samedi 19 janvier 2013



نقد موقف اليساريين من الثورة السورية. بقلم صادق جلال العظم. نقل مواطن العالَم د. محمد كشكار

سؤال "مجموعة الجمهورية
كمثقف علماني، يساري التوجه، يرفض علمانيون ويساريون تسمية ما يجري في سوريا على أنه ثورة على عكس ما تذهب إليه. على ماذا يستندون في رأيهم هذا في تقديركم؟ وهل هي فعلاً ثورة؟

جواب الفيلسوف السوري اليساري صادق جلال العظم
في مناقشة هذا الموضوع أبدأ بالمعايير المحلية. في سنة 1952، نفّذ الضباط الأحرار في مصر انقلاباً عسكرياً أطاح بالحكم الملكي هناك، وسميّ الانقلاب «ثورة 23 يوليو». في سنة 1958، نفّذ ضباط في الجيش العراقي انقلاباً عسكرياً بقيادة الجنرال عبد الكريم قاسم، أطاح بالحكم الملكي هناك أيضاً، وأصبح اسم الانقلاب «ثورة 14 تموز». وتوالت الانقلابات العسكرية في العراق: انقلاب عسكري في 8 شباط 1963 تحول إلى «ثورة 14 رمضان»، انقلاب إضافي سنة 1968 أصبح «ثورة 17 تموز». و في سنة 1963، نفذّت مجموعة الضباط الريفيين في سوريا انقلاباً عسكرياً استولوا فيه على السلطة المدنية في البلاد وقتها، وأخذ انقلابهم اسم «ثورة 8 آذار» وظهر شيء جديد عربياً اسمه مجلس قيادة الثورة

بعد هزيمة الجيوش العربية أمام إسرائيل في حرب «الأيام الستة» في حزيران 1967، صعدت المقاومة الفلسطينية المسلحة (الكفاح المسلح) لمقارعة الاحتلال الإسرائيلي الجديد، وسميّ ذلك كله «بالثورة الفلسطينية»، وشعارها «إنها لثورة حتى النصر». وفي سنة 1978-1979، قامت هبّة شعبية هائلة في إيران أطاحت بحكم الشاه - بقيادة رجال الدين الشيعة - وسُميت الحركة كلها «بالثورة الإسلامية في إيران». فإذا جرى العرف العربي، لأكثر من نصف قرن، على تسمية هذه الانقلابات العسكرية كلها، ومعها الكفاح الفلسطيني المسلح والهبّة الشعبية الإيرانية بالثورات، فلماذا يبخلون على ما يجترحه الشعب السوري من ملحمة بطولية اليوم في مقارعة الاستبداد والطغيان بلقب «ثورة»؟ علماً بأن معظم هؤلاء البخلاء كانوا قد جاروا التيار العام في وصف الأحداث المذكورة «بالثورات

الآن، إلى ماذا يستند هؤلاء البخلاء في بخلهم هذا؟ تقديري أن معظمهم يحمل بيده مسطرة خاصة يقيس بها مجريات التاريخ والأحداث المصيرية الجسام، ثم يطلق على كل واحدة منها الأوصاف والتسميات والتصنيفات التي تمليها عليه مسطرته الصغيرة المتحجّرة. ينطبق هذا على القوميين بالنسبة لانقلاب عبد الناصر في مصر، مثلاً، وعلى اليسار والكثير من الشيوعيين بالنسبة لانقلاب عبد الكريم قاسم في العراق، وعلى الإسلاميين بالنسبة لثورة آية الله الخميني في إيران، وعلى قدامى الشيوعيين الذين يفتقدون في الثورة السورية الحزب الطليعي والقائد الكاريزماتيكي الملهم والنظرية الثورية الجاهزة، إلى آخر عناصر المسطرة مُسبقة الصنع. أضف إلى ذلك ما كنت قد ذكرته سابقاً من أثر انحلال الأطر والجوامع السياسية والثقافية السابقة، وما رافق ذلك من عودة الكثيرين من هؤلاء البخلاء إلى عصبياتهم الطائفية والمذهبية والجهوية والإثنية الأولى، وإلى ولاءاتها الأكثر بدائية، مما ضاعف عدد المساطر الذاتية الجديدة التي تقاس بها ثورة الشعب السوري وتُصنف على أساسها

مع ذلك، إذا أراد بعض هؤلاء البخلاء وصل النظريات الثورية الجاهزة بالثورة في سوريا، فهذا موجود أيضاً، فالثورة السورية مارست بعفوية وتلقائية النظرية الثورية القائلة «بالبؤر الثورية» أو «الفوكو» (Foco) كما شرحها المنظر الفرنسي الشاب يومها ريجيس دوبريه في كتابه ذائع الصيت وقتها «ثورة في الثورة». كما تمارس الثورة عفوياً، وبلا الكثير من التنظير، ما كان قد تم التنظير له مطولاً في مرحلة سابقة، حول اتباع حروب التحرير الشعبية تكتيكات تُشتت القوة العسكرية المتفوقة بقوتها النارية وتبعثرها في كل مكان ممكن، مما يؤدي إلى شللها وإلى تحييد تفوقها الناري والعددي والعتادي. تمارس الثورة السورية كذلك وبشكل عفوي وحتى دون أن تدري، على الأرجح، النظرية الثورية الصينية - الماوية القديمة (والتي قيل الكثير فيها عربياً وبخاصة من جانب بعض هؤلاء البخلاء) القائلة بتقدم الأرياف الثائرة إلى محاصرة المدن وإسقاطها الواحدة بعد الأخرى، باعتبارها الحصون الأخيرة للسلطة التي يطالب الشعب بإزاحتها. تعيش التنسيقيات هي أيضاً في البحر الشعبي السوري الواسع «كما يعيش السمك في الماء» على حد تعبير شهير قدمته النظرية الثورية الصينية للعالم

أعتقد أن ما يجري في سوريا الآن هو، أولاً، انتفاضة شعبية عارمة بالمعنى الكلاسيكي للانتفاضة كما ابتدعها الشعب الفلسطيني، وثم اضطر إلى عسكرتها، أي انتفاضة على طغيان عسكري تحولت قوات جيشه الضاربة إلى جيش احتلال كامل الأوصاف، يدّمر الحجر والبلد ويقتل البشر دون حساب. وهو، ثانياً، ثورة بمعنى أن الانتفاضة الشعبية السورية تسعى لاستعادة الجمهورية عبر الإطاحة بنظام وراثي قديم مفروض ومهترئ بأجهزته كلها، وإحلال نظام حكم جديد ومغاير محله. ألا يكفي هذا كله للاعتراف بأن في سوريا ثورة حقيقية اليوم؟

تاريخ أول إعادة نشر على صفحاتي الفيسبوكية
حمام الشط في 19 جانفي 2013

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire