mercredi 14 novembre 2018

فكرةٌ مخالفةٌ للسائدِ: هل حقًّا إن المرأةَ العربيةَ المسلمةَ، ناقصةُ عقلٍ ودينٍ؟ مواطن العالَم د. محمد كشكار



تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 11 جانفي 2013.

حضرات القرّاء، أنا أحترمكم جدّا وقبل أن أنشر أي مقال أراعي معتقداتكم وأختار مفردات لا تصدم أذواقكم، رجاء عاملوني بمثل ما أعاملكم. أنا لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة والبراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى مقاربةٍ أخرى وعلى كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف اللفظي": جملة أمضي بها دوما، وعن وعي تام، مقالاتي الفيسبوكية. و"من اجتهد وأصاب فله أجران ومن اجتهد ولم يصب فله أجر واحد" (حديث).

سأتناول السؤال المطروح في العنوان من جانب تصورات المجتمع السائدة وغير العلمية وليس من الجانب الفقهي في الحديث المقصود: .سؤال غريب وإشكالية أغرب؟ وتزيد غرابة السؤال عندما يُطرح من قِبل شخص يؤمن إيمانا إنسانيا وعلميا بالمساواة التامة والكاملة بين المرأة والرجل في الحقوق وفي القانون وأمام القانون أيضا حتى ولو اختلفت بينهما الواجبات، والواجبات مختلفة بطبيعتها حتى بين الرجال أنفسهم. يبدو لي - والله وأهل الذكر من علمائه في الدين والدنيا أعلم مني بذلك - أن المرأة العربية المسلمة وفي وضعها الحالي المتردي والمتوارث عبر الأجيال هي كائنٌ ناقصٌ عقلاً ودينًا! نقصٌ مكتسبٌ، نقصٌ سببه الظروف الاجتماعية التي عاشتها المرأة وما زالت تعيشها وليس نقصا حتميًّا أو قدرًا إلاهيا أو نقصًا متأصلا فيها جينيا وبيولوجيا.

أنا درستُ، عرفتُ، واقتنعت أن الذكاء البشري، بغض النظر عن متغيّر الجنس، هو ذكاء موروث عن والدينا جينيا مائة بالمائة وفي نفس الوقت مُكتسب اجتماعيا مائة بالمائة أيضًا، وهذا هو موضوع أطروحتي لنيل شهادة الدكتورا في علوم التربية سنة 2007 من جامعة كلود برنار ليون 1 بفرنسا (UCBL1). يوجدُ اختلافٌ في حجم وَوزن المخ بين المرأة والرجل،  اختلافٌ ليس ناتجًا عن العامل الجنسي بل ناتجًا عن وزن الجسم، رجلاً كان أو امرأةً، فكلما ارتفع وزن الجسم زاد معه بالتوازي وزن المخ، فاختلاف وزن المخ بين الرجل والمرأة أو بين الرجل العملاق والرجل القزم لا يؤدي بالضرورة إلى تفوق الأول عن الثاني في الذكاء والإدراك، وإلا لَكان حوت العنبر العظيم أذكى المخلوقات ووزن مخه قد يبلغ عشرة كيلوغرامات، وفي المقابل لا يزن المخ البشري تقريبا إلا كيلوغراما واحدا وثلاث مائة غرام بما فيه مخ العالِم العبقري الألماني الأمريكي إينشتاين. يبدو أن اختلافَ وزن المخ بين المرأة والرجل لا يفسد للمساواة في الذكاء والحقوق قضية! وكما قال محمد خاتَم الأنبياء صلى عليه وسلم ورددها من بعده بعشرة قرون الفيلسوف الفرنسي ديكارت، أن العقل هو الشيء الثمين الموزّع بالعدل بين الناس. نحن، البشر، نرث بيولوجيا وجينيا مخا بشريا متطورا مقارنة مع باقي الحيوانات، لكن هذا المخ الموروث لا يبقى على حاله جامدا بل يتأثر بيولوجيا وفيزيولوجيا بتجاربنا اليومية ومحيطنا الاجتماعي. تترك هذه التجارب المكتسبة بصماتها البيولوجية على الوصلات العصبية لكنها بصماتٌ لا تُورَّث للأبناء (وعددها يصل تقريبا إلى مليون مليار وصلة عصبية تتركب وتتفكك حسب المعيش اليومي وتربط بين ما يقارب المائة مليار خلية عصبية المكوِّنة للمخ البشري). بكل أريحية علمية إذن، نستطيع أن نستنتج من هذه المُسَلّمَة العلمية أن مخ المرأة  بصفة عامة لا يمر بنفس التجارب اليومية (العمل داخل البيت وتقييد السفر والحد من الحرية في الخروج وانعدام المساواة مع الرجل في الحقوق وفي القانون وأمام القانون ونقص التعليم والتثقيف) التي يمر بها مخ الرجل (العمل خارج البيت والسفر والحرية في الخروج والمساواة وتوفر التعليم والتثقيف)، لذلك تختلف التركيبته الخلوية المجهرية لمخ المرأة عن مثيلتها في مخ الرجل، لكن مخّيهما لا يختلفان في تركيبتيهما الشكليتين الظاهرتين للعين المجرّدة. من حسن حظ المرأة عموما والمرأة العربية خصوصا أن البصمات البيولوجية المكتسبة على مستوى الوصلات العصبية في المخ البشري ليست وراثية، فعند كل ولادة بشرية جديدة، ذكرية أو أنثوية،  يعيد المخ البشري التجربة من جديد متأثرا بالجديد من المكتسبات الحضارية التي يستفيد منها للأسف الرجال  أكثر من النساء، لذلك نستطيع أن نجزم أنه لو افترضنا جدلا أن فردًا من العصر الفرعوني (سبعة آلاف سنة قبل ميلاد المسيح) خرج من قبره وعاش معنا اليوم لاكتسب نفس درجة الذكاء البشري في القرن الواحد والعشرين، لكننا في الوقت نفسه لا ننكر حسب نظرية التطور لداروين  أن المخ البشري تطور عبر العصور الجيولوجية حيث تكون الوحدة الزمنية المعتمدة، مليون سنة وليس ألف أو مائة.

أرجعُ إلى موضوعي الأصلي وأعيدُ طرحَ السؤال من جديد: هل المرأة العربية المسلمة، ناقصة عقل ودين؟  يبدو لي أن الجوابَ بِنعم أقربَ للواقع المَعيش، نعم ناقصة عقل ودين، لكنها في هذه الوضعية الهجينة ليست وحدها، فالرجال الذين عاشوا نفس ظروف المرأة الاجتماعية هم أيضا ناقصو عقل ودين. نستطيع أن نستنتج إذن من هذه المقاربة الشمولية المعقدة نسبيا أن أسباب النقص في العقل والدين ليست جنسية بحتة وليست بيولوجية جينية وراثية وإنما هو نقصٌ ظرفيٌّ 
(Conception située)
ناتجٌ عن أسباب مكتسبة أي غير وراثية وغير جينية وغير حتمية، وسوف تزول بِحول الله بِزوال العنصرية الجنسية والحيف الاجتماعي المسلّط منذ آلاف السنين من قِبل الرجل على المرأة، أو من البورجوازي على البروليتارية أو من المثقف على الأمية أو من الحاكم على المحكومة، لذلك سأحاول أن أجتهد شخصيا في تأويل حديث رسول الله "النساء ناقصات عقل ودين".  سأعتمد على المصطفَى وأجري على الله سبحانه وتعالَى، وأستمدّ عذري منه هو نفسه، علا شأنه، في قوله "من اجتهد وأصاب فله أجران ومن اجتهد ولم يصب فله أجر واحد"، وأنا قنوعٌ ويكفيني الأجر الواحد إن لم أوفَّق في نيل الثاني،  وليعلمْ أعداء الخطأ، حُجَجِي التالية: أولا، العلمُ مبنيٌّ على الخطأ والصواب ولا يتعلم الطفل المشي إلا من تعدُّدِ عثراته المؤلمة، وعلم الديداكتيك يقول أن الخطأ هو محرك القسم في التعليم، وأن أكبر العلماء القدماء الغربيين والمسلمين ارتكبوا أخطاء لا يرتكبها اليوم تلميذ في الإعدادي، وليعلموا ثانيا  أن الباحث العلمي، الذي يتبع منهجية ما ولا يصل إلى نتيجة إيجابية، له مزية على العلم لأنه جنّب زملاءه تضييع الوقت في اتباع نفس المنهجية، وليعلموا ثالثا - تجنُّبًا للمزايدة - أنني مواطن تونسي مسلم والقرآن قرآني والسنة سنتي وما خلقني ربي إلا لِيرعاني، ولا أظن أن الله الغفور الرحيم يعاقب مسلما مجتهدا صادق النية، وثقتي في رسولنا كبيرة بأنه لن يسحب شفاعته عني يوم القيامة لمجرد أنني أخطأت في تفسير آية أو أسأتُ، دون قصد مني، فَهْمَ حديثٍ  من أحاديثه الشريفة المقدسة. وألاحظ أولا وأسجل لكن بكل احتراز علمي وعلى حد معرفتي المتواضعة بالقرآن: أن هذا الوصف للمرأة بالتحديد لم ينزل في القرآن  مع أنني أعي جيدا أن ما أعرفه من علوم دينية لا يكفي للمجازفة بالاجتهاد في تأويل القرآن أو الحديث، وعذري الشرعي الوحيد هو الصدق في القول والإخلاص في العمل: ألاحظ أيضا أن الرسول أصاب - وهو كبشر منحه الله العصمة من الخطأ في تبليغ الوحي فقط لا غير - ووصفَ واقعَه التاريخي، في القرن الأول هجري الموافق للقرن السابع بعد المسيح، وصفًا دقيقًا، لكن وللأسف الشديد ما يزالُ هذا الوصف واقعيًّا إلى اليوم بعد 14 قرنٍ، لكن الرسول لم يقل أن هذا الواقع النسوي المتخلف هو حتمي وأبدي. لذلك يبدو لي أنه على علماء الدنيا واجب تجاوز هذا النقص بتمكين  المرأة من التعليم وتحرير عقلها، وعلى علماء الدين واجب إعادة فتح باب الاجتهاد من جديد لتجاوز النقص الديني المكتسب كَرْهًا من قِبل المرأة، وذلك بهدايتها إلى استكمال دينها والدعاء لها بالصلاح. ولو كان الرسول يرى أن هذا النقصَ متأصِّلٌ في المرأة، لَما دعانا إلى استكمال نصف ديننا عن عائشة أم المؤمنين. وقياسًا على التدرج القرآني الكريم الذي  لم يحرّم العبودية مرة واحدة بل شجع على تحرير العبيد، يبدو لي أن الرسول في حديثه المذكور أعلاه لا يؤسس لتأبيد وضع المرأة المتردي بل يصفه فقط، وأنا شبهُ متأكّدٍ أنه لا يعارض في الوقت نفسه طموح المرأة المسلمة إلى المساواة التامة والكاملة في العقل والدين مع الرجل المسلم.

أرجو من أصدقائي اليساريين وقرائي الكرام أن لا يصنّفوني بسرعة وتسرّع ضمن أعداء المرأة أو ضمن خصومها أو حتى الكارهين لها. أنا أحب المرأة، أعشقها، أحترمها، أجِلّها، و أقدّرها، ولم ولن أنسى فضلَ أمي عليَّ، فضلٌ تَجسّم في حنانها وتربيتي ورعايتي بعد وفاة أبي وأنا طفل في سن الخامسة عشر. وأعترفُ بوجود نساء في حياتي، هنّ أكمل مني عقلا، و أخص بعضهن بالذكر والتبجيل والاحترام مثل  الأستاذات اللواتي تتلمذتُ على أيديهن في الجامعة والثانوي، تونسيات وفرنسيات، والزميلات التونسيات اللواتي عاشرتهن أخيرا في النادي الثقافي النقابي، نادي جدل بالاتحاد الجهوي للشغل ببن عروس، مثل الشاعرة العظيمة فاطمة بن فضيلة والدكتورة في الشريعة وأصول الدين حياة اليعقوبي.

أسس حزب العمال التونسي منظمة نسوية في داخله. أتساءل هنا: لو لم تكن وضعية المرأة التونسية الحالية متردية وناقصة، لَما خصها هذا الحزب اليساري بمنظمة ترعى شؤونها وتسهر على تدارك النقص المكتسب في عقلها مقارنة بالرجل، ويا ليته فعل نفس الشيء، ومن أجل نفس الهدف، مع الرجل التونسي اليساري أيضًا، باستثناء اليساريات المتعلمات المثقفات بطبيعة الحال، وهؤلاء الأخيراتُ قد يشاركن في تثقيف زميلاتهن في الحزب ويُثْبتن لهنّ أن نقصَ العقل النسوي ليس حتميةً ولا قدرًا بل هو شيء مكتسب يسهل إزالته لو تحققت المساواة الكاملة والتامة بين الرجل والمرأة في الحقوق وفي القانون وأمام القانون أيضًا، مع الإقرار بالاختلاف البيولوجي الطبيعي واحترام الاختلاف في الواجبات مع الإشارة الهامة أن الاختلاف البيولوجي الموروث موجود أيضا بين الرجل والرجل وبين المرأة والمرأة ويجب أن لا يؤدي هذا الاختلاف البيولوجي بالضرورة إلى عدم المساواة في الحقوق أو عدم المساواة في اكتساب الذكاء واستكمال العقل والدين. من وجهة نظر غير مختص في علوم الاجتماع ولا في علوم الدين، يبدو لي أن المساواة التامة بين المرأة والرجل لا تتنافى، لا مع العلم ولا مع الدين الإسلامي. ملاحظة عابرة، أوردها وأمضي دون تعليق والمسكوت عنه أبلغ: ألاحظ تواجدًا مكثفًا للعنصر النسائي في قيادات حزب حركة النهضة ذي المرجعية الإسلامية (عشرات العضوات في المجلس التأسيسي)، وفي المقابل ألاحظ نقصًا واضحًا وفادحًا في عدد النساء في قيادات الأحزاب اليسارية الكبرى الثلاثة ذات المرجعية الماركسية اللينينية الستالينية (حزب العمال وحزب الوطد الموحَّد وحزب الوطد الثوري)، مع الإشارة إلى أن النهضة لم تؤسس لقيادياتها منظمة نسوية خاصة بهن داخل الحزب.

خاتمة: لا تُولدُ المرأةُ المسلمةُ ناقصةُ عقلٍ ودينٍ، بل تُصبحُ كذلك في مجتمعٍ إسلاميٍّ عنصريٍّ ضد الجنسِ اللطيفِ.

Conclusion : « On ne naît pas femme  (soumise), on le devient (dans une société misogyne)» Simone De Beauvoir

إمضائي
أجتهدُ فإذا أصبتُ فلي الأجرُ الموعودُ، وإذا أخطأتُ فلي بعضُه!

و"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire