لم تضربني ولو مرة واحدة في حياتها. لم تنهرني ولم تصح
يوما في وجهي. لم تلمني على ما فعلت في مراهقتي ولم تشكرني على ما أدّيت من واجب
نحوها. لم تقل لي بتاتا أحبك ولكني كنت على يقين - وربما يكون اليقين الأرضي الوحيد
في حياتي - أنها تحبني حبا لا يوصف.
كنا أربعة في الدار عندما مات أبي سنة 1967, أخت كبرى ضريرة
وثلاثة أولاد, اثنين في الثانوي وواحد في الابتدائي. عائلة دون عائل. لم تيأس ولم
تمرّر لنا يوما بؤسها ومعاناتها. واصلنا تعليمنا وكأن شيئا لم يحدث. كانت تقوم
بشؤون البيت والغابة وتشتغل في نسيج "الحولي".
لا أذكر يوما خاصمت فيه أحدًا من أجلنا أو شتمت جارًا أو
جارةً. لم تعلّمني أي شيء وعلمتني كل شيء. أحببتها في حياتها إلى درجة العشق
وتقاسمت معها منحتي الدراسية عندما كنت طالبًا وتكفلتُ بها نهائيا عند التخرّج. عند
التعيين اصطحبتُها معي إلى جزيرة جربة للعيش بجانبي. لم تطق الإنبتات من قريتها جمنة
فاحترمتُ رغبتها. أضفتُ لها في ّحوشْنا" حجرةً محترمةً وأدخلتُ الماء والضوء
من أجل عيونها.
لا تكتب حرفًا ولا تقرأ كلمةً ومن تُربّي أجيالا لا يليق
أن يُطلق عليها صفة أمّية. لم تتأثر لا من بعيد ولا من قريب بالثقافة الأجنبية فهي
تعبير عميق عن ثقافة عربية تونسية إسلامية وطنية خالصة. لم تكن أمي حالةً فريدةً
في ذلك الزمن ومثيلاتها في جمنة بالمئات وفي تونس والعالَم بالملايين.
جمنة: مدينة-
قرية جميلة تقع في الجنوب الغربي التونسي.
الحولي:
نوع من الكساء الرجالي الصوفي الخارجي الأبيض (يشبه البرنس عندنا), يُصنع في
الجنوب التونسي ويُصدّر إلى ليبيا.
التاريخ: 2 جانفي 2010.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire