محاضرة لـ"أنتون
قراو" بعنوان "التفقد البيداغوجي في مختلف الأنظمة التربوية في
العالم". ترجمة مواطن العالم د. محمد كشكار
Conférence d’Anton DE GRAUWE,
spécialiste des programmes, Institut International de la planification de l’éducation,
UNESCO.
Titre de la
conférence : L’inspection dans différents systèmes éducatifs à travers le
monde.
تمهيد
إن استشارة متفقدي وزارة
التربية في الندوة الوطنية حول منهجية إصلاح المنظومة التربوية تونس من 29 إلى 31
مارس 2012، ليست هي الحل كما توهم بعض البيروقراطيين غير الملمّين بالأزمة
التربوية في تونس، أو كما أمِلَ بعض السياسيين الجدد. و إنما وجود مؤسسة التفقد
البيداغوجي في حد ذاتها هي العلامة التي لا تخطئ على الأزمة، على حدة الأزمة.
التفقد البيداغوجي ليس العلاج أو الدواء و إنما هو أعراض المرض
سأحاول أن أترجم إليكم بكل أمانة علمية - رغم مقدرتي المتواضعة في الترجمة - مضمون
المحاضرة التي وجدتها على الأنترنات حول التفقد البيداغوجي في
العالم بعنوان "
التفقد في مختلف الأنظمة التربوية في العالم"، تقديم "أنتون دو قراو"، اختصاصي برامج، المعهد
العالمي للتخطيط التربوي، اليونسكو و من يفضّل سماع المحاضرة مباشرة باللغة
الفرنسية سوف يجد في آخر المقال "رابطها" و عندئذ يستطيع الاستغناء عن
قراءة هذا المقال باللغة عربية
ملاحظة
تجدون إضافاتي القصيرة جدا دائما بين قوسين حتى لا يختلط
عليكم الأمر خاصة و أن المحاضر من الوزن الثقيل علميا رغم رشاقته جسميا
كلمة صغيرة لكن لطيفة و حازمة
و معبّرة و عبرة في الوقت نفسه لمن يعتبر من أولي الأمر و الألباب
التربويين
أوجّهها خصيصا إلى متفقدي الذي
هدّدني هاتفيا - في منزلي و في عطلتي و حرمني من الإحساس بالأمان لا بالأمن - بتقديم
شكوى ضدي إلى التفقدية التونسية العامة للتعليم الثانوي محاولا شلّ عزيمتي و حرماني
من حقي الشرعي و القانوني في حرية التعبير. و على كل مقال سيئ أرد بمقال علمي جيد
لا بالعنف اللفظي و التهديد، أردّ على التهديد اللفظي بمزيد من النشر، نشر
البراهين العلمية التي تعزز وجهة نظري النقدية العميقة لنظام التفقد في العالم و لنظام
التفقد في تونس بصيغته الحالية في 2011 دون المساس بالحرمة الأدبية و الشخصية لمتفقدينا
التونسيين الأكفاء الذين أكنّ لهم كل التقدير و التبجيل و لا أحمّلهم وحدهم مسؤولية
تخلّف نظام التفقد في تونس و أعتبرهم بمثابة أساتذتنا المحترمين بعد أساتذة
الجامعة و السلام على من اتبع الهدي، هدى العلم و المعرفة، هدى حرية التعبير دون
قيد أو شرط، هدي الابستومولوجيا. شكرا للتكنولوجيات الحديثة و شكرا للأنترنات و خاصة
الفايسبوك الذي منحني مجانا هذه المساحة الرحبة من حرية التعبير و النشر و جعلني أستغني
باستعلاء و تكبّر عن خدمات جرائدنا التونسية التي رفضت نشر مقالاتي المتنوعة و
المتعددة في نقد النظام التربوي التونسي بجميع جهاته الفاعلة من صانعي البرامج إلى
المتفقدين إلى الإدارة إلى الأساتذة و التلامذة و الأولياء و البنك العالمي و
صندوق النقد الدولي. أذكّر من نسي أن التهديد لم يثنني عن مواصلة مشواري و الإصداع
بالـ"حقيقة العلمية النسبية" و أنا في سن الثلاثينات من عمري فكيف
سيثنيني اليوم و قد اشتدّ عودي و غزا الشيب مفرقي و لم أعد أنتظر من وزارتنا
الموقرة عددا بيداغوجيا و لا إداريا و لا ترقية، أنتظر منها فقط أن تعطني حريتي و
تطلق قلمي لوجه الله في سن الستين حتى أتفرغ لمهمتي الأساسية في الحياة و هي
النقد، نقد كل فكر غير علمي في تونسنا الجميلة و أتخلص من تسلط بعض المتسلطين.
النقد مؤسسة مستقلة و قائمة بذاتها و لا يُنقص من قيمتها العلمية عدم تقديمها للبديل
مخطط المحاضرة
1.
المقدمة
2. نموذج التفقد الكلاسيكي (مطبّق في تونس
3. نموذج التفقد المركزي
4. نموذج التفقد الذي يعتمد طريقة الدعم عن
قرب
5.
النموذج الخالي من التفقد البيداغوجي
و المراقبة الإدارية
1. المقدمة
تعتمد جل البلدان على جهاز التفقد
البيداغوجي في نظامها التربوي إلا قلة منها استغنت تماما عن هذا النوع من التفقد و
هذا لا يعني أنه لا توجد فيها مراقبة من نوع آخر
تتناقض مهمة التفقد الطموحة
مع الإمكانات المتواضعة
ما هي المهام الأساسية للتفقد؟
-
أداة مراقبة بيداغوجية و إدارية في الوقت نفسه. يركّز
المتفقدون على المهمة الثانية أكثر من الأولى
-
أداة دعم، لذلك يسمى في بعض
البلدان مشرف أو مرشد بيداغوجي (في الجزائر يسمى مفتش
-
تحميل المدرسين مسؤولية نتائج تلامذتهم رغم أن للعائلة و المدرسة كمؤسسة
دور في هذه النتائج
-
تحسين مستوى التربية بصفة
عامة
-
توحيد
الثقافة الوطنية: نفس المقاربة البيداغوجية و نفس البرنامج و نفس المواد في جميع
أنحاء القطر
-
أداة
ربط: يبلّغ المتفقد أوامر الوزارة إلى المدرسين و يرفع تقاريره البيداغوجية إلى
الوزارة
ما هي إشكالية التفقد؟
من يتفقد؟: هل يتفقد
المدرس؟ هل يتفقد المدرسة؟ هل يتفقد النظام التربوي؟
ما هي بدائل المتفقد الكلاسيكي
المتاحة؟
-
الجهات
الفاعلة و المخولة لتفقد المهنيين أو المحترفين هم المحترفون أنفسهم، خذ مثلا الأطباء، هم مراقبون من عمادة الأطباء نفسها
-
المدرسون
الأكفاء يستطيعون تفقد زملائهم
-
في
إفريقيا الجنوبية: يتكون فريق التفقد من ممثل للإدارة و ممثل لنقابة المدرسين و
مدرّس يعيّنه المدرّس المعني بالتفقد. بهذا الصنيع الديمقراطي يكتسب التفقد
مصداقية، قد يفتقدها المتفقد الكلاسيكي
-
قد
يُراقَب المدرسون من قبل المستفيدين أو الزبائن أو المستعملين مثل الأولياء و
التلامذة. في بعض البلدان النامية حيث تضعف أو تغيب الدولة، تخلق المدرسة شبكة
حولها، متكونة من تجمّع الأولياء. يموّل الأولياء
المؤسسات العمومية من الضرائب التي يدفعونها سنويا و الدولة تعيش من هذه الضرائب.
و من يموّل المدرسة يستطيع ممارسة حق المراقبة و التوجيه على المدرسين، يراقب
تغيبهم مثلا أو يحاسب المدرسة على النتائج. و في هذه الحالة، يختار الولي المدرسة
حسب نتائجها و هذه سوق رائجة في فرنسا مع كل انعكاساتها الضارّة
فيما تتمثل مِهَنِية
المدرس؟
المدرسون مهنيون
بطبيعتهم. ليس الهدف من التعليم هو البحث عن الرزق بل التعليم هو رسالة في حد ذاتها.
يبدو أن للمدرسين الأكفاء الحق في شيء من الاستقلالية في مراقبة عملهم لكن من
الضروري إجراء مراقبة خارجية لتقييم كفاءتهم
من يقيّم من؟
-
التقييمات
العالمية مثل تقييم "بيزا" التي تكشف نقاط الضعف في النظام التربوي بمقارنته
بأنظمة عالمية متفوقة
-
التقييم
الذاتي و هو مشروع المدرسة مع العلم أنه ليس من السهل طرح نفسك موضوعا للنقاش و
النقد و المساءلة. قد يخلق هذا النوع من التقييم صراعات بين المدرسين و قد يثبط
عزائم العض منهم
-
من
الأفضل الجمع بين الأدوات الثلاثة للتقييم و هي تقييم المتفقد و التقييم الذاتي و
التقييمات العالمية. لا يجب الاستئناس بطرف واحد فقط، مثل المتفقد الكلاسيكي، لأنه
قد لا يأخذ في الاعتبار عمل أو مشروع المدرسين أنفسهم و لا يهتم بالتقييمات
العالمية. بهذا الصنيع الأحادي، يفقد الطرفان الآخران شرعيتهما و مصداقيتهما
سأعرض عليكم أربع نماذج
نمطية مثالية من التفقد في العالم حتى تقارنوا بينها
2. نموذج التفقد الكلاسيكي
-
يُعدّ
النموذج الأكثر شعبية في فرنسا و الدول الفرنكوفونية و الأنغلوفونية مثل فيتنام و السنغال
و تنزانيا و المكسيك و تونس و المغرب و الجزائر و موريتانيا و لبنان
-
المدرس
هو متعاقد مع الوزارة، من حقها إذن مراقبته عن طريق المتفقد
-
تعتمد
الوزارة في مراقبتها للمدرسين على تقرير المتفقد و على نتائج التلامذة
-
لا تعير الوزارة اهتماما كبيرا للتقييم الذاتي في
المدرسة و يبقى المتفقد يمثل لديها الأداة الأساسية للمراقبة
-
يتمتع
سلك التفقد بنوع من الاستقلالية عن الإدارات الأخرى في الوزارة
-
يتمتع
مدير المؤسسة التربوية بحق تفقد المدرس
ما هي نقاط القوة في
نموذج التفقد الكلاسيكي؟
-
يُغطّي
التفقد جميع مدارس البلاد فهو موحّد ثقافي للشعب و ناشر للثقافة الوطنية في كل
أرجاء الوطن
-
يوفر
التفقد دعما للمدرّسين و يفرض عليهم مراقبة
ما هي نقاط الضعف في نموذج
التفقد الكلاسيكي؟
-
بيروقراطية مُكلفة لأن التفقد يشمل كل المدارس (قال مدير
إعدادية نلسن مانديلا في فنلندا عندما سُئل: لماذا تكون تكلفة التلميذ الفنلندي أقل
من تكلفة التلميذ الفرنسي رغم أنكم لا تأخذون مقابلا للتسجيل و الدراسة و توفرون
وجبة غذائية مجانية بالمدرسة و تتكفلون بمصاريف نقل التلاميذ من البيت إلى
المدرسة؟ أجاب: لأننا ألغينا سلك التفقد و الميزانية المخصصة له
-
بيروقراطية
ثقيلة لأن عدد المتفقدين لا يكفي فتكون زياراتهم للمدرّسين متباعدة زمنيا
-
تنسيق
معقد بين الولايات و المعتمديات و بين المتفقدين أنفسهم و بين المدرسين المستفيدين
من عملية التفقد
-
تناقض
بين المهمة الكبيرة و الواعدة للتفقد و بين الإمكانات المحدودة و المتواضعة
المتوفرة خاصة في البلدان النامية حيث توسّع التعليم و لم تتبعه نهضة اقتصادية
(مثل ما يقع في تونس 2011). ينتج عن هذه الزيادة السريعة في عدد المدرسين، نقص في
عدد المتفقدين المخصصين لتفقدهم. لذلك يستوجب هذا الوضع التربوي الجديد مراجعات و إصلاحات
جذرية
-
صراع حول الأدوار: صراع بين دور المتفقد كمراقب
إداري و دوره كمرشد بيداغوجي جاء ليدعم
المدرس في أداء عمله مما يجعل النجاح في المهمتين صعب جدا أو شبه مستحيل. لو تقمّص
المتفقد دور المراقب فالأستاذ لن يثق فيه و لن يتكلم عن المصاعب الحقيقية التي
تعترضه يوميا و لن يبوح له بنقاط ضعفه خوفا من تقييمه و محاسبته. لو تقمّص المتفقد
دور المرشد البيداغوجي فهو في هذه الحالة لن يقوم بدور المراقب للمدرس إذن، لذلك يكون من
الأفضل أن يتخلى المتفقد عن دور الدعم و يلتفت لدور الدعم أو دور المراقبة فقط. في
هذه الحالة الأخيرة، يجب أن لا تحتكر الإدارة دور مراقبة نفسها بنفسها لذلك وجب
خلق جهاز مراقبة مستقل نوعا ما عن الإدارة و هذا سيحيلنا على النموذج الثاني و هو
نموذج التفقد المركزي
3. نموذج التفقد المركزي
-
يطبق
هذا النموذج حاليا في انقلترا و بلاد الغال و البلدان الأنقلوسكسونية و زيلندا
الجديدة و أستراليا
-
يتكون
فريق التفقد من 12 متفقد. تُراقب المدرسة كل ثلاث سنوات. يتفقد فريق التفقد
التجهيزات و طرق التعليم و النتائج و غيرها و يبعثون بتقريرهم إلى الوزارة و
ينشرونه على الأنترنات دون ذكر أسماء المدرسين
المعنيين (كما فعلت أنا عندما قمت بنقد سلوكيات بعض المتفقدين - الذين زاروني خلال حياتي
المهنية الطويلة، 37 سن - على صفحات الفايسبوك و هم أصبحوا جزءا من حياتي كأدوار و
ليس كأشخاص لذلك يجوز لي ذكرهم و نقدهم ما لم أتعرض لحياتهم خارج حياتي المهنية و هذه
الأخيرة هي ملك لي وحدي و لي حق التصرف
فيها بكل حرية دون إسفاف أو ثلب المتدخلين الأجانب فيها). يرتب على النات فريق
التفقد المدارس حسب نتائجها. قد يخلق هذا التمشي منافسة بين المدارس مما قد ينجرّ
عنه تحسين النظام التربوي في بعض المدارس المتفوقة نسبيا أو ينتج عنه غلق بعض
المدارس الفاشلة لأن الأولياء سيختارون المدرسة الأكثر تفوقا
-
ما
دام الأولياء هم الذين يموّلون المؤسسات العمومية فمن حقهم معرفة مصير تمويلاتهم
-
يُطلَب
من المدرسة تقديم تقييم ذاتي قبل مجيء التفقد بشهرين لذلك تقوم المدرسة المقصودة
بـ"بروفة" تقيّم فيها نقاط قوتها لعرضها و إبرازها و نقاط ضعفها
لتحسينها
-
بعد
نشر التقرير على الأنترنات، قد تكتسب المدرسة المتفوقة سمعة طيبة لدى الأولياء و يزداد
مدرسوها ثقة بالنفس، أما المدارس الأقل تفوقا، فهي مطالبة بإعداد خطة للدعم
و العلاج حسب توجيهات فريق التفقد: مثلا لو كانت المدرسة المعنية تشتكي من مشكل
العلاقات مع الأولياء قبل التفقد لكن فريق التفقد اكتشف فيها خللا في تدريس
الرياضيات فعليها إذن الإسراع بإصلاح خلل الرياضيات قبل مشكل الأولياء تماشيا مع
توصيات فريق التفقد الموافقة لتعليمات الوزارة
-
يتمتع
سلك التفقد ببعض الاستقلالية في إصدار قراراته
-
يحتكر
الجهاز المركزي للتفقد مهمة التفقد في الوطن فلا وجود إذن لمتفقدين على المستوى
الجهوي و لا المحلي
-
تتمتع
المدارس بنوع من التسيير الذاتي مع ميزانية خاصة لتمويل مشاريعها التكوينية
لإطاراتها الخاصة كتكليف جامعة أو شركة تكوين خاصة للقيام بهذه المهمة
ما هي نقاط القوة في
نموذج التفقد المركزي؟
-
توزيع
المهام الواضح: تقتصر مهمة فريق التفقد على المراقبة فقط و يترك مهمة الدعم و
العلاج للمدرسة نفسها. لا يوجد تناقض أو صراع بين دور الدعم البيداغوجي (لأنه ملغى
قصدا) و دور المراقبة الإدارية. و لو
اجتمع الدوران في شخص واحد، قد يفقدا نجاعتهما مثل ما هو جاري به العمل في النموذج
الكلاسيكي الأول المطبق في فرنسا (و في تونس أيضا
-
التخفيف
من ثقل البيروقراطية: يمتاز هذا النموذج بأقل عدد من المتفقدين على المستوي الجهوي
و المحلي لأن فريق التفقد مجمّع في وحدة مركزية تراقب كل مدارس القطر
-
يحمّل
هذا النموذج كل مدرسة مسؤولية إيجاد حلول ملائمة لمشاكلها
ما هي نقاط الضعف في
نموذج التفقد المركزي؟
-
تعاني
المدارس الضعيفة من غياب الدعم المقدم لها: مثلا مدرسة لا تتمتع بمساندة الأولياء
لأنهم مهاجرون جدد مثلا و لا يعرفون اللغة أو مدرسوها يرغبون في مغادرتها لضعف
نتائجها لذلك يصعب على هذه المدرسة اختيار و تطبيق الحلول الناجعة لتخطي أزمتها و
تحسين النظام التربوي داخلها. تحتاج إذن هذه المدرسة لدعم خارجي يقود خطاها لشط
السلام. أضف إلى هذه المشاكل ما يترتب عن الرتبة السيئة التي تحصلت عليها المدرسة
بعد التفقد فهي قد تُخفض ميزانيتها لضعف مساندة محيطها و قد تهجرها الأدمغة
التلمذية بحثا عن مدارس أفضل
-
ينتج
عن هذا النموذج من التفقد المركزي كثيرا من التوتر المسلط على المدرسة و على
مديرها. يأتي هذا التوتر من الشعور بالنقص و
من الوعي بانعدام الإمكانات للخروج من المأزق في بعض المدارس المحرومة
-
قد
يساهم هذا النموذج من التفقد المركزي بصفة سلبية في تحديد مستقبل المدارس الضعيفة
مما قد يخلق فروقا كبيرة بين المدارس المتفوقة و الأقل تفوقا. قد يخدم هذا النموذج
المدارس المتفوقة على حساب المدارس الضعيفة: يجلب للأولى عددا وافرا من التلامذة
المتفوقين مما يجعلها في وضعية مريحة جدا تمكّنها من اختيار الأفضل و تحصل على
تلامذة متجانسين مما قد يحسّن نتائجها بصفة سريعة و ملحوظة. و في المقابل، تتفاقم
مشاكل المدارس الضعيفة و تتراكم لأن هذا النموذج من التفقد المركزي يكشف لها
عيوبها و لا يساعدها على تخطّيها
4. نموذج التفقد الذي يعتمد طريقة الدعم عن
قرب
-
يُطبق
في الشيلي بعد رحيل "بينوشيه" لأن الدولة الجديدة تبحث عن شرعية في
الحكم من خلال اعتماد خطة لإلغاء الفوارق
الجهوية في التنمية. و يُطبق أيضا في بعض مقاطعات سويسرا و في بعض البلدان النامية
كـ"سيرلنكا" مثلا من قبل بعض المنظمات غير الحكومية
-
ينتقد هذا النموذجُ النموذجَ الأول و الثاني: كل
مدرسة تمثل حالة فريدة من نوعها و على نظام التفقد عن قرب أن لا يعامل كل المدارس
بنفس الكيفية مثلما هو جاري به العمل في نموذجَي التفقد الكلاسيكي و التفقد
المركزي
-
يعتمد
هذا النموذج على المراقبة عن بعد و الدعم و العلاج عن قرب. يترك المدارس المتفوقة
نسبيا تتصرف بحرية و استقلالية و تسيير ذاتي. يهتم هذا النموذج خاصة بالمدارس
الأكثر ضعفا التي تعاني من مشاكل و تحتاج إلى دعم
-
اختار
نظام التفقد في الشيلي 900 مدرسة ضعيفة – حسب نتائجها - من بين 9000 مدرسة
الموجودة في البلاد و قرر مساعدتها و دعمها للنهوض برسالتها التربوية على أحسن وجه
ممكن
-
لم
يَعُد يسمى القائم بمهمة التفقد متفقدا بل يسمى "مشرفا تقنيا بيداغوجيا
-
يتكفل
كل مشرف بمدرستين أو ثلاث مدارس فقط. لا يقتصر دوره على المراقبة فقط مثل متفقد النموذج
المركزي بل يقوم بالعمل مع إطارات المدرسة في ورشات على مدى ثلاث سنوات لتحسين
النظام التربوي داخلها. مهمة المشرف ليست بسيطة بل معقدة و هي توفر حلولا أكثر من
أن تخلق مشاكل. يقوم المشرف بدوره كممثل للإدارة المركزية و في الوقت نفسه كمرافق
للمدرسين يشرّكهم في تحمّل المسؤولية التربوية و يحثهم على الاجتهاد لإيجاد حلول من
صنعهم تكون ملائمة لهم و لمدرستهم. يتكون فريق العمل من المشرف و المدرسين و
المدير و هذا الأخير يرأس الفريق و له الحق في تفقد المدرسين العاملين في مدرسته
-
يتكون
سلك التفقد في الشيلي من نواة مركزية قليلة العدد، متركبة من خمسة أو ستة مشرفين
تقنيين بيداغوجيين يحددون سياسة نظام التفقد و جهاز جهوي يتكفل بتكوين المشرفين
التقنيين البيداغوجيين المحليين و جهاز قريب من المدارس أين يوجد العدد الأكبر من
المشرفين التقنيين البيداغوجيين.
-
قلل
النظام التربوي في الشيلي من عدد المدارس المحتاجة حتى يستطيع توفير مشرف تقني
بيداغوجي عن قرب لكل مدرستين أو ثلاثة مدارس ضعيفة
-
لا
يهتم المشرف التقني البيداغوجي بالمسائل المالية الخاصة بالمدرسة حتى يتفرغ لمهمة
الدعم و العلاج
ما هي نقاط القوة في
نموذج التفقد الذي يعتمد طريقة الدعم عن قرب؟
-
نظام
تفقد هرمي حيث يوجد عدد قليل من المشرفين التقنيين البيداغوجيين في القمة و العدد
الأكبر من المشرفين يتواجد في القاعدة قرب المدارس يعني في المكان المناسب الذي
نحتاجهم فيه. بيروقراطية قليلة و رجال ميدان كثر
-
طاقم
عمل قادر على تقديم خدمة مرنة للمدرسة و المجتمع، يركّز على المدارس الأكثر ضعفا من
غيرها
-
تخلّص
هذا النموذج من التفقد من عبء التفقد الإداري و ركز على الدعم و العلاج عن قرب للمدارس
الضعيفة
ما هي نقاط الضعف في
نموذج التفقد الذي يعتمد طريقة الدعم عن قرب؟
-
لا
يشمل هذا النموذج كل المدارس في البلاد
-
عند
تطبيق هذا النموذج، تتحسن المدرسة ببطء شديد
-
يتطلب
هذا النموذج قاعدة بيانات رقمية مفصلة جدا قد لا تكون متوفرة في البلدان النامية
-
يتطلب
تغييرا جذريا في ثقافة التفقد: لا نطلب من المتفقد تغيير مقاربته الذاتية فرديا
لأنه خاضع إلى جهاز تفقد يعتمد على المقاربة القديمة التي تنظر بنفس العين إلى كل المدارس و كأنها متساوية و
هي في الواقع متفاوتة حتى في بلدان النموذج الكلاسيكي و المركزي المتقدمة كفرنسا
أو النامية (كتونس و المغرب و الجزائر و موريتانيا و لبنان
-
من حسن حظ الشيلي أين يُطبق هذا النموذج أن عدد مدارسها
الضعيفة قليل نسبيا لذلك قد يصعب تطبيق هذا النموذج في جل البلدان النامية حيث
تحتاج 90 في المائة من مدارسها للدعم و العلاج عن قرب. لكن يبقى دائما من الأفضل
أن نقدّم الدعم و العلاج عن قرب بصفة جدية لثلاث مدارس ضعيفة فقط عوض أن نقدمه
بصفة سطحية لـ25 مدرسة ضعيفة
-
المدرسة التي تمتعت بمساعدة المشرف لمدة ثلاث سنوات فقط،
قد تنتكس بعد مدة قصيرة و تعود من جديد لمجابهة مشاكل جديدة لذلك يفكر المشرفون
على هذا النموذج في الشيلي في تمديد مدة الإشراف على المدرسة و الدعم عن قرب إلى
خمس سنوات عوض ثلاثة فقط
-
استعانت الوزارة في هذا البرنامج بالمتفقدين القدامى الذين عملوا في فترة حكم
"بينوشيه" بعد ما أقنعتهم بالمقاربة الجديدة و هي الدعم و العلاج عن قرب
عوض التفقد الكلاسيكي المعمول به قبل 1990 أي في عهد "بينوشيه
5. النموذج الخالي
من التفقد البيداغوجي و المراقبة الإدارية
-
يُطبق
في البلدان السكندينافية مثل فنلندا و النورفاج و الدنمارك
-
في
سنة 1991، قرر الفنلنديون إلغاء العمل نهائيا بنظام التفقد بنماذجه الثلاثة
السابقة (أحيّيهم و أشدّ على أياديهم بصدق و إخلاص و سوف يأتي يوم - في تونس
العزيزة المقهورة - نلتحق بركبهم رغم مقاومة المحافظين الجدد و المتكلسين فكريا و
علميا و المحنطين من سياسيين و صانعي برامج و متفقدين و أساتذة
-
يمتاز
التعليم الفنلندي بمدرسين أكفاء. لا يدرّس في الثانوي و لا في الابتدائي، إلا حامل
شهادة جامعية تساوي الماجستير في الاختصاص. يتمتع المدرس في فنلندا بوضع مميّز بين
الموظفين الآخرين و الدليل أنه في استفتاء لدى الشباب حول أفضل مهنة ترغب في
ممارستها بعد التخرج، كان الجواب بأكثرية ساحقة: مهنة التدريس
-
يتجمع
الأولياء و يكوّنون
جمعيات مساندة لمدرستهم التي تشغل أولا أولاد منطقتهم و كلّهم يعتبرون المدرسة
ملكهم الشخصي و يحافظون عليها كما يحافظون على منازلهم و ممتلكاتهم الخاصة
-
يراقب
المدرسون أنفسَهم بأنفسِهم و قد تتدخل لجنة المدرسة المتكونة من المدير و الأولياء
و المدرسين بالمراقبة الإدارية و توجه مثلا، لوما لأستاذ كثير التغيّب عن العمل
-
تتمتع
فنلندا بشعب متجانس الثقافة و التراث و الدين و العرق و لا توجد فيه أقليات ذات
تأثير محسوس. لذلك لا يحتاجون إلى جهاز تفقد يكون من أبرز مهامه التوحيد بين
الثقافات المختلفة في الجهات و البلديات
في جميع أرجاء الوطن فهي موحدة بطبيعة سكانها المتجانسين
-
تتمتع
المدرسة الفنلندية باستقلالية في التسيير و الدعم و العلاج و المراقبة الإدارية و
البيداغوجية (تطبق المدرسة الاسكندينافية
نظاما تربويا متكاملا و مستقلا لكن متجانس مع ما يقع في المدارس الوطنية الأخرى
بطبيعته و بطبيعة شعب فنلندا المتجانس ثقافيا
-
توجد
مراقبة مركزية عن بعد لكن قد تتدخل عند اللزوم في شؤون أية مدرسة في القطر
ما هي نقاط القوة في النموذج الخالي من التفقد البيداغوجي و المراقبة
الإدارية؟
-
تحميل
المسؤولية للأولياء و المدرسين في تسيير مدرستهم. يرتكز هذا التحسيس
بالمسؤولية على فكرة أن التغيير لا يأتي
إلا من الداخل (قرآن: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم".
أطلب الإذن و أنشد العذر من المليار و نصف مسلم المحترمين و أنسج على منوال الآية
لغويا و ليس عقائديا ما يلي: "إن التفقد لا يغيّر ما بمدرسة حتى يغيّر مدرّسوها
ما بأنفسهم
-
يمتاز
هذا النموذج الخالي من التفقد البيداغوجي بغياب البيروقراطية في أسوء تجلياتها
ما هي نقاط الضعف في
النموذج الخالي من التفقد البيداغوجي و المراقبة الإدارية ؟
-
يتسبب هذا النموذج في مزيد من التوتر المسلط على المدارس
دون الأخذ في الاعتبار بمشاكل المدارس الأقل تفوقا و الأضعف نتائج. قد يتمتع
بمزايا هذا النموذج المدارس المتفوقة فقط على حساب المدارس الأقل تفوقا رغم ندرة
هذه الأخيرة في البلدان الإسكندنافية
-
لو استوردنا هذا النموذج في البلدان النامية فلن يُكتب
له النجاح بقدرة الله لتدهور المستوى
العلمي و البيداغوجي و التعلّمي للمدرسين و لانعدام الوعي التربوي الداعم للمدرسة عند
جل الأولياء المستعدين مجانيا للإحساس بالخوف و الرهبة المحبطة من تعقيدات النظام التربوي و سلطته الأدبية المهوّلة قصدا
من الوزارة و المدير و المدرسين (أخص بالذكر تُجار العلم و محتكري المعرفة، المدرسون
"مقاولو" الدروس الخصوصية الذين لا يحترمون ضوابط الدروس الخصوصية و
منها توفير مكان مناسب للتعلّم و ليس "قاراجا" ضيقا و غير صحي) و
المتفقدين و واضعي البرامج الأحفورية و الساهرين على السياسة التربوية التابعة
للإملاءات الخارجية
-
لو أوكلنا للمدرسة جانبا كبيرا من التسيير الذاتي في
بلدان ذات شعوب غير متجانسة ثقافيا، قد لا تصل نفس الرسالة الثقافية الوطنية الموحِّدة
و المجمِعة لكل تلميذ مواطن و لهذا السبب بالذات نجح هذا النموذج أيما نجاح في
فنلندا دون غيرها من البلدان غير المتجانسة ثقافيا
الخاتمة
-
أستشرف
سؤالا، قد تسألونه بعد المحاضرة في النقاش: هل نستطيع تمييز و تفضيل نموذج على
نموذج آخر من بين الأربع نماذج المذكورة أعلاه؟
-
الجواب:
هي أمثلة متعددة لواقع متنوع في العالم و كل نموذج منهم يتعرّض إلى مصاعب و قد
يتأقلم مع بلاد أكثر من بلاد أخرى
-
السؤال
الآخر المهم: ما هي العوامل التي قد تؤثّر على نموذج من هذه النماذج الأربعة؟
-
الجواب:
5 عوامل
-
النجاعة
أو الكفاءة للإطار التربوي و إمكانات البلاد المعنية: نأخذ مثلا بلدان العالم
الثالث، حتى و لو أرادت تبنّي برنامج طموح فلن تقدر على تطبيقه لقلة مواردها
المادية و البشرية
-
المستوي
العلمي و البيداغوجي و التعلّمي و مهنية المدرسين
-
نقص
الاهتمام بالشأن التربوي و عدم إعطائه الأولوية عند الأولياء و الرأي العام في
البلاد
-
التسيير
الذاتي داخل المدرسة
-
مستوى
و طبيعة الفروقات الاجتماعية و الثقافية في بعض البلدان حيث تسعى السلطة السياسية
إلى تخطي هذه العوائق الحضارية و التاريخية
-
انتهت المحاضرة
سأضيف
فقرة قصيرة مترجمة، لم ترد في المحاضرة، وجدتها في الأنترنات أيضا و أعجبتني: [قالت
متباهية، أستاذة التاريخ و الجغرافيا في معهد "فرنسي- فنلندي"،
"إيستال فوهر بريجانت": هنا لا يُسَلّطُ علينا تفقد و هذا الوضع الجديد
ساعدني على التجديد البيداغوجي. في فرنسا، يحاول المدرسون بكل ثمن أن ينالوا إعجاب
المتفقد و أن لا يثيروا استياءه على الأقل و التفقد يشلّ حركتهم و يعيق تعاونهم مع
بعضهم في صلب فريق التدريس. هذه الحرية التي أتمتع بها الآن قد تمثل مع ذلك خطرا على
الأساتذة الذين يحاولون التحرّر من سلطة البرامج أو الذين يبالغون في التخفيف من
عبء رسالتهم التربوية
تستطيعون
تشغيل رابط المحاضرة التالي بالضغط في الوقت نفسه على الفأرة و زرْ
Ctrl
أنهي مقالي بطرح إشكالية (كما يطالبوننا بإلحاح - و هم
على صواب - متفقدينا الأفاضل): لماذا لا تُعرَض هذه المحاضرة على كل المدرسين في
جميع الاختصاصات في يوم بيداغوجي مشترك و تحت إشراف متفقدينا المحترمين - طبعا -
حتى تعمّ الاستفادة من تجارب الأمم المتقدمة علميا؟
إمضاء د. م. ك
يطلب الداعية السياسي أو
الفكري من قرائه أن يصدقوه و يثقوا في خطابه أما أنا - اقتداء بالمنهج العلمي -
أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات و أنتظر منهم النقد المفيد
لا أقصد فرض رأيي عليكم
بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى و على كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا
بالعنف اللفظي أو المادي
التاريخ
حمام الشط في 2 جانفي 2011
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire