تأخر المسلمين، هل يمكن
تجاوزه؟ بقلم هشام جعيط. نقل دون تعليق مواطن العالَم د. محمد كشكار
كتاب هشام جعيط "أوروبا و الإسلام"، دار الطليعة
بيروت، الطبعة الثالثة 2007، 128 صفحة.
نص هشام جعيط، ص 108:
و ما لم يلحظه المسلمون من
بين باقي الشعوب هو أن أوروبا، في الواقع، لم تتخل عن روحانيتها، لكنها أزاحتها
جانبا، و إن ماديتها الحقيقية تستمد جذورها من مغامرة في الفكر. تركت أوروبا
دينها، و كل دين، و لكنها لم تنغمس في البطالة و الجنون و الكبائر بل بَنَت و طورت
العلم كصَلاتها الجديدة بتقشف و إنكار للذات. لم يكن العالِم زنديقا بل بطل فكري،
مساوِِ للقديس، كما القديس هو بطل روحي.
ص 110:
... و لكن الحضارة التي كانت
علنا لصالح الإنسان وجدت حدودها في الإنسان نفسه. من هنا نرى الضرورة الملحة للفصل
بين الرسالة و الأفق و الأمنية، و بين الواقع الحقيقي في الحضارة الأوروبية. هذه
الهوة تغذي مأساة الغرب بقدر ما تعبّر عن عظمته.
ص 112:
... و في الالتقاء الناجح
لمفهوم المطلق مع مفهوم الإنسان تكمن قيمة الثقافة الغربية.
ص 114:
... مقابل ذلك نعرف ما في كل
ثقافة عالية من باطنية. و مهما حاولت أن تكون عقلانية، فإنها تبقى أسيرة خطها
الروحاني، و تقليدها الخاص، و كذلك أسيرة أعمق خلجات النفس الجماعية.
ص 115:
إن سقوط الفلسفة في
الإيديولوجية، و وقوع العلم في التقنية، جعل الرابط المعقد بين نظامين متعارضين
يتجاوز مجال الثقافة و يعكس انحدار حضارة نجحت - لاإراديا - في تركيب ازدواجية
الكائن: نزعة ثقافية و نَهَم. إذا انطفأت النزعة الثقافية لن يبقى سوى النهم، ذلك
الرفيق القاتم للغرب، و عذابه و مرضه.
ص 123: بمثابة خاتمة
إن الإشكالية القديمة إسلام -
غرب قد ولى عهدها لأنه لم يعد هناك إسلام موحد، و لأن الغرب أصبح مزيجا مركبا. كما
أن حداثة اليوم لا تحمل معنى حداثة الأمس. عندما كان الغرب يهيمن مباشرة، كان يطرح
الإسلام كوحدة لأنه كان خارج التاريخ، و بالطريقة عينها نجح في تركيب دينه و
ثقافته و حضارته و حداثته التكنولوجية، و هذا ما لم يعد يفعله أبدا و لا يمكنه أن
يفعله.
... نكتشف الآن أن الثقافة
الغربية بمختلف وجوهها في حالة تفتت، و أن الحضارة أو الحضارات الغربية الصادقة هي
في طريق التجزؤ، و أن الوحش الذي التهمها لا ينتج إلا ثقافة دنيا و حضارة دنيا.
ص 125:
... إن الغرب لم يرغم العالَم
على محاربته بأسلحته ذاتها فحسب، بل إنه يقترح و يفرض نزعته التنموية المجنونة
التي يختنق منها اليوم. المقصود طبعا شيئا من الاعتباطي، و المحتمل، و الحادث
التاريخي الذي لا يمكننا التفلت منه.
... ذات صباح، غش الغرب
زملاءه في الطابور و بدأ بالركض منهكا نفسه و الآخرين. و لكن في هذا السباق
الرياضي نوعا ما، شاءت قاعدة اللعب الشاذة أن الذي ينفصل يخنق منافسه، و يسحق
المتأخرين. إن تأخر الآخرين ليس سوى الوجه الآخر للسباق المضطرب لغرب اختار هو
نفسه الوتيرة و الملعب و الهدف.
لأن "التأخر"
موجود، و لأن الحداثة تحوي إلى جانب الاغتراب حسنات كثيرة، فإن من الضروري
المتابعة حتى الوصول. و لأن هذا التأخر لا يمكن تجاوزه، فمن المهم الاحتفاظ بخطوط
أخرى للقيم: هوية و ثقافة و حضارة. إن الإسلام لا يمكنه مضاهاة الغرب في قدرته
التكنولوجية، و في علمه و قوته. و لن نقول حينئذ: ليتخلَّ الإسلام عن السباق، بل
نقول لا يضيعن نفسه فيه. ليحفظ، و يحرث و يصقل حصته الكبيرة مما هو إنساني. إن
التألم الداخلي للغرب يتأتى من كون حداثته قد التهمت ثقافته. لكن الصحيح أيضا
أن الهند تعاني من الجوع، لا من نقص في الروحانية و لا من زيادة فيها... إن الصراع
بين الثقافة و الحداثة في الغرب حيث طُرد الله، استُلِب الإنسان. اليابان التي
حاولت طويلا الحفاظ على حصتها من الكينونة الأكثر حميمية، تشهد اليوم ثقافتها و هي
تُستباح و تَضطرب... في الدائرة التي نضع أنفسنا فيها، ما ينفصل ليس المواجهة بين
الحضارات، بل بين كل حضارة على حدة مع الحداثة. و إذا كان هناك تضامن ما، ممكن أن
يشكل توجها عالميا حقا، فهو تضامن الثقافات، و من ضمنها ثقافة الغرب، ضد الذي
ينفيها كلها: حداثة غير منضبطة. ضمن هذا الإطار سيستطيع الإسلام مواصلة رسالته
السامية (انتهى الكتاب ص 126).
تاريخ أول إعادة نشر في مدونتي و في صفحاتي الفيسبوكية
الثلاث و في مواقع صديقة على النت
حمام الشط في 30 جانفي 2013
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire