lundi 5 novembre 2018

يساريي غير ماركسي وغير ملتزم حرفيا بمقولات اليسار الماركسي المتكلّسة: أقصاني اليسار الحزبي، احترمني اليسار الفكري والنقابي، وكرّمني بعض جمهوريّي ونهضاويّي حمام الشط! مواطن العالَم



تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الأحد 17 جويلية 2011.

عشتُ أستاذا نقابيا قاعديا مستقلا معارضا مسالما هاوٍ غير محترفٍ من 1974 إلى 2011، أشرفتُ على تنظيم كل الإضرابات الأستاذية في مكان عملي منذ 1974 وشاركت في تجمعات نقابة التعليم الثانوي أمام الإدارة الجهوية للتعليم والإدارة الجهوية للرياضة ووزارة التربية وساحة محمد علي، شاركت بفعالية في بعض المظاهرات قبل الثورة وكنت حريصا على عدم تعريض نفسي للخطر ليس جبنا بل كنتُ أدخرها لوقت الشدائد حتى أقدمها راضيا مرضيًّا قربانا للكرامة والحرية.
فقدتُ اتزاني وصوابي قبل وبعد 14 جانفي 2011 بقليل، رفعتُ شعاراتي الشخصية يوميًّا في شارع بورڤيبة وساحة القصبة وأمام المغازة العامة فوق أصيص الزهور، وفتحتُ صدري للكرطوش البوليسي الحي، لأول مرة تنشقتُ قنابل الشرطة المسيلة للدموع، وضُربت مرة واحدة في شوارع العاصمة التونسية بعصا البوليس الغليظة رغم أنني كنت أعي منذ اللحظة الأولى أنني أحلم ولم أنخدع ولو لدقيقة واحدة في "ثورة الياسمين" ولا في حاميها "حمامة السلام" الجيش الوطني التونسي رغم أنني لم أشك ولو لثانية في ثورية وصدق المتظاهرين العفويين السلميين أمثالي وأمثالكم.
قبل 2011، حضرتُ بعض الاجتماعات الممنوعة للرابطة في العمران الأعلى، زرتُ المضربين عن الجوع في حركة 18 أكتوبر 2005، ساندتهم، صافحتهم وتحدثتُ مع حمة الهمامي ونجيب الشابي رغم محاصرة البوليس السياسي.
أختلفُ فكريًّا مع أنظمة ساركوزي، أوباما، بلير، عبد الناصر، القذافي، صدام، الأسد، لينين، ستالين، ماو ومع كل الحكام الأمويين، العباسيين، العثمانيين، السعوديين، الخليجيين، الإيرانيين والأحزاب أجمعين يساريين ويمينيين. لا أتّفقُ مع مثقفي السلطة المأجورين، ولا مع اليسار الحزبي التونسي الانتهازي الحالي المنبتّ، ولا مع اليمين الذي يغازل أمريكا وبريطانيا أعداء العالمين وخاصة المسلمين منهم.
أكره الرأسماليين الجشِعين والتجار الغشاشين ورجال الأمن المأمورين والعساكر الطفيليين ودعاة الدين المأجورين.
أحترم الرسول صلى الله عليه وسلم، أتعاطف نسبيا وجزئيا مع أبي ذر الغفاري، الخلفاء الراشدين، المعتزلة، شي ڤيفارا، حسن نصر الله، الجنرال الفيتنامي المقاوم جياب، المقاومة اللبنانية، ماركس الفيلسوف، روزا لوكسمبورغ الناشطة السياسية الماركسية لوقوفها الشجاع ضد ديكتاتورية لينين، لكنني لا أكره بني جلدتي الإسلاميين ولا رفاقي التونسيين اللينينيين والستالينيين والتروتسكيين والماويين والناصريين والصداميين والقذافيين والبعثيين السوريين والعراقيين، إنهم يرفعون شعارات رائعة قالها زعماؤهم الذين نفذوا في الواقع عكسها، ويا ليت مريدوهم يُفعّلون شعارات زعمائهم النبيلة  دون الوقوع في الأخطاء الدموية الفظيعة التي اقترفها هؤلاء الأخيرين بواسطة أنظمتهم التعسفية الفاسدة.
قبل الثورة أقصاني فريقٌ من اليسار(اليسار المتستّر على الشعب والمعروف في نفس الوقت  لدى البوليس السياسي وحتى العادي)، غيّبني عن تحالفاته النقابية تجنبا لعدم انضباطي وتهربا من شطحات يساريتي غير الملتزمة حرفيا بمقولات اليسار المتكلّسة.
انضممتُ لفرع الرابطة التونسية لحقوق الإنسان بڤبلي منذ تأسيسه في أواخر السبعينات.  سافرت في تعاون فني إلى الجزائر سنة 1980. أنهيت عقد العمل سنة 1988. بعد عودتي النهائية إلى تونس، أردتُ تجديد عضويتي ونشاطي وحاولتُ الاتصال بفرع الرابطة بجندوبة.  منذ 1988 وأنا أطرق باب الرابطة لتجديد عضويتي في الرابطة المتهمة بالتبعية لحزب العمال الشيوعي التونسي. فتحوا الأبواب واسعة في وجه "التجمعيين" وأوصدوها في وجهي بحجة عدم الاختراق والمحافظة على نخبوية المنظمة. وهل هنالك اختراقٌ أفظع من الاختراقِ الذي وقعوا فيه؟ وهل هنالك نخبة أكثر انتهازية من نخبة التجمع الدستوري الديمقراطي؟
لم يهددني في مسيرتي الفكرية المناضلة المعارضة المسالمة أحدٌ، لا من البوليس ولا من "التجمعيين". يأتيك الخطر من حيث لا تنتظره. هددني جارٌ يساري من حزب العمال الشيوعي التونسي فأصابني ذهول وانعدام ثقة في اليسار برمته، ومنذ ذلك الحدث الجلل لم أفق من صدمتي ولم أنس خيبتي ولم أسترجع توازني الفكري حتى الآن.
رفاقي اليساريون لم يعيروا أي اهتمام لما أكتب وأنشر على النت، وهذا في حد ذاته لا يعنيني في شيء لأنني لست داعية سياسي ولا فكري ولا يهمني إن قرأني واحد منهم أو ألف. لا يمثلون الأغلبية في جمهور قرّائي المستهدَف.
من حسن حظي أن اليسار التونسي متعدد وخلافاته المذهبية ظاهرها تشتت وباطنها رحمة لليساريين.
دعاني، احتضنني وكرّمني فريقٌ آخر من اليسار داخل نادٍ نقابي ثقافي "نادي جدل" واحترم فكري الطريف وتفكيري المعاكس لما هو سائد.
منذ أسبوع دعاني بكل لطف واحترام وتقدير زميل عضو مكتب حزب حركة النهضة بحمام الشط لحضور يوم العلم الذي تنظمه النهضة لتكريم التلاميذ المتفوقين بحمام الشط اليوم الأحد 17 جويلية 2011 بقاعة الأفراح ببلدية حمام الشط على الساعة العاشرة صباحا. قاعة مكيفة، ماء بارد، كؤوس من زجاج، مشروبات منعشة، مرطبات لذيذة ، كراسي مريحة، بنات ونساء محجبات وغير محجبات، فرقة غنائية فيها بنتان غير محجبات، أغنية واحدة على الرسول صلى الله عليه وسلم وأغاني على تونس وفلسطين، جوائز قيّمة لتلامذتي (سلمتُ واحدة منها)، قدّم عبد اللطيف المكي مداخلة علمية لا علاقة لها بالدين، جو حميم وبداية اجتماع جميلة وهادئة بتلاوة ما تيسر من القرآن الكريم.
قال لي في المقهى جلسائي اليوميين مازجين الجد بالهزل: أحد الإسلاميين: "إن شاء الله نلتقي في مكة العام المقبل"، أحد المستقلين: "ليس غريبا أن يصبح محمد كشكار إماما يؤم المصلين يوم الجمعة سنة  2015"، أحد الأصدقاء: "صنفتُك مع الإخوان قبل الأوان"، أحد اليساريين: "كيف تَحْضَر اجتماعا للنهضة حزب الرجعيين والإرهابيين وأنت المعروف بيساريتك (لم أر إرهابيين في هذا الاجتماع، رأيتُ زملاء محترمين وتلامذة بريئين ممتازين وبنات أنيقات صغيرات رقيقات جميلات وجيران محترمين نهضاويين وغير نهضاويين)"، أحد الناطقين الرسميين اليساريين: "خرف الرجل وجُن أثناء الثورة. لقد رأيتُه وهو يرفع شعارات سياسية في الشوارع والساحات" (حقا إنه فعلٌ أخرقٌ لا يقدر عليه إلا المجانين!).
لستُ نهضاويا ولن أكون، لا لأنني أكره النهضة بل لأنني لا أتعاطف البتة مع النشطاء السياسيين يمينيين ويساريين، قوميين وأمميّين، رأسماليين وشيوعيين، إخوان وسلفيين.
خلاصة القول
قَدَرُ المثقف المفكر الحر أن يعيش أبد الدهر على هامش المجتمع متمسكا بدور الناقد دون تقديم البديل لأنه لوحده لا يمكن أن يملك البديل، لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب، وإن حدث لا قدر الله ورضي وشكر ومجّد الوضع السائد والنظام القائم فقد صحّ نعتَه بانتحال صفة "مثقف السلطة" مهما كانت مرجعية هذه السلطة سماوية أو أرضية، غربية أو شرقية، ديكتاتورية أو عادلة، و"انتحال صفة" جريمة يعاقِب عليها القانون ولا تستوجب ظروف التخفيف.
مفكر يساري غير ماركسي حر غير منتمٍ، مستقل على طريقتي ومن أراد أن يعرف عني أكثر فليقرأ آلاف المقالات التي نشرتُها منذ  2008 في حسابي وصفحتي ومدونتي.
أنا مكلومٌ وعنديَ لوعةٌ جرّاء تجاهل وظلم عائلتي السياسية اليسارية، وظلم ذوي القربى أشدّ غضاضة، والمفارقة الكبرى أن بعض أصدقائي الإسلاميين مشكورين هم الذين حاولوا تضميدَ جراحي، والذنبُ ليس ذنبَهم إذا  كان المَرهمُ المتوفر لديهم منتهِي  الصلوحيته، مَرهمُ التديّن الاجتماعي الشكلي المُفرَغ للأسف من الاستقامة الأخلاقية  الفردية (Une religiosité sans spiritualité).
إمضائي
قرارُ القطعِ النهائيِّ مع أربعة أصدقاء كانوا فيما مضى حميمين، قرارٌ أراحني كثيرًا وخلقَ لديّ إصرارًا على مواصلة الكتابة والنشر، نشر محاضرات وكُتُبٍ ومقالات. يبدو لي أنني نجحتُ إلى حدٍّ ما في أن لا أُبقِي في داخلي إلا على مشاعر الحنين لِما هو جميلٌ فيهم.
يطلب الداعية السياسي أو الفكري من قرائه أن يصدقوه ويثقوا في خطابه أما أنا - اقتداءً بالمنهج العلمي - أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات وأنتظر منهم النقد رغم أن الشكر يفرحني كأي بشر رقيق وحسّاس.
لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة والبراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى مقاربةٍ أخرى وعلى كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف اللفظي.




Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire