mercredi 3 décembre 2014

لماذا لا نترك الأطفال يلعبون إلى سن الـخامسة و العشرين؟ مواطن العالم د. محمد كشكار

لماذا لا نترك الأطفال يلعبون إلى سن الـخامسة و العشرين؟ مواطن العالم د. محمد كشكار

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 20 نوفمبر 2011.

         فكرة أوحى بها إليّ برنامج وثائقي يحكي عن قبيلة "بدائية" إفريقة. من عادة هذه القبيلة أن تترك أطفالها يلعبون و يمرحون إلى سن الخامسة و العشرين، سعداء أحرارا طلقاء، غير مسؤولين إلا عن سلامتهم البدنية، لا أحد يحتاج إلى جهدهم و هم يأكلون من جهد البالغين، يفعلون كل شيء بالغريزة و التعلم و التدرب الذاتي، يعيشون و يتلذذون بكل دقيقة تتفضل بها عليهم أيام الطفولة و الشباب، ليس بينهم و بين الحياة أي حاجز.

         تقول الفكرة: لماذا لا نحذو حذو هذه القبيلة النموذج في التحضّر و نترك، نحن أيضا، أطفالنا يلعبون و يمرحون دون قيد أو شرط إلى سن الـخامسة و العشرين؟ فبقدر ما يسيّر الأطفال أنفسهم بحرية، بحثا عن الشكل التعبيري الملائم لشخصياتهم، بقدر ما يجسّرون الهوّة بينهم و بين مجتمعهم و بالتالي يعزّزون أسباب النجاح في حياتهم القادمة عند تجاوز سن الخامسة و العشرين. لماذا لا نترك الأطفال يعيشون بذهنهم و جسمهم التجربة الحرة اليومية إلى سن الخامسة و العشرين فيكتسبوا خبرة لا يعطيها و لا يقدر على ترسيخها اليوم، التعليم الابتدائي و الثانوي؟ نتركهم يُنمّون في أذهانهم الوعي بحتمية النجاح في الحياة الجماعية و يُعطّلون بأنفسهم الوعي المفرط بفردانيتهم الأنانية المقيتة. نتركهم - مع تعليم اختياري و ليس إجباري - يتلذذون بفكرهم و حركتهم و شعورهم بالنجاح دون اجتياز امتحانات مُحبِطة و يجعلون من الانبثاق المتجدد فيهم قيمة أخلاقية يتعوّذون بها من رتابة الحياة اليومية على الشاكلة الغربية المستوردة فيحصل في داخلهم تجانس و وحدة في الشخصية و تتنحّى جانبا ثنائية الوجه العربي و الوجه الغربي و يصبحون ذوي وجوه اجتماعية متلائمة مع بيئتهم و متكيفة مع مجتمعهم التونسي البربري العربي الإسلامي.

لقد قَطَعَ الأساتذة و المعلمون - ذوي التربية الغربية المنبتة - كل الأوصال التي تربط بين التلميذ و بيئته و جعلوا منه فردا واعيا بتاريخ الآخر، جاهلا تاريخه و حضارته و لغته و دينه و تراثه و تقاليده النافعة. استوردوا له تقاليد غربية و لغة غربية، ألبسوه لباسا غربيا، أسكنوه سكنا غربيا، أطعموه طعاما غربيا، شيدوا له مصانع غربية تنتج منتوجا غربيا، زرعوا فيه قيما غربية، أتلفوا بذوره الأصلية المتأقلمة و باعوه بالعملة الصعبة بذورا غربية معدلة جينيا بحيث لا تنتج إلا زرعا هجينا عقيما، فيضطرّنا الغرب و يجرّنا جرّا  إلى التبعية الغذائية.

لماذا لا نترك أطفالنا يلعبون و يمرحون دون قيد أو شرط إلى سن الـخامسة و العشرين؟ في الصباح يقصدون ساحة اللعب أو ورشات التعلم الذاتي و دور الثقافة و الشباب و في المساء يقصدون منتديات الفكر و الفن و الضحك و الموسيقى أو قاعات المسرح و السينما فيقولون لأنفسهم: اسمعي يا نفس و استلذّي لوحدك بهذا اللحن فيعرفون السعادة الحقيقية الخالية من كل مسؤولية و يَعيشونها و يُعايشونها و يطيرون و يجنّحون حتى يغلبهم النعاس في مكانهم كالرضّع الملائكة.

لماذا لا نترك أطفالنا يكتشفون و يصنعون معرفتهم بأنفسهم إلى سن الـخامسة و العشرين؟ لماذا نقتل فيهم الإبداع و المبادرة و الخلق و ندخلهم المدارس قبل سن الـخامسة و العشرين؟ لماذا نصرّ على تدجينهم و تعليمهم طاعة القطيع؟ قطيع تنهش فيه كلاب الحراسة الوطنية و أنياب الذئاب الرأسمالية الأجنبية المتوحشة.

لو أخذ طالب مجتهد دكتورا في سن الخامسة و العشرين، فماذا فعل يا تُرى بطفولته و شبابه، لقد "أجرم" فعلا في حق نفسه و دفن أحلى سنين عمره في الكد و الجهد و الكتب، سنين لا تُعوّض، و أما التحصيل العلمي فقد يُعوض حتى بعد الخامسة و العشرين.

تنبت بذرة الفول، تَنمو، تُورِق، تكبر و تزهو بنفسها ثم تُزهر، تثمر، تورّث صفاتها و جيناتها إلى سلالتها و تموت فجأة. تنتهي حياة النبتة مع نهاية شبابها و "كأنها مكلفة بتبليغ رسالة وراثية مشفّرة إلى الجيل اللاحق"، الحياة شباب أو لا تكون، لا يهمها مصير بذورها، فهي التي تنجبهم و لا ترعاهم، لكن في الواقع، تزودهم بمؤونة من النشاء تكفيهم أشهرا من الحياة البطيئة خارج التربة حتى يحين  فصل زرعهم فيمتصون غذاءهم ذاتيا بأوبارهم الماصة.

يُعلّمون الطفل مهنة و يهيئونه منذ الصغر على تحمل مسؤولية عائلة. يُزوّجون الشاب مبكرا، فيهمل نفسه و يعتني بعائلته و كأن حياته تنتهي بزواجه. لا يعيش لنفسه في طفولته، و لا في شبابه، و لا في كهولته. لماذا لا نترك له ثلث حياته، خمسة و عشرون سنة، يعيشها لنفسه. نتركه يورق و يزهر قبل أن يثمر، نتركه يتمتع و يتباهى بشبابه و يستمتع بصحته قبل فوات الأوان، قبل أن يندم حيث لا ينفع الندم. الإنسان مسؤول و طمّاع، يُوهم نفسه أن الأولاد سيكبرون و يُمنّي  أَنَاهُ بتحقيق رغباتها بعد تخلصه من المسؤولية العائلية، تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، يأتي الكِبَرُ و يأتي معه العجز و المرض و الضَّجر و يستحيل تحقيق الرغبة حتى و لو توفرت الأسباب المادية فيموت فجأة، يقولون سكتة قلبية أو جلطة دماغية، ليست هذه و لا تلك، صدمته خيبة الأمل في الحياة  و قتله عدم الرغبة فيها.

ملاحظة
القالب اللغوي التركيبي الأصلي لجزء من هذا المقال مُستوحى من كتاب عبد الله العروي "أوراق، سيرة إدريس الذهنية"، المركز الثقافي العربي، الطبعة الثالثة 1998، 255 صفحة، صفحة 208 و ما تلاها.

إمضاء م. ع. د. م. ك. 
"الذهن غير المتقلّب غير حرّ".
لا أحد مُجبر على التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرّر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن أن يتكلم بلسانه (المجتمع)، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه. عبد الله العروي.
يطلب الداعية السياسي أو الفكري من قرائه أن يصدقوه و يثقوا في خطابه أما أنا - اقتداء بالمنهج العلمي - أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات و أنتظر منهم النقد المفيد.
لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى و على كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف اللفظي أو المادي.
"الكاتب منعزل إذا لم يكن له قارئ ناقد".


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire