تاريخ أول نشر على النت: حمام
الشط في 28 ماي 2012
سأتناول بالتحليل والتفكيك
هوية شخص أعرفه جيدا على ما أظن، وهو أنا وهل يعرف الأنا أكثر من الأنا نفسها باستثناء
المحللين النفسيين الأكفاء. للأمانة العلمية، لقد استوحيت قالب نص الفقرة الموالية
من كتاب علي حرب "نقد الحقيقة" ص 1، نص كُتب حول الحقيقة فطوّعتُه
للتحدث عن الهوية، هويتي الشخصية وليست هوية الغير: سوف أتعمد التفكيك المنهجي
لهويتي لكي أتلمس العناصر المهمة التي تتركب منها. هذه الطريقة، هي بمثابة مجهر يمكنني
من إدراك مكونات الهوية من خلال تضخيمها. سوف أتغافل قصدا عن مدى التفاعل والتناغم
بين أجزائها، لا لقصور عن التركيب بل لأن الهوية المركبة قد تخفي بالضبط ما تشير
إليه وتتكلم عنه. هي أيضا ليست ثابتة لكي نصفها بقدر ما هي بناءٌ متواصل وسيرورة
لا تنتهي ولا تكتمل حتى الموت. هي ليست كتلة جامدة متجانسة ومنغلقة بقدر ما هي
كينونة حية منفتحة على الاحتمال والتجديد. هي ليست مُعطى ولا هي نتيجة بقدر ما هي
مجموعة من التفاعلات بين هويات ثنائية أو متناقضة. وأخيرا لا آخرا، ليست الهوية
أحادية، بل هي هذا الشيء الذي لا يكف عن التعدد والتنوع والاختلاف عن نفسه باختلاف
الثقافات التي يمر بها والتجارب الوجودية والاجتماعية التي يعيشها. وقصارى القول إن
تفكيك الهوية
يجعلها أقل عصبية لأنه
يزعزع الثقة المفرطة بالنفس والعقيدة والعرق والطائفة والمذهب. إن الهوية ليست شيئا ثابتا نبحث عنه لكي نسيجه ثم نحرسه،
بل هي شيء نعيشه ونمارسه ونصنعه أو نعيد إنتاجه يوميا بالاحتكاك بالآخر. هي ما تخلقه
الحياة بين البشر أو ما ينتجه تلاقح
الأفكار ولا وجود لهوية موروثة تسبق المكتسبات الاجتماعية والفكرية. إنها موروثة
مائة بالمائة ومكتسبة مائة بالمائة. إنها ليست علما لكي نعلمها للأجيال وليست
سلوكا نمطيا لكي ندرّب عليه النشء، بل هي نتاج ذاتي وتجربة شخصية، لا تباع ولا
تشترى. لا انفصال ولا استقلال لهوية عن الهويات الأخرى. نصونها ونصقلها بقدر ما لا
نتحزب لها وبقدر ما نبتعد عن تحويلها إلى عقيدة تحتاج إلى حراسة. فالتعصب للهوية
هو ضد الهوية. وبعبارة صريحة: نقترب من هويتنا بقدر ما ننفتح على هويات الغير. فالهوية
التي لا تتفاعل مع الهويات الأخرى ليست بهوية. وإذا شئت عبارة أكثر صراحة أقول:
نتناقض مع الهوية عندما نعتقد بوجود هوية تخلو من اختراقات هويات أخرى. ونقترب من
مفهومها عندما نعتقد بأن الهوية أقل انغلاقا مما ينبغي. (انتهت استعارة القالب
اللغوي).
-
عربيٌّ اللسانِ، وفي باريس كنت أبحث عن المقاهي الناطقة
بالعربية أغانيَ وحديثا رغم أنني على ما يبدو لي أتقن الفرنسية.
-
مسلمٌ، وأنتفض غيضا من الإسلاموفوبيا العالمية وتزعجني
جدا العنصرية ضد المسلمين لكنني في الوقت نفسه لا أجابه العنصرية بالعنصرية ولا
الكره بالكره ولا الإقصاء بالإقصاء ولا التكفير بالتكفير ولا التعصب بالتعصب ولا
الانغلاق بالانغلاق، أواجه كل هذا الكم من العنف الرمزي بالمحبة، أحب اليهود و
المسيحيين والبوذيين والهندوس والكفّار والملحدين والناس أجمعين لأن رسالة محمد -
صلى الله عليه و سلم - رسالة تسامح ومحبة وانفتاح، رسالة موجهة للعالمين، كل خلق
الله ولا تخص المسلمين وحدهم، فليس من حق هؤلاء الأخيرين احتكارها أو النطق باسمها.
-
مغاربيٌّ، والجزائري والليبي والمغربي أقرب إليَّ
أنتروبولوجيًّا من السوداني والسعودي واليمني.
-
تونسيٌّ، والتونسيون أقرب إليَّ وطنيا من الجزائريين
والمغاربة والليبيين.
-
جمنيٌّ (من قرية جمنة ولاية ڤبلي بالجنوب الغربي
الصحراوي التونسي)، والتونسي الجنوبي أقرب إليَّ جهويا من التونسي الشمالي.
-
نقابيٌّ، والنقابيون أقرب إليَّ نضاليا من المناضلين
المنتمين الناشطين داخل أحزاب علنية أو سرية.
-
مدنيٌّ، والمدنيون أقرب إليَّ سياسيًّا من الديوانة والشرطة
والعسكر.
-
فرنكوفونيٌّ، وبحكم لغتي الأولى في الثقافة والاختصاص
العلمي والمراجع الفكرية، فإن الناطقين بالفرنسية أقرب إليَّ تواصليَّا من
الناطقين بالأنڤليزية.
-
أستاذٌ، والأساتذة من بنڤردان إلى بنزرت أقرب إليَّ
مهنيا من الأطباء والمهندسين.
-
أستاذُ بيولوجيا، وأساتذة علوم الحياة والأرض أقرب إليَّ
علميا من أساتذة الرياضيات والفيزياء.
-
أنتمي بيولوجيا واجتماعيا إلى الجنس الذكري، ومشاكل
الرجال ونقاشاتهم تستهويني وتجلب انتباهي أكثر من أحاديث النساء مع احترامي وتقديري
الكبيرين لأحاديثهن ونقاشاتهن.
-
عَلمانيٌّ مؤمن بدور الدين في تحريك المجتمع، والعَلمانيون
المؤمنون بدور الدين في تحريك المجتمع أقرب إليَّ من العَلمانيين الناكرين لدور
الدين في تحريك المجتمع.
-
يساريٌّ ديمقراطيٌّ، واليساريون المؤمنون بالديمقراطية
والتعددية ونبذ دكتاتورية البروليتاريا ونبذ عبادة شخصية الزعيم المعصوم الموهوب أقرب
إليَّ من اليساريين الناصريين والصدّاميين واللينينيين والستالينيين والماويين والتروتسكيين
مع احترامي الكبير لهؤلاء الذين أعتبرهم أصدق من زعمائهم ورموزهم. زعماؤهم باعوا الناس
أوهاما وأحلاما ثم خدعوهم وطبقوا عليهم القمع والإقصاء والطغيان، أما رفاقي
وأصدقائي فهم ما زالوا يبيعون الأحلام والأوهام لكن - من حسن حظهم وحظنا - لم تتوفر
لديهم الفرصة بعدُ لكي يخدعوا الناس.
-
مسالمٌ، ومانديلا وغاندي ومارتن لوثر كينغ أقرب إليَّ
أيديولوجيا من ديڤول وشرشل وصدام وعبد الناصر وعرفات وحسن نصر الله.
-
فقيرٌ ماديا، والفقراء أحبّ إليَّ من الأغنياء.
-
أحسب نفسي مثقفا، والمثقفون أفضل إليَّ صحبة من الأمّيين
أو المتعلمين غير المثقفين. أمّا أمي الأمية فهي عندي بعد الرسول أفضل الخلق الله
كلِّهِمِ.
-
روحانيُّ النشأة، وأول كلام، موزون القافية وهو كالشعر
وليس بشعر، حفظته في حياتي هو جزء عمَّ من القرآن الكريم.
-
صوفيُّ الذوق الموسيقي، تفتّح ذوقي على النغمات
والإيقاعات الصوفية الطرقية "البنعيسية" (نسبة إلى سيدي بن عيسى)
و"القادرية" (نسبة إلى سيدي عبد القادر الجيلاني) و"الحامدية"
(نسبة إلى سيدي حامد الحشّاني).
-
مواطنُ العالم، لم أمارس العنصرية في حياتي على أحد ولم
أتربّ على الشوفينية والتعصب والتزمّت والإقصاء والقبلية والعروشية. وكما قال ابن
عربي: "جاهل مَن تعصب لمعتقده".
-
أممي الهوى لكنني وطنيٌّ بالضرورة وليس بالاختيار، مكره
أخاكم لا بطل بحكم الجغرافيا والانتماء الحضاري التقليدي التاريخي والوراثي.
-
علميُّ التفكير، أو يبدو لي ذلك على الأقل، والذين يفكرون
مثلي أقرب إليَّ مِن الذين يعتمدون التفكير الديني منهجا يبدأ باليقين وينتهي باليقين،
وأقرب إليَّ أيضًا مِن الذين يكتشفون الحقيقة اكتشافًا لا اكتسابًا ويحافظون عليها
دومًا حقيقة. أما العِلميون (وليس العَلمانيون) فيبدئون بالشك وينتهون إلى مزيد من
الشك، يصنعون حقيقة ثم ينتقدونها ليجعلوها أقل حقيقة.
-
كائنٌ افتراضيٌّ، وبفضل الفيسبوك اكتسبتُ أصدقاء فيسبوكيين
افتراضيين، لا أعرف وجوههم إلا من خلال صور قد تكون غير صورهم الحقيقية ومن خلال
هويات قد تكون هويات مزيفة. أكتب مقالا فيعلق عليه بعد دقائق معدودات صديق افتراضي،
طالب تونسي في ألمانيا، أو مواطن مصري في القاهرة، أو أستاذ مغربي في مكناس. أليست
هذه من محاسن العولمة الرقمية؟
-
ريفيُّ الأخلاق، وأهل القرى والأرياف أقرب إليَّ مزاجيا
من بعض أهل المدن أصحاب التحضر المستورد المزيف.
-
طوباويُّ حالم
، لكنني أعي جيدا أن الحلمَ حلمٌ والطوباويةَ طوباويةٌ. أعي أن الخلافة طوباوية،
والليبرالية طوباوية، والشيوعية طوباوية، وحقوق الإنسان طوباوية، والتقوى طوباوية،
والثورة طوباوية، والعدل طوباوية، والإنصاف طوباوية، وحرية التعبير طوباوية،
والمساواة طوباوية، والإنسية (Humanisme) طوباوية، وفصل الدين عن الدولة طوباوية، والصداقة طوباوية، والحب
طوباوية، ومكارم الأخلاق طوباوية، وكل بدائلي طوباوية في طوباوية. وأعي أيضا أن الطوباوية
ليست عَقَبَةً بذاتها، بل هي شرط الوعي بضرورة التغيير على شرط أن تدركها كطوباوية،
أي كبديل مطروح من جملة بدائل وليس البديل الجاهز الوحيد الأوحد. وكما قال جوزيف غابل: "فالإيديولوجيا،
من حيث إنها متجهة صوب الماضي، ستكون وظيفتها هي الحفاظ على الوضع الاجتماعي، في حين أن اليوتوبيا، وهي مشرئبة نحو المستقبل هي
عامل ثوري". هذا نقد ذاتي من طوباوي للطوباوية، نقد ذاتي لم ينجزه اليساريون ولا القوميون
ولا الإسلاميون العرب، قديما وحديثا. وانعدام النقد الذاتي هو سبب من أسباب قفزنا
على واقعنا وتخلفنا وانحطاطنا وتقهقرنا بالمقارنة مع الأمم المتقدمة علميا
وتكنولوجيا.
إمضائي
أجتهدُ فإذا أصبتُ فلي الأجرُ الموعودُ، وإذا أخطأتُ فلي بعضُه!
و"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire