04357189. هل عرفتني؟ لا، رقمٌ
بِثمانية أعداد (Un nombre à 8 chiffres)! قد يكون رقمَ هاتفٍ
قارٍّ؟
اللقب كشكار.
هل عرفتني؟ لا، لقب منتشر في تونس والجزائر وسوريا وتركيا وروسيا!
الاسم محمد.
هل عرفتني؟ لا، منك ملايين في كل العالَم الإسلامي!
تاريخ
الولادة 16 نوفمبر 1952. هل عرفتني؟ لا، ملايين وُلِدوا في نفس التاريخ!
مكانها جمنة.
هل عرفتني؟ لا، عشرات المئات وُلدوا بنفس الفردوس الأرضي!
اسم ولقب
الأم آمنة بن حمودة. هل عرفتني؟ لا، ما
أكثر الآمنات تبرّكًا بأم الرسول صلى الله عليه وسلم!
المهنة
متقاعد. هل عرفتني؟ لا، قرابة المليون من المهمّشين أمثالك!
العنوان 4
نهج باردو حمّام الشط بن عروس. هل عرفتني؟ لا، أنتَ أو زوجتك أو ابنتك أو ابنك
الأول أو ابنك الثاني أو قريبٌ مقيمٌ عندك؟
اجمَعْ كل
هذه المعلومات أعلاه. هل عرفتني؟ لا، كلها أسماء لمجموعة انتماءات (Des appartenances). أنتَ، أين أنتَ كذاتٍ
داخل هذه الانتماءات الواسعة والغامضة؟
بماذا
يُعرّفُ الفردُ إذن؟ ربّما بِموروثِه الجيني (Son ADN)؟
ألم تقل لي في محاضرتك السابقة أن شخصية الفرد تنبثق من تَفاعُلِ جيناته مع محيطه؟ ألا تعرفُ أن الفردَ هو كائنٌ مستقبليٌّ متحوِّلٌ
(Un être en perpétuel devenir)،
وليس حاضرًا ولا ماضيًا؟
ربّما
بِطَيْفِهِ الفيروسي (Son spectre viral)؟ تسكن الجسم البشري مليارات الفيروسات موزّعة على شكل
خريطة لا تتكرّر من فردٍ إلى آخرَ، مثل خريطة خطوط البصمات.
هل
عرفتني؟ المعذرة، لم أعرفك! وهل أعرفُ نفسي حتى تعرفني أنتَ؟ فرويد نفسه فشل في
تعريفي فكيف تدّعي أنتَ معرفتي؟ أنسيتَ منطقة اللاوعي في شخصيتي (L`inconscient)؟
قالها سقراط
منذ قرابة 25 قرنًا: اِعْرَفْ نفسكَ (“Connais-toi toi-même”).
كرّرها
ديكارت منذ 5 قرونٍ: أنا أفكر إذن أنا موجود (“Je
pense donc je suis”).
خلاصة القول:
ذاتُ الفردِ أو ماهيتُه مفهومٌ قديمٌ قِدَمَ تاريخ الحضارات، ورغم ذلك ما زال
الفردُ يُظلَمُ ويُعرّفُ بانتماءاته. انتماءاتٌ لا تعرّفه بل في بعض الأحيان قد تشوّهه:
مثلاً، في أوروبا يعرّفونني بـ"مسلم عربي" وعن جهلٍ منهم بالإسلام
والعرب يصنّفونني فورًا وظلمًا في خانة الإرهابِ والتخلّفِ! فهل أشرحُ لكل فردٍ
منهم أن المسلمَ هو مَن سلِمَ الناسُ من يدِه ولسانِه، وأن العروبة ثقافة، ولا
ثقافة تعلو على ثقافة حسب ما علّمنا علماء الأنتروبولوجيا الأوروبيون أنفسهم! في
جمنة يعرّفونني بـ"يساري عَلماني" وعن عدم سِعةِ اطّلاعٍ منهم بتاريخ
اليسار وتاريخ العلمانية وتفرّعاتهما، يحشرونني فورًا وظلمًا أيضاً في خانة ماركس
وبُشرَى! أيُرضيني هذا التعريفُ بالانتماء إلى مجموعة مفاهيم-حقائب (Des concept-valise)؟ طبعًا لا وألفُ لا! ماذا أفعلُ؟ أأشرحُ لكل جمني
منهم أن اليسارَ مفهومٌ سابقٌ لماركس وأن بُشرَى لا تمثلني مع أنني أومن بالمساواة
التامة بين الرجل والمرأة في الحقوق رغم اختلافِهِما في الواجبات، اختلافاتٌ
تفرضها عليهما طبيعة كل واحدٍ منهما البيولوجية المتباينة.
ملاحظة ديونتولوجية: فكرةُ المقالِ، فكرةٌ مستوحاةٌ من محاضرةٍ للفيلسوفِ الفرنسيِّ المعاصرِ،
العظيمِ ميشيل سارّ، سمعتها أمس على اليوتوب. يَرْحَمُ والِدَين ميشيل سارّ ويَرْحَمُ
مَن فكّرَ في ابتكار اليوتوب
ونفّذَ!
إمضائي
و"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ
آخَرَ" جبران
تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الأحد 23 سبتمبر
2018.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire