vendredi 30 novembre 2018

كيفَ قسّمنا إرثَ أمي وإرثَ خالتي؟ مواطن العالَم



أمّي، يامْنة بنت احْمِدْ بن حْمودَة، تيتّمت من الأم والأب وهي ما زالت طفلةً يافعةً، فكفلتاها أختاها البنات اللتان تعيشان في حوش واحد، الصغيّرة زوجة أبي الأولى وبرنية زوجة عمي محمد. ماتت الصغيّرة فتزوّجها أبي وهي في سن 14 وكان يفوتها بـ26 سنة. مات عمي قبل مولدي بأشهرٍ عام 1952 فنزحت برنية إلى العاصمة حيث تزوجت مرة ثانية.
ماذا تركت يامْنة؟
ماتت أمّي سنة 1993، وتركت عْديلَة (وعاءٌ من سعفِ النخيلِ لجمعِ وحملِ "الحَشِيشْ" أي العُشبُ)، وأربعَ أوتادٍ حديديةٍ لتحضيرِ الخيطِ الصوفي للمِنسِجْ (كل ما ورثت عن والدَيها)، وصندوقًا يحتوي على بعض الحلوى الرڤيڤة، وكمشة حُمْصْ مْعاوَدْ هْشوشْ (القليل مما نجا من غزاوت حفيداتها اليومية، بنات أختي الزهرات المشاغبات)، وثلاثة فولارات هدايا الحجاج، وفلاّية عاج (مشطٌ قديم).
أوصت بالأوتاد لجارتها على اليمين، للت الزينة بنت غنوة، وأوصت بالعْديلَة لجارتها على اليسار، للت امْنِي بنت احْمِدْ. طبّقنا وصيّتَها بحذافيرِها، قبل دفنِها.
ذهبت الغالية، لم ترِثْ شيئًا ولم تُورِّثْ شيئًا، عدى ذكراها العطِرة. وما أبهاها من ذكرى، وما أعذبها! ملكت قلوبَنا وقلوبَ كل مَن عرفَها وعاشرَها في حياتِها. تركتْ لنا كنزًا من الحنانِ، حنانٍ لو قسّمناه على الخليقةِ جمعاءَ بالتساوِي لكفاها جميعًا، أما إرثُها المادِّي فصِفرٌ، والصفرُ عددٌ عادةً لا يُقسَّم، لا بالشرعِ ولا بالحداثةِ!
ماذا تركت خالتي، برنية بنت احْمِدْ بن حْمودَة؟
لم تُنجِبْ، كنا نناديها أمّي. تركتْ منزلاً متواضعًا بِمَلاّسِينْ حمام الأنف، نصفه كان ملكها الشخصي وورثت عن زوجها الثاني ثُمْنَ ما تركْ. أوصتْ بإرثِها كلِّهِ لأختي الكبيرة فاطمة، الضريرة المستنيرة. بِعتُه ونصحتُ أختي بِادّخارِ المبلغِ في البنكِ (3500د)، رفضتْ نصيحتِي الحداثيةِ، هي ترى الفائدةَ حرامًا شرعًا. طلبتْ مني أن أشيِّدَ لها، في حوشنا القديم في جمنة، بيتًا للسكن وڤاراجًا للكراء. نفّذتُ أمرَها وهي اليومَ تسكنُ بيتَها مع أخي الأصغر احْمِدْ، الوكيلُ الأولُ العسكريُّ المتقاعدُ، المتزوّجُ ثانيةً من الملاكِ الطاهرِ عائشةْ بن عمرْ بعد طلاقِه بالتراضي من أمِّ أولادِه الأميرة لطيفة بِيدَة.
أما إرثُ أبي وعمي المتواضعُ (حوش عربي وسانية)، فقد قسّمناهُ بالتوافُقِ، للأنثَى مثل حظِّ الذكرِ، لكننا لم نُوزعْه منذ وفاتِه عام 67 (نحنُ ثلاثُ بناتِ وثلاثةُ أولادٍ، تُوُفِّيَ أكبرُنا وأفضلُنا، المرحوم صالح)، وكل فردٍ منا متبرّعٌ بِمَنابه لأختِنا فاطمة لو وافَتْه المَنِيّةُ قبلَها، و"خُرّافَتْنا هابَةْ هابْةْ وكل عام اتْجِينا صابَةْ".

خاتمة: فَعَلاَمَا تتخاصمونَ أيها المشرِّعونَ، شرعيّونَ وحداثيّونَ؟ أما الأغنياءُ، فثروتُهم عادةً ما يكون مصدرُها الاستغلالُ الحرامُ دينيًّا أو اشتراكيًّا، إلا مَن رَحِمَ ربي، فهل يجوز تقسيمُ الحرامِ بالحلالِ؟

إمضائي
"المثقّفُ هو هدّامُ القناعاتِ والبداهاتِ العمومية" فوكو
"الأساتذةُ لا يَفهَمونَ أن تلامذتَهم لا يَفهَمونَ" باشلار
و"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران

تاريخ ثان نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، السبت 1 ديسمبر 2018.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire