الإشكالية:
هل الإغراء
المادّي (Motivation monnayée) هو إجراءٌ مفيدٌ أو
غير مفيدٍ؟ هل هو سلوكٌ أخلاقيًّا سليمٌ أو غير سليمٍ؟
محاولة
الإجابة:
يبدو لي أن الهدفَ من هذا التمشّي يتمثلُ في تشجيعِ
الطفلِ على المطالعةِ. تَمشٍّ يندرجُ نظريًّا ضمن المدرسةِ السلوكيةِ الأمريكيةِ
البافلوفيةِ
(Le béhaviorisme des
années soixante)
لِمُنظِّرَيها
واتسون وسكينر. تعتمد هذه المقاربة أساسًا على الجزاء والعقاب، أو الجزرة والعصا،
أو المال والحرمان من المال، مقاربةٌ تختلف عن المقاربة البنائية-الاجتماعية (Le constructivisme
des années soixante aussi)
لِمُنظِّرَيها الروسي فيڤوتسكي عالِم البيداغوجيا، والسويسري جان بياجي عالِم
إبستمولوجيا النموّ الذهني عند الطفل، والتي
تقول أن الطفلَ قادرٌ على بناء معرفته بنفسه بالتفاعل مع محيطه ومعلمه وأقرانه.
هذا الجزاء النقدي (نسبة للنقود، الفلوس) قد يحث الطفلَ على بلوغ الهدف، أي
الإقبال على المطالعة بشغفٍ (السلوكية)، خاصة وأن علماءَ الاقتصاد والسوق يعرفون
أن البشر يستجيبون في أكثر الأحيان للإغراءات المادية الجذّابة. لكن يبدو لي أيضًا
أن حب المطالعة النابع من التلميذ نفسه قد يكفي لوحده لترغيب بعض التلامذة
(البنائية)، في حين أن الترغيب المادي وحده لا يكفي في كل الحالات.
بعض الاقتصاديين يقولون: توظيفُ الطريقتَين في نفس الوقت قد يكون أنجعَ من
توظيف طريقةٍ واحدةٍ فقط. لكن الإغراء المالي قد يُضعِفُ الإرادة الذاتية وقد نصل
معه إلى نتيجةٍ عكسيةٍ، فينقص عدد ساعات المطالعة في الأسبوع عوض أن يزيد (الهدف
المنشود)، أو يزيد بصفة مؤقتة نتيجة سلوكٍ غير سليمٍ أخلاقيًّا منذ البداية (سياسة
الانتهازية المادية المبنية على الجزاء والعقاب).
في هذه
الحالة يصبح الإغراءُ المالي وسيلةً لكنها وسيلةً غير بريئةٍ: وسيلةُ الترغيبِ
المادي المستعملةُ في البداية تصبح سيئةً لو احتجنا لها دومًا، والمقلِقُ في
المسألة كلها أن الجزاء النقدي قد يُعوِّدُ الأطفالَ على اكتسابٍ عادةٍ لا
أخلاقيةٍ تتمثل في تَصَوُّرِ أن مطالعةَ كتابٍ لا تعدو أن تكون إلا وسيلةً لربحِ
المالِ، عادةٍ لا تبشِّر بخيرٍ، لا بل قد تُفسِدُ أو لا تُساعدُ على الأقل على
تنمية مَلَكَةِ حُبِّ المطالعة ومَلَكَةِ تَذَوّقِها من أجل المتعة الفكرية لا
غير، أو تقضي عليهما في المهدِ لدى الطفلِ.
المصدر:
Ce que l`argent ne saurait acheter, Michael J. Sandel,
Éd. du Seuil, 2014, 332 pages
إمضاء المترجم
"المثقّفُ هو هدّامُ
القناعاتِ والبداهاتِ العمومية" فوكو
"الأساتذةُ لا يَفهَمونَ أن
تلامذتَهم لا يَفهَمونَ" باشلار
و"إذا كانت
كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران
تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الخميس 6 ديسمبر
2018.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire