حادثتا تفجيرِ قنبلتين ذريتين
في مدينتَي هيروشيما وناكازاكي في اليابان يومَي 6 و9 أوت سنة 1945، قتلا عشرات
الآلاف من السكان المدنيين الأبرياء. هذه الجريمة العلمية (Un crime scientifique) أنهت وإلى الأبد عصرَ التناغُمِ أو شهرَ العسلِ
الذي كان قائمًا بين العلمِ والمجتمعِ.
جريمةٌ علميةٌ، سبقتها وتلتها
جريمةٌ أفظعُ، جريمةٌ اجتماعيةٌ-سياسيةٌ دامت من 1930 إلى 1960، وكان مسرحها
ألمانيا النازية، إيطاليا الفاشية، إسبانيا الفرنكية، روسيا الستالينية، الصين
الماوية، كمبودج البول بوتية، إلخ... هذه الجريمة السياسية (Un crime politique) أنهت وإلى الأبد عصرَ التناغُمِ أو شهرَ العسلِ
الذي كان قائمًا بين الدولةِ والمجتمعِ. وكان وقعُ الحربِ العالميةِ الثانية أكثرَ
تأثيرًا على الضميرِ الغربِيِّ (ستون مليون ضحية من العالمِ أجمعِ).
عنفٌ - قديمٌ وليس جديدًا -
توارثناه، نحن البشرُ دون تمييزٍ، جيلاً بعد جيلٍ، منذ آلافِ السنينَ:
-
حدثَ قبل الميلاد في جزيرة سردينيا الإيطالية، خرج منها
الجنودُ الرومان ولم يتركوا وراءهم مواطنًا سردينيًّا واحدًا حيًّا.
-
حدثَ قبل الميلاد في بلاد الغال في بريطانيا، قتل جول
سيزار جميع البالغين، رجالاً ونساءً، ولم ينجُ من المذبحةِ إلا بعضُ المسنين وبعضُ الأطفالِ المختبئينَ في الغاباتِ والخنادقِ.
-
حدثَ بعد الميلاد في الجنوب الغربي الفرنسي، أفنَى لويس
التاسع كل المسيحيين معتنقي المذهب الكاثاري (Les Cathares).
-
حدثَ حديثًا في القرن الثامن عشر والتاسع عشر والعشرين
في الهند وإفريقيا وأستراليا، ارتكب جنرالات أنڤليز أكبر الإبادات الجماعية وقتلوا
عشرات الآلاف من الهنود والزولو والهنتتوس والسكان الأوستراليين الأصليين.
-
تَكبُرُ الإدانة ويتضاعفُ الاستنكار وتبلغ الجاهلية
أوجَها عندما يقوم بلدٌ بنفس الجريمة أو أعظمُ، بلدٌ أنزلناه منا منزلة متميزة في
التحضر والثقافة والعلم والفلسفة، بلدٌ يحظى وعن جدارة بإعجابِ منافسيه من الدول
الغربية المتقدمة، بلدٌ لم نخله يومًا يسقط في بضع أسابيع إلى الدرك الأسفل من
الإنسانية، بلدٌ ارتكب أفظع الإبادات العرقية والدينية ضد اليهود وجميع الأعراقِ
غير الآريةِ.
-
والأدهَى وأمر، أن ترى بعض الفلاسفة، من بلادي فرنسا على
الأقل، لم يكفُّوا حتى آواخر القرن العشرين عن مساندة ثلاثة أو أربعة
أنظمةٍ ديكتاتوريةٍ شمواليةٍ، أنظمة ستالين وماو وبول بوت (إضافة مواطن العالم:
أضم صوتي إلى صوت الفيلسوف ميشيل سارّ وأصرخ بأعلى صوتي وأقول: والأنكَى وأشد، أن
ترى بعض اليساريين، من بلادي تونس على الأقل، لم يكفُّوا حتى أوائل القرن الواحد والعشرين عن عبادة مجرمِي حربٍ مثل
ستالين وماو وبول بوت، رغم أنني متأكدٌ تمامَ التأكدِ من أن غايتَهم، المتمثلة في العدالةِ
الاجتماعيةِ، غايةٌ نبيلةٌ جدًّا، ومتأكدٌ أيضًا أنهم لم ولن يستعملوا الوسائلَ
المسلحةَ مثلما استعملها رموزُهم، لا لأنهم لا يريدون، بل لأنهم لا يستطيعون وذلك
لِنقصٍ في التزامهم الإيديولوجي ووَهنٍ في عزيمتِهم الثوريةِ الملوّثةِ بنمطِ
عيشهم البورجوازي الصغيرِ. هم لا يخجلون من تسمية أحزابٍ باسم طغاتِهم تحت يافطةٍ
مُلَمِّعةٍ مُحرّفةٍ مغلِّطةٍ عنوانها الشيوعية أو الماركسية اللينينية وما أبعد
الاسم على المسمَّى).
خاتمة: هل سيأتي يومٌ تُشفَى
فيه البشرية من هذا الوباء ؟ ولا أفضلية أخلاقية عندي، أنا مواطن
العالَم، بين عنفٍ وعنفِ مهما ارتفع أو قَلَّ عدد ضحايا الأول أو الثاني، و"مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ
فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا
النَّاسَ جَمِيعًا" (قرآن كريم).
أنا، مواطن العالَم، مواطنٌ متشائلٌ : متشائمٌ بالقديمِ والحاضرِ، متفائلٌ بالمستقبلِ
(L`émergence de nouvelles Valeurs)،
لأن عند كل ولادةِ طفلٍ، يولد معه مخٌّ جديدٌ قد ينبثقُ منه فجرٌ جديدٌ، فجرُ عصرٍ خالٍ تمامًا من العنفِ، عصرُ "إعادة أنْسَنَةِ الإنسانيةِ" على حد تعبيرِ الفيلسوف الفرنسي المعاصر إدڤار موران.
Michel
Serres, Hominescence, Ed.
Le Pommier, 2001, p. 334
إمضائي
"المثقفُ
هو هدّامُ القناعاتِ والبداهاتِ العمومية" فوكو
"إذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران
"على كل مقال سيء نرد
بمقال جيد" مواطن العالَم
تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الثلاثاء 14 نوفمبر 2017.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire