صابة دﭬلة.. صابة
زيتون.. صابة قوارص.. صابة حبوب.. صابة طماطم.. صابة دلاّع.. جانا المِي.. جانا
الضوْ.. جانا الكيّاسْ! هل يفرح المواطن المستهلك أو يحزن أو يقول لا حول ولا قوة
إلا بالله؟
أنا عن نفسي،
كأستاذ تعليم ثانوي متقاعد (مرتب شهري=1500د)، أقول لا حول ولا قوة إلا بالله!
عِدة أسباب
وجيهة تدعوني للحزن لكنني أتماسك ولا أحزن لـصابةٍ قد تُفرح الفلاح التونسي، لكنني
وفي نفس الوقت لا أفرح كما كنتُ أفرح وأنا طفلٌ في جمنة الستينيات عندما كان عام
الصابة عام رحمة على الفقراء، ينقص فيه سعر السلعة المعنية فكنا نشبع
منها نحن الأطفال. اليوم، لم أعد طفلاً، أصبحت عائلاً لأسرة متكونة من ثلاثة أنفار
وأصبح سعرُ سلعة الصابة يرتفعُ عوض أن ينخفض فلا تشبع منها عائلتي الصغيرة.
اليومَ، الفلاح
نفسه لا يفرح كثيرًا لأنه ليس هو المستفيدُ الأكبرُ من ارتفاع سعر منتوج الصابة، مثلاً:
في جمنة وفي موسم التمور، يتراوح سعر كيلو الدﭬلة بين 2 و5د، في حين يترواح سعرها وفي
نفس الوقت في حمام الشط بين 6 و13 د (يوم 21 أوت 2019، اللوكس عند الخضّار في حي الشعبية،
الكيلو بـ19).
المستهلك غير
راضٍ والفلاح غير راضٍ وحتى الخضّار بالتفصيل غير راضٍ! أما النصف مليون من العاملات
الفلاحيات فهن المعذّبات الأرض، رغم أنهن المنتجات الحقيقيات للثروة، لكنهن هن أنفسهن الخاسرات صحتهن زمن
الصابات جرّاء التلوّث الكيميائي (أجر يومي=13د).
مَن يا تُرى
المستفيد الأكبر من الصابة ومِن ارتفاع الأسعار؟ هم ولا أحدٌ غيرهم، هم الوسطاء
مصّاصو الدماء، الله يهلكهم! هم حفْنة من الفاسدين استغلوا ضعف الدولة بعد الثورة
وأثْروا بسرعة على حساب المستهلك والمنتج في آن. هم أيضًا المصدِّرون المعفون من
الضرائب والمورِّدون للبذور والأدوية النباتية بأثمانٍ باهضةٍ جدًّا خاصة في زمن
تدهور قيمة الدينار التونسي بالعُملة الصعبة (اليورو والدولار).
الإشكاليةُ
التي أريدُ طرحَها للنقاش هي إشكاليةٌ أعمقُ من الابتهاجِ الحقيقيِّ أو الوهميِّ؟
هي الإشكاليةُ التالية: هل تُعتبَرُ الصابة الفلاحية مؤشرًا تنمويًّا؟ لا أظن!
لماذا؟:
-
إنتاجُنا الفلاحي إنتاجٌ خامٌّ، أي غير مصنّع،
تقريبًا بدائي، متخلف وغير مضيف للقيمة، والدليل: ثمن صابة 10 آلاف دﭬلاية بسواعد 130 عامل طيلة سنة كاملة (مليار ونصف بالملّيم=1500 ألف
دينار)، وبعد خصم
المصاريف، يساوي تقريبًا ثمن سيارة بورش أو ثمن كمية صغيرة من قطع الغيار المستوردة، كمية لا تملأ حتى حانوت متر على متر في سوق منصف باي بالعاصمة.
-
ننتجُ سلعة فلاحية خامّ ونصدرها خامّ دون أي
تحويل أو أي تصنيع، نصدر أغلبها دون تعليب (en vrac) أي بسعرٍ أقل، مع
الإشارة الهامّة أن تعليب الزيت مثلاً لا يتطلّب تكنولوجيا عالية وفي المقابل
التعليب وحده يرفع سعر الزيت إلى عشرة أضعاف.
-
يبدو لي والله أعلم أن تقسيم الأسواق المقرّر
سلفًا في أوروبّا قد صنّفنا كـ"سلّة
غلال" لفائدة أوروبّا (دﭬلة، زيتون، برتقال)، وجرّدنا عنوةً، وبِـنيّةٍ
مبيّتةٍ، من تسميتنا القديمة "مطمور روما" (إنتاج القمح والشعير، غذاؤنا
الأساسي).
إمضائي: "وإذا كانت كلماتي لا
تبلغ فهمك، فدعها إذن إلى فجر
آخر" (جبران)
تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 23 أوت 2019.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire