mardi 9 décembre 2014

حدثان جسيمان، يجسِّمان الإهمال الطبي و شبه الطبي، وقعا لصديقين حميمين في تونس العاصمة، واحد في مستشفى عمومي و الآخر في مصحة خاصة! مواطن العالم د. محمد كشكار

حدثان جسيمان، يجسِّمان الإهمال الطبي و شبه الطبي، وقعا لصديقين حميمين في تونس العاصمة، واحد في مستشفى عمومي و الآخر في مصحة خاصة! مواطن  العالم د. محمد كشكار

لكي أطمئن قرائي، أبدأ بالتصريح أنه من ألطاف الله وقع تدارك هذا الإهمال في الإبان و لم يُصابا صديقيَّ الاثنين بأي سوء و نجحت العمليتان و الحمد لله و الله يسامح المخطئين ما دامت المحاسبة العادلة غائبة.

في مستشفى عمومي: حدث واقعي سمعته من صديق زميل متقاعد ثقة
قبل الدخول إلى قاعة العمليات علِم صديقي المريض بالعدسة (Le cristallin de l`oeil) أن آلة عمليات الشبكية عاطلة لذلك أجِّلت عملية لمريض قبله و علم أن آلة عمليات العدسة عاطلة أيضا لكنه سُرَّ لأول وهلة لأن المستشفى يتوفر على آلة بديلة احتياطا لمثل هذه الطوارئ غير المنتظرة. دخل غرفة العمليات بعد حقنه بُنجًا موضعيا، بدأت العملية فسمع صديقي جرّاح العيون يحتج على عدم ضبط سرعة منشار الآلة (je ne suis pas docteur en médecine, donc il me parait que c`est le scalpel électrique qui coupe et ouvre la membrane de l`oeil) و يلوم على التقنيين فضبطوه و الحمد لله قبل وقوع الكارثة (قد يُحدِث المنشار الكهربائي السريع جرحا عريضا في غلاف العين) و بعد لحضات سمِع الجرّاح يحتج مرة ثانية على عدم ضبط سرعة جهاز شفط  العدسة المريضة من داخل العين بعد تقسيمها على أربة أجزاء صغيرة (je ne suis pas docteur en médecine, donc il me parait que c`est l`aspirateur électrique qui va aspirer le cristallin défectueux de l`oeil) و يلوم على التقنيين فضبطوه و الحمد لله قبل وقوع الكارثة (قد يشفط الشفاط الكهربائي السريع مكونات العين المائية و قد يتلف الشبكية العصبية البصرية الرقيقة الهشة نفسها).

في مصحة خاصة: حدث واقعي حضرته على مدى خمس ساعات كمرافق لصديق متقاعد 
حضرنا في الموعد على الساعة التاسعة و نصف صباحا. حوالي الساعة الحادية عشر صباحا نودِي على المريض المصاب بالسكري نوع 2 (لا يحقن الأنسولين مُخفِّض السكر السريع)، دخل غرفة انتظار العمليات في الطابق الثاني، خلع ملابسه الفوقية و ألبسوه صدرية معقمة على حد زعمهم، حقنوه بالأنسولين، بقي ينتظر ساعتان، احتج بحزم على طول الانتظار فنقلوه فورا إلى غرفة العمليات في الطابق الثالث. بقي 40 دقيقة أخرى ينتظر فوق، أجرِيت له العملية بنجاح في خمس دقائق حسب تقديره ثم أنزلوه على سرير و أدخلوه الغرفة التي خرج منها و مكثتُ معه صحبة ابنه الشاب. لم يحدث حتى الآن ما يثير الريبة أو الشك. طلب صديقي بإلحاح شديد فطور الصباح نتيجة إحساس بجوع فظيع و الساعة تشير إلى حوالي الثانية بعد الزوال. حضر الفطور بعد 10 دقائق تقريبا. التهمه كله بنهم غير عادي. لم يشبع و طلب المزيد. بدأ يحس بفشل عام و بدأ العرق يتصبب من وجهه بغزارة كالدموع و قال أن جسمه بدأ يبرد بصفة غير طبيعية. كنا ثلاثتنا وحدنا في الغرفة دون ممرض مرافق، كان من المفروض أن يراقب حالته غير العادية لكنها منتظرة بالنسبة لمرضى السكر و خاصة المحقونين منهم بالأنسولين منذ ثلاث ساعات دون أن يتناولوا سكرا بعد الحقن. لم نقف نحن مكتوفي الأيدي. استنجدنا بممرضة بواسطة الضغط على ناقوس منبه، قدِمت ممرضة بسرعة، قاست له السكر في الدم (0,47 غ \ ل). حالة خطيرة. ناولته حقنتين جليكوز في الفم ثم أعادت القياس (0,47 غ \ ل). استنجدنا بممرض آخر فقاس له السكر في الدم للمرة الثالثة  خلال عشر دقائق (0,47 غ \ ل). الحالة لا زالت خطيرة. سألَنا الممرض "الكفء" بكل انعدام تنسيق: هل حقنوه أنسولين؟ و كأنه قادم من مصحة أخرى (لا وجود لفيشة متابعة على سرير المريض كما هو معمول به عادة في المستشفيات العمومية). اغتاظ ابن صديقي و غادر الغرفة ساخطا على عدم التنسيق بين الممرضين المباشرين للمريض في نفس اليوم و في نفس الغرفة. بقيتُ أنا كاظما غيضي لمصلحة صديقي. قام الممرض بحقن المريض بالسيرو الغني بالجليكوز. بدأ صديقي يشعر بالتحسن السريع. أعاد الممرض القياس (1,5 غ \ ل). الحمد لله نجا صديقي من موت محقق لو كان وحده في الغرفة ففي أزمته لم يكن قادرا حتى على طلب النجدة و لو بالضغط البسيط على زر النجدة. أثناء عملية إنقاذ صديقي من الهبوط السكري السريع جراء حقنه بالأنسولين و جراء عدم متابعة حالته بكفاءة و ضمير مهني، حاولت اللوم بلطف على الممرض جراء إهمال المصحة لمرضاها الخارجين من عملية و الذي من المفروض أن يكونوا تحت العناية المركزة تحت مراقبة طبيب أو ممرض حسب خطورة الأسوأ المنتظر. قال لي: نحن لا نقيس له السكر كثيرا لأن كل قياس يتكلف سبعة دنانير و نحن لا نريد إثقال الفاتورة. أجبته بتعجب من منطقه التجاري بل الغريب و قلت له: رُب عذر أقبح من ذنب. تريدون تجنيبه دفع سبعة دنانير زائدة، اقتصاد مبلغ مالي تافه كاد يؤدي بحياته نتيجة إهمال شبه طبي سخيف! كتبت أنا احتجاجا على ورقة استبيان. استرجع صديقي بعض قواه و خرجنا دون إثارة بلبلة. و مَن يستهتر بصحة  المواطن لن تقنعه الحجج و البراهين. كنت لا أصدق رقم الأخطاء الطبية السنوية في تونس في الخاص و العام الذي قدموه في قناة الحوار التونسي (15000). اليوم صدقت!

إمضاء م. ع. د. م. ك.
قال الفيلسوف اليساري المغربي العظيم عبد الله العروي: "لا أحد مُجبر على التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرّر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن أن يتكلم بلسانه (المجتمع)، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه". و مجتمعنا التونسي عربي مسلم أو لا يكون مع احترام حقوق الأقليات العرقية و العقائدية.
يطلب الداعية السياسي أو الفكري من قرائه أن يصدقوه و يثقوا في خطابه أما أنا - اقتداء بالمنهج العلمي - أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات و أنتظر منهم النقد الهدام المفيد.
لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى، و على كل مقال قد يبدو لكم ناقصا أو سيئا نرد بمقال كامل أو جيد، لا بالعنف اللفظي.
قال الشاعر العراقي سعدي يوسف: "أسير مع الجميع وخطوتي وحدي". هذه وضعيتي أنا و قلة من اليساريين التونسيين داخل العائلة اليسارية الموسّعة التي تجمع أربع عائلات ضيقة وهي  العائلة الفوضوية و العائلة الماركسية و العائلة القومية الاشتراكية و عائلتي أنا، أعني العائلة  الاشتراكية الديمقراطية على النمط الأسكندنافي و ليس على شكل حزب الديمقراطيين الاشتراكيين التونسي (M. D. S).

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الثلاثاء 9  ديسمبر 2014.



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire