"ماي 68"، حدثٌ استعصَى حتى اليوم على فهمِ المؤرخينَ. حدثٌ انبثق
من قلبِ المجتمعِ، انفجرَ فجأةً ودون مقدِّماتٍ منطقيةٍ، لم يسبقه جدلٌ ولم يهيئ
له أي نوعٍ من الصراعاتِ الطبقيةِ، لا يحملُ في طياتِه أي رهانٍ انتخابيٍّ، رئاسيٍّ
أو برلمانيٍّ ولم ينظمه أي حزبٍ معارضٍ لا بمفرده ولا داخل جبهة: هذا
الحدث لا يسمى ثورة بل يسمى مَدٌّ ثوريٌّ دون ثورةٍ !
في "ماي 68"،
رفع المتظاهرون شعارات عالية لكنها متعالية على واقعهم اليومي المعيش، شعارات
لا تعلنُ انتسابَها صراحة لأي إيديولوجية سياسية أو مرجعية فكرية محددة. متظاهرون
يتخيلون أنفسهم في ثورة أكتوبر الروسية ! حدثٌ فاق خيالَ المخرجينَ السنمائيينَ
وتحليلَ المحللينَ السياسيينَ وفاجأ أيضًا المنفذينَ أنفسَهم.
وبعد سنواتٍ، بدأ الناسُ يحتقرونَ ويسخرونَ من هذا "اللاحدث"
(Ce non-événement)
الذي يصفه الناس الأقل براءة والأقل
سذاجة بالحدث-المشهد (Un spectacle)، (إضافة مواطن العالَم: بل ذهب
بعضهم في تونس إلى أبعد من ذلك ونعتوا "ثورة 17-14" بالمؤامرة الخارجية
محبوكة الخيوط). لكن وفي المقابل، هل يحق لنا أن نقلل من أهمية حدثٍ، "ماي
68"، وصل تأثيره وصداه إلى العالم وتداعت له عواصم عديدة وتبنته شعوب
متعددة ؟
ماذا يعني إذن مفهوم
"اللاحدث" العالمي ؟
دون شك، هو حالةٌ معقدةٌ، عجز
كل المحللين عن فك رموزها وشروطها أو قراءة معطياتها ورسائلها أو الاستفادة من
مواعظها ودروسها. في الحقيقة هي حالةٌ تتجاوز التاريخ حسب نظرتنا الضيقة والحالية
للتاريخ.
إضافة مواطن العالَم: يقول الفيلسوف الفرنسي المعاصر ميشيل أونفري أن الإنجازَ البارزَ لِـ"ماي 68" الفرنسية هو إلغاء احترام التسلسل الهرمي في الوظيفة العمومية
(Onfray dit qu’il faut respecter la hiérarchie).
وأنا أقول
عن "ثورة 17-14" التونسية ما قاله أونفري عن "ماي 68"
الفرنسية أو أكثر:
لم يعد التلميذُ في بلدي يحترمُ أستاذَه ولا المرؤوسُ رئيسَه ولا الناخبُ ممثلَه.
Michel
Serres, Hominescence, Ed.
Le Pommier, 2001, p. 360
إمضائي
"المثقفُ
هو هدّامُ القناعاتِ والبداهاتِ العمومية" فوكو
"إذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران
"على كل مقال سيء نرد
بمقال جيد" مواطن العالَم
تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الأربعاء 15 نوفمبر 2017.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire