lundi 12 novembre 2018

جمنة وروزا؟ مقال مستوحَى من لوموند ديبلوماتيك نوفمبر 2018، مواطن العالَم، يساري غير ماركسي، أصيل جمنة ولادةً وتربيةً



سؤال: هل توجد علاقة فكرية بين تجربة جمنة وفكر روزا لوكسانبورغ، الكاتبة والمناضلة الشيوعية الألمانية (1871-1919)، شهيدة الحرية والديمقراطية الشعبية التشاركية والتسيير الذاتي؟
جواب: لا توجد بين الاثنين أي علاقة من أي نوع وأظن أن جل متساكني جمنة، مثقفين وغير مثقفين، لم يسمعوا حتى باسمها، باستثناء جمني يساري واحد مقيم حاليًّا بجمنة (1 على 10 آلاف ساكن، لا أتحدّث على اليساريين الجمنين غير المقيمين بجمنة أمثالي)، وهو رئيس جمعية حماية واحات جمنة التي تضم أيضًا عضو نهضاوي وآخر قومي وآخر تيّاري والباقي مستقلين، والتي تُدير التجربة وتُسيّرها بنجاح منذ ثمان سنوات، لكنه لم يدّعِ يومًا أنه منظِّر تجربة جمنة، على العكس يعترف علنًا أنه التحق بها بعد ولادتها في عز الثورة. التجربة اندلعت يوم 12 جانفي 2011. ولادةٌ جمنيةٌ مبارَكةٌ، أصيلةٌ لا فكرَ مستوردَ فيها، ذكاءٌ جمنيٌّ جمعيٌّ بعيدٌ كل البعد على الأحزاب اليسارية وغير اليسارية. حركةٌ ثوريةٌ عفويةٌ انبثقت مِن رحم مجتمع جمني محافظ دون تدبير أو تنظيرٍ مسبق مِن قِبل أي جهة. سَمّها تواترَ خواطرٍ مع روزا إن شِئتَ!
منذ البداية أضعُ النقاطَ فوق الحروف: روزا يسارية ماركسية وأنا يساري غير ماركسي.
تعجبني بعض مواقفها وأتعاطف معها لأنها وقفت بشجاعة نادرة ضد لينين في عز قوته، لم تعارضه في الغايات وعارضته  في الوسائل، والغاية عادةً لا تبرّر الوسيلة. أطلقتْ صيحتها الشهيرة ضد ديكتاتورية  لينين الجنينية في تسيير دواليب الحزب الشيوعي البلشفي الروسي، وأكدت أن لا معنى لأي حرية ما لم تشمل الذين لا يفكرون مثلنا أي المعارضين للينين. اعتمَد لينين مفهوم المركزية الديمقراطية
 (Le centralisme démocratique)، 
أي القرارات تصدر من القيادة، وما على مجالس السوفياتات إلا تبنّيها ثم تنفيذها. روزا قالت له: لو عكستَ لأصبتَ وأرسيتَ داخل الحزب الديمقراطية الشعبية التشاركية المجالسية! للأسف أثبت تاريخ الاتحاد السوفياتي اللاحق وجاهة معارضة روزا للينين. الماركسيون-اللينينيون، أي الستالينيون، ينكرون على روزا نقدها لسياسة لينين. يبدو لي أنه لو عاشت روزا عهد  ستالين لَكفرت بالشيوعية والشيوعيين وتخلّت عن الماركسية مثلي! ستالين، أكبر ديكتاتور - بعد هتلر وموسولوني - عرفته البشرية في التاريخ القديم والحديث، ديكتاتور "خصبٌ وَلُودْ" فرّخ العشرات من أمثاله، كل أمناء الأحزاب الشيوعية الستالينية في العالَم وفي نفس الوقت هم رؤساء دول، ومن حسن حظ الإنسانية، أن جل أنظمتهم الديكتاتورية انقرضت. وبسبب هذا الخلاف غُيِّبت كتابات روزا من أدبيات اليسار في العالَم وخاصة في تونس حيث لم تنقرض الأحزاب الستالينية بعدُ، حزب العمال والوطد الثوري والوطد الموحَّد.
أؤيّدُها في إصرارها ومطالبتها بتطبيق مبدأ التسيير الذاتي (وهنا تلتقي فكريًّا صدفة مع تجربة جمنة الحديثة) ضد التسيير الفوقي من قِبل سلطة مركزية منتخبة أو غير منتخبة كما كان هو الحال في ثورة أكتوبر 1917. ناضلتْ ودفعتْ حياتَها ثمنًا من أجل المطالبة بإنشاء نواة لمؤسسات حكم محلي جديدة بهدف الحدّ من تَغَوُّلِ الحكم المركزي: حكمٌ مُسيَّرٌ ذاتيّا يتأسسْ وحريةً يتنفسْ، حكمٌ محلي يقاوم سلطة حكم مركزيّ، سلطة مركزية تتغطرَس ووراء القمع البوليسي تتمترس. في ألمانيا وفي بدية القرن 19، هل كان بإمكان حلم روزا أن يتحقق؟ حكمٌ بِرأسَين أي حكومة مركزية ذات توجه اشتراكي-ديمقراطي وحكومات محلية شعبية ثورية مسيَّرة ذاتيًّا.
أنتقل الآن إلى تونس ما بعد الثورة وألقِي نفس السؤال في القرن 21: هل بإمكان المنوال التنموي الاقتصادي التضامني المسيَّر ذاتيًّا بجمنة أن يتكاثر وينتشر في ربوع تونس في حضور منوال اقتصادي رأسمالي مافيوزي مركزي؟  أشك! يوجد عندنا حكم مركزي بوليسي كمبرادور ممثل لبورجوازية وطنية مافيوزية "طرابلسية" فاسدة وفي نفس الوقت هو أيضًا تلميذٌ نجيبٌ غبيٌّ تابعٌ لصندوق النقد الدولي (FMI)، تقابله تجربة ثورية جنينية تونسية خالصة محاصَرة رسميًّا في رقعةٍ جغرافية ضيقة (جمنة) رغم إشعاعها الفكري وطنيًّا وعالميًّا والله يقدّر الخير ويحسن العاقبة، آمين.
ملاحظة عابرة: منظمة روزا لوكسانبورغ الألمانية فرع تونس ساندت تجربة جمنة مساندة معنوية هامّة.

مصدر الإيحاء:
Référence: Le Monde diplomatique, novembre 2018, «Allemagne. Comment le spartakisme fut défait», par William Irigoyen, p. 26

إمضائي
أجتهدُ فإذا أصبتُ فلي الأجرُ الموعودُ، وإذا أخطأتُ فلي بعضُه!
و"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران

تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الثلاثاء 13 نوفمبر 2018.




Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire