mercredi 21 novembre 2018

"الفِتنةُ" لم تكن فتنةً! (تحليلٌ تاريخيٌّ-أنتروبولوجيٌّ مُخالِفٌ للسائدِ). تأليف د. عبد الحميد الفهري، نقل مقتطفات مختارة وإعادة ترتيبها مواطن العالَم



"الفتنة الكبرى" في تاريخ العرب لم تكن فتنة بالمعني السلبي للكلمة بل كانت قفزة أو قطيعة إسلامية اجتماعية مع النظام القبلي قبل الإسلام.
مقتطفات مختارة ومقتضبة من نص المؤلف، مقتطفات لا تُغني القارئ عن قراءة كامل الأثر، مقتطفات تهدف إلى التحسيس، لا أكثر ولا أقل، بوجود مقاربة  تاريخيّة-أنتروبولوجيّة لحدثٍ جَلَلٍ اسمه "الفتنة الكبرى": "انفجر بين قوى تقليدية قديمة وأخرى جديدة على المجتمع العربي القبلي صنعها الإسلام في دولة المدينة النبوية (في عهد محمد)، فدارت الأحداث بين جيوش سلطة أو دولة من جهة، وجيوش منشقة عنها بقيادة القرّاء بالأساس من جهة أخرى. والقرّاء فصيل اجتماعي\ديني\سياسي أفرزه مخاض طريف لعناصر فهمت الإسلام بعقل قبلي ممزوج بروح إسلامية في بداية نقاوتها لا يرى في غير القرآن مصدرًا للتشريع... (...) رفضُهم الراديكالي (القرّاء) لمسألة الشورى (...) باعتبار أن الشورى في السياق القرآني يمكن أن تعني مجمل المؤمنين وليس خيارهم وأشرافهم فحسب. وهنا لا بدّ من إثارة دور الأمصار كأوطان جديدة سمحت، بحكم بعدها عن البؤر التقليدية الحجازية، بقيام حركة فكرية وسياسية متحررة من كل نفوذ وقيود. فأفضت إلى تجميع أصناف مختلفة من العرب في هذه الفضاءات "المستحدثة" إلى مواجهة مصيرها برصيدها القديم وبرواسبها الدفينة لتنحت بها مكانة في الدولة الجديدة. (...) ستحتج على الشرائح الحجازية المحتكِرة لمآثر الدين الجديد بصور مختلفة. فكان عرب الاستقرار في الأمصار يفتخرون على الولاّة بمجدهم وصراحة نسبهم وعراقة أصولهم. (...) صِفِّين مفترق عظيم أيضًا لأنه كان رغم قعقعة السيوف نقطة إعلان التمرّد على الاستبداد وأساس الاختلاف في الرؤى بين السلطة من جهة إحدى أهم مؤسساتها: الجيش وقياداته. وبحكم طبيعة التعامل، كان العنف هو أداة الحسم الأولى بين الطرفين. فكان النزال والقتال. (...) صِفِّين هي في الأصل هضبة تقع بين الشام والعراق. (...) ومفترق عرى اللاتكافؤ الذي أضحت عليه فتات المجتمع العربي بين الحضر والبدو، ثم بين كل العرب ومواليهم وعبيدهم. وصِفِّين كذلك مرجعية كل المصنِّفين والمفكرين والمؤرخين عند بحثهم عن جذور الانشطار في الدين والمجتمع في الفكر وفي النظر إلى الدنيا والآخرة. هي صِفِّين المفترق الأهم في تاريخ الدولة والدين، فالشحنة التي تحملها معاني الفتنة تترجم الأبعاد والتداعيات والانعكاسات المباشرة وغير المباشرة لهذا الحدث (...)

أولا، بروز الاحتجاج العربي واضحا في صِفِّين على نتائج قيام جهاز دولة لها نفوذ إنزال قسم من قبائل العرب إلى أسفل السلم الاجتماعي، لصالح رموز أمة المؤمنين 
(J. C.: Les plus engagés parmi les musulmans
 القوة الصاعدة التي صنعها الدين الجديد واعتمدتها السلطة بديلا عن الهياكل العربية التقليدية. وهل نحتاج إلى التذكير بأن لفظ عرب ذُكر مرتين في القرآن بالإماء، في حين ذُكر لفظ أمة المؤمنين في الفرد والجمع والرفع والنصب 514 مرة. ومعلوم أن مواقع السلطة التي تشكلت منذ زمن محمد، كانت على أساس الموقع من دولة الإسلام لا من هيكل القبيلة.
ثانيا، اكتمل الافتراق وتبلور بعد فشل منظومة التقوى التي جعلتها السنّة شرط الإيمان، "إن أكرمكم عند الله أتقاكم"، فصار بذلك الإيمان جزءًا من التقوى. لكن هذا المبدأ الأساس قابله فعل إسلامي عملي بيّن أن أفضل عناصر الأمة حسب سلّم عمر هن زوجات الرسول وآل بيته (C. M.: La rupture épistémologique entre la religion et la spiritualité)، فكان المولود الجديد في هذا البيت يحصل على أعلى درجات العطاء لشرف نسبه (3000د سنويًّا)، في حين تم وضع بقية السلم على أساس الأسبقية في المشاركة في القتال. فكان بيت الرسول فوق كل قريش وقريش فوق كل المضرية والمضرية فوق كل العدنانية والعدنانية فوق كل القحطانية وكل هؤلاء العرب فوق الموالي (15د سنويًّا) وهؤلاء الموالي والعرب فوق كل العبيد  الذين لا يحصلون مطلقا على العطاء حتى لو آمنوا (0د سنويًّا). وقد جاء الفقه الإسلامي مستجيبا في أحكامه لهذه التراتبية التي فجرها مفترق صفين. ويبرر ابن حزم ذلك الإلغاء بحق العبيد في كتاب المحلى بقوله: "فإكرام العبد في تحريره وليس في تنفيله". فكان الفرق بحساب النسب من أعلى درجات العطاء إلى أسفلها 200 مرّة في "الراتب الشهري" وهو ما نعبّر عنه راهنا بالفارق في "المقدرة الشرائية" الذي يعكس الفرق في مستوى العيش، هذا دون احتساب الذين لم يُسجّلوا في ديوان العطاء أصلا لأنهم لم يحضروا في الأمصار بعد أن استنفرت المدينة القبائل ليتحول المقاتلة بعيالهم وزوجاتهم إلى مواطن الفتح في شكل زحف بشري يغامر فيه المشاركون بكامل كيانهم الأسري. ونذكّر فحسب بأن حجم هؤلاء الموالي والعبيد كان إلى حدّ النصف الثاني من القرن الأول يمثل عُشر سكان الأمصار...".
Conclusion du C. M: Les religions sont liberté quand elles se font, oppression quand elles sont faites

المصدر: مقال: "الفصل الثاني - دراما الفتنة ومفهوم صِفِّين - صِفِّين مفترق الإسلام الأكبر، د. عبد الحميد الفهري"، ص.ص. 43-67 في كتاب: "جدل الهوية والتاريخ - قراءات تونسية في مباحث الدكتور هشام جعيط، منشورات سوتيميديا، شركة دلتا للطباعة، الطبعة الأولى، تونس - جانفي 2018".

إمضائي
أجتهدُ فإذا أصبتُ فلي الأجرُ الموعودُ، وإذا أخطأتُ فلي بعضُه!
و"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران

تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الخميس 22 نوفمبر 2018.



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire