمي و صندوق النقد الدولي.
مَن يتمتع بحرية الرأي في
تونس اليوم؟ و على سبيل الذكر لا الحصر، أعدّد بعض الحيتان الكبيرة المستفيدة وحدها من هذه
الحرية:
-
كبيرهم الذي علمهم السحر، نبيل القروي باعث قناة "نسمة"،
قناة العائلة السبسية و الهمامية.
-
أكثرهم ميوعة و تفاهة و جهلا، سامي الفهري باعث قناة
"التونسية"، قناة الريح و اليسار الانتهازي.
-
أشدهم أصولية و نصوصية دينية و إغراقا في اللاهوتية، الأخوات
التوائم الثلاث، قنوات "الزيتونة" و "المتوسط" و "TNN" أبواق الإسلام السياسي
المتشدد. الشهادة من الحق، قناة "TNN" هي القناة الوحيدة التي
منحت - مشكورة - قريتنا الجنوبية "جمنة" ساعة كاملة من بثها لنشرح قضيتنا
الاشتراكية الفلاحية المحلية للرأي العام.
-
أقلهم حضورا و جمهورا، العربي نصرة و شركاؤه، باعث قناة
"حنبعل" كاتم "صوت الشعب".
-
أحوجهم إلى رسكلة مهنية، العجرودي، باعث قناة "الجنوبية".
-
أبعدهم عن الوطنية، قناتَيْ "الوطنية 1" و "الوطنية
2"، المموّلتين من الشعب الكريم الذي لم يُكرَّم و لو مرة واحدة في احديهما
أو كليهما، يُكرّم من خلال طرح قضاياه الأساسية كإصلاح النظام التربوي أو إصلاح
المنظومة الصحية أو التشغيل أو التلوث في قابس و صفاقس و الحوض المنجمي أو
"الحرقة" في البحر أو المخدرات المتفشية لدى التلاميذ أو التهريب الكبير
في ميناء رادس أو الاحتكار أو الزيادة في الأسعار، إلخ.
نطالب
"الوطنيتين 1 و 2" بطرح قضايا مموليها، دافعي الضرائب و دافعي فاتورة
الكهرباء، كما تفعل القنوات الخاصة بكل صفاقة.
-
للأسف الشديد، كل صحفنا مملوكة و محتكرة من قبل رجال
الأعمال، يكتب فيها صحافيون مرتزقة أو مثقفو السلطة و الأحزاب أو سياسيون انتهازيون.
أقترح
عليكم بعض المعايير لقيس شعبية القنوات الخاصة و العمومية:
-
لاحظوا أن جل المترددين على الفضائيات، من ذوي الأمعاء المتخمة
(و نحن من ذوي الأمعاء الخاوية أو شبه الخاوية) و من أصحاب الوجوه "المِحَفْلَطَة
المِزَفْلَطَة المِحَمَّرَة المِجَمَّرَة" (و نحن أصحاب وجوه شاحبة سمراء
غابرة لا تصلح للتلفزة) و من مرتدِيِّ ربطات العنق و البدل الجديدة الغالية الممضاة
المستوردة (و نحن نلبس الرخيص المستورد المستعمل).
-
لاحظوا أن جل المواضيع المطروحة هي مواضيع سياسية تهم
فئة قليلة من قيادات الأحزاب الممثلة في الحكومة أو البرلمان، أتحداكم أن تجدوا
فيها فكرا أو علما أو تثقيفا صحيا أو تربويا أو فلاحيا، تجدون فيها فضائح جنسية و
فنا هابطا و نقاشات بيزنطية لا جدوى من ورائها لتمرير إشهار لسلعهم الغذائية غير
الصحية أو لسلع ترفيهية رفاهية غالية مستوردة.
-
لاحظوا أن أن جل المترددين على الفضائيات، هم أشخاص لا
تعرفونهم و ليسوا من حيِّكم أو من قريتِكم إلا نادرا.
-
لاحظوا أن جل المبدعين المحترمين غائبون، مفكرون و أدباء
و شعراء و أطباء و مختصون.
-
لاحظوا أن جل ضحايا التعليم البورقيبي و البنعلي
الانتقائي غير الديمقراطي و غير المجاني (كان في الستينات و السبعينات مجانيا فقط)،
و عددهم يقارب خمسة ملايين، أي نصف الشعب، لا مكان لهم في التلفزة و لا في الإذاعة
و لا في الصحف و لا في الفيسبوك (و لو من حسن حظ مهمشينا من مثقفين و متعلمين، الفيسبوك
هو إعلام حر شعبي ديمقراطي مجاني رغما عن حكامنا و رجال أعمالنا).
خلاصة
القول
دفاعا
عن حقي كمواطن عادي يؤمن بحرية التعبير للمواطن العادي من أمثالي، أقول أنني لم و لن
أجد مكانا غير الفيسبوك، أعبر فيه عن رأيي النقدي بكل مجانية و حرية و ديمقراطية و
شفافية، و ذلك لأنني لست سياسيا انتهازيا و لا قلما مرتزقا. أكتب الكتب و لا
أستطيع نشرها لأن النشر في تونس غير مشجَّع و غير مدعَّم، لذلك يتطلب أموالا لا
أقدر على توفيرها. ربي يقدر الخير في هذه الأمة "وين ماشية" !
إمضاء م. ع. د. م. ك.
"أنا متشائم بالذكاء و متفائل بالإرادة" أنتونيو قرامشي
قال الفيلسوف اليساري
المغربي العظيم عبد الله العروي: "لا أحد مُجبر على التماهي مع مجتمعه. لكن
إذا ما قرّر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن أن يتكلم بلسانه (المجتمع)، أن
ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه". و مجتمعنا التونسي عربي مسلم في أغلبيته أو لا يكون مع احترام حقوق الأقليات العرقية و العقائدية فهي ملح
الديمقراطية.
يطلب الداعية السياسي أو
الفكري من قرائه أن يصدقوه و يثقوا في خطابه أما أنا - اقتداء بالمنهج العلمي -
أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات و أنتظر منهم النقد الهدام المفيد.
لا أقصد فرض رأيي عليكم
بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى،
و على كل مقال قد يبدو لكم ناقصا
أو سيئا نرد بمقال كامل أو جيد، لا بالعنف اللفظي.
قال
الشاعر العراقي سعدي يوسف: "أسير مع الجميع
وخطوتي وحدي". هذه وضعيتي أنا و قلة من اليساريين التونسيين داخل العائلة
اليسارية الموسّعة التي تجمع أربع عائلات ضيقة وهي العائلة الفوضوية و العائلة
الماركسية و العائلة القومية الاشتراكية و عائلتي أنا، أعني العائلة الاشتراكية الديمقراطية على النمط الأسكندنافي
و ليس على شكل حزب الديمقراطيين الاشتراكيين التونسي (M. D. S).
أنا
لا أرغب من وراء نشر مقالاتي النقدية في المجالات التربوية و الاجتماعية و الدينية
أن أسُوءَ أي قارئ في نفسه و لا في رأيه، بل أريد أن أوثر وده و أرعى حقه في
التمسك برأيه حتى لو كان مخالفا أو مناقضا أو داحضا لرأيي.
"يمنعني
من ذلك قلب رقيق و حس دقيق و إيثار للعافية و إشفاق أن يصنع الناس بي صنيعي
بهم" (طه حسين، مع أبي العلاء في سجنه، 1979).
تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الخميس 25
ديسمبر 2014.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire