1. في معهد برج
السدرية في التسعينيات، أخطأتُ في حق تلميذ و"ضربتُه" بكف صغير على خده وما
أقبحه فعل، خاصة وأن الضربَ على الوجه -بطاقة تعريف الشخصية- هو من أسوأ أنواع
الإذلال لأنه قد يعطِّل شغف التلميذ بالعلم وقد يحطم شخصيته، والأسوأ من كل ما سبق،
أنه يصيب التلميذ بجرحٍ نفسي لا يندمل بمرور الزمن، ومَن منّا نسي صفعةً على وجهه كان
قد تعرّض لها في حياته حتى وإن جاءت من أمه أو أبيه.
بعد
مرور رُبع ساعة تقريبا على الحادثة، تفاجأتُ بأمه أمام بابَ القاعة فوجدتها في
وجهي تلومني. قدّمت لها اعتذاري دون تردد. قالت: غَلَبْتَنِي وانصرفتْ ( لا أعرف إلى
اليوم كيف اتصل التلميذ بأمه وأعلمها فورا بخطيئتي الكبرى، أكيد عن طريق رسالة
هاتفية).
ومن
سوء حكمتي وتدبيري حينذاك أنني كنتُ أظن أنني أؤدبه رغم أنني كنتُ أعرف جيدًا أن
العقاب البدني ممنوع في القانون التربوي منعًا باتًّا. وهل يؤدبُ الطفل بالعنف؟ لا
أظن! توجدُ ألف طريقة تربوية لتأديبه من غير استعمال العنف، لكن غابت بصيرتي حينها
في لحظة غضب وأجرمتُ في حقه، والغريب أنني كجُل الأساتذة أخفِي عجزي التربوي بالقول أن نيتِي حسنة. نادرًا
جدا ما كنتُ أمارس الضرب رغم أنني كنتُ واعيًا تمام الوعي ومقتنعًا نظريا بعدم
جدوى العقاب البدني وكنت أقول لزملائي ناصحًا: تسقط جميع حقوقكم الأدبية إن بادرتم
بالاعتداء على أي تلميذ لفظيا أو ماديا وكنتُ ألوم كل زميل يظلم تلميذا ثم يكتب
فيه تقريرا ويحيله على مجلس التأديب. فمَن أولى بالتأديب في مثل هذه الحالة؟
التلميذ أم الأستاذ؟ الأستاذ طبعًا!
أخيرًا،
أتوجه إلى تلامذتي السابقين، وأقول لهم: تعدّدَتْ أخطائي، وعزائي الوحيد أنني أعرف
أن عفوكم يا ملائكة كعفو الله أعظمُ. والله خجِلتُ من التلميذ ومن نفسي ساعتها ولا
زلتُ إلى اليوم وبعد التقاعد أخجلُ من الاثنين معًا، ولن يزول خجلي
حتى أحاسَبَ وأعاقَبَ على ما اقترفت يدِي اليُمنَى. ولكن بعد هذه الحادثة المؤسفة،
لم أتعظْ وتكررت أخطائي رغم قلتها مقارنة ببعض زملائي ممن هم أكثر مني تعنيفًا
لتلامذتهم، والمقارنة لا تعفيني من تحمّل مسؤولية أخطائي ولا تخفف منها أيضًا.
2. في معهد من المعاهد بالجمهورية التونسية،
جاء مفقد علوم ليتفقد الأستاذ "أ" فلم يجده، فتفقد صديقي الراوي الأستاذ
"ب". غادر المفقد المعهد وبعد أسبوع بعث تقرير التفقد باسم الأستاذ "أ"
الذي لم يزره وأسند للغائب 14 على 20. احتج صديقي الأستاذ "ب" لدى
المفقد ولدى الإدارة الجهوية، لا حياة لمن تنادي، وبقي تقرير التفقد وعدد التفقد
باسم الأستاذ "أ" إلى يومنا هذا. ونحن نردد دائمًا ونقول "لا يضيع
حق وراءه طالبٌ"، ولو حصل كل مطالبٍ في بلادنا على حقه لأصبحنا نورويج
إفريقيا.
3. في إعدادية من إعداديات مندوبية بنعروس،
أستاذة علوم متحجّبة أسرّت إلى الراوي زميلها، وهو صديقي الذي لا يكذب أبدًا، وقالت:
"لن أدرّس تلامذتي وسائل الوقاية من الإصابة بالسيدا". قال لها
مستغربًا: لماذا؟ ردت: "لأن الإصابة بالسيدا هي عقابٌ يسلطه الله على عباده
الزناة والشواذ". تعليقي: جمعتْ الأستاذة بين الجهل بالعلم والجهل بالدين:
أ. تجهل العلمَ لأن
فيروس السيدا قد يصيب إمامًا متعبدًا لو تعرّض صدفة أو خطأ إلى حقنه بإبرة ملوثة،
وقد يولدُ الطفل الملائكة مصابًا من أم مصابة، وقد حدث في فرنسا وتونس في
الثمانينات أن أصِيب عشرات الأطفال الأبرياء بالسيدا أثناء نقل دم لعلاجهم من مرض
الناعورية (hémophilie).
ب. وتجهل دينَها أيضًا لأن
القرآن يحثُّ على طلب العلم، واللهُ يعاقب العالِمَ الذي يحجب علما قد تكون فيه
منفعة للناس.
وأي ناس في حالتنا هذه؟ أطفالٌ في عمر الزهور، حرامٌ وألف حرامٍ يا زميلة يا ناقصة
علمٍ ودينٍ (لو كان المخطئُ رجلا لقلتُ له نفس الشيء: يا ناقص علمٍ ودينٍ)، حرام عليكِ
أن تحرمي تلامذتك من الاطلاع على وسائل الوقاية من الإصابة بالسيدا. وما ذنبهم يا
تُرى؟ ألا يكفيهم إصابتهم بنقصِ عِلمِكِ ونقصِ دِينِكِ!
إمضائي
"إذا
كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران
تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الاثنين 23 أفريل 2018.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire