samedi 17 août 2019

كاريكاتور لـنظام بورقيبة: كَرَّهَنِي في هويتي التونسية-الأمازيغية-العربية-الإسلامية وجَعَلَ مني مواطنًا تونسيًّا أقليًّا منبتًّا في عيون جل التونسيين ومواطنًا عربيًّا منبوذًا في عيون جل الغربيين أيضًا! مواطن العالَم، يساري غير ماركسي وغاندي الهوى



دردشة صباحية في مقهى الشيحي "التعيسة التي لم تعد تعيسة"، هي دردشة فلا تحمّلوها أرجوكم ما لا تتحمل، الله يهديكم. هي كاريكتور ومن خصائص الكاريكاتور في التصوير أنه يأخذ عيبًا ويُعظمه حتى يراه مَن يراه ولكنه لا يريد أن يراه. هذا لا ينفي أو يلغي الصفات الجميلة الأخرى لبورقيبة: المجاهد الأكبر، محرر المرأة، باعث الحداثة وأبوها وأمها، ناشر التعليم، محارب القملة، صانع الأمة-محدّد النسل، إلخ. أتى بكل هذه المعجزات وهو ذو خصية واحدة، فماذا كان بنا فاعلٌ لو كان ذو خصيتين اثنتين؟ العلم لله!
كل هذه الصفات تدخل في باب الشكر والتمجيد، وأصنفها أنا الناقد في خانة الحس المشترك (Le sens commun, 1er degré de connaissance)، أي درجة الصفر من المعرفة ولا يهتم  بها عادة إلا السذّج أو الانتهازيون المتاجرون بفكر بورقيبة لغايات مادية أراها سخيفة. وهل لبورقيبة فكرٌ؟ المفكر اليساري جيلبير النقاش (Perspectives) قال: "لا، ليس لبورقيبة فكرٌ، فكره هو فكر معلّبٌ مستوردٌ من الغرب دون نقدٍ أو أقلمة (Assimilation + Adaptation + Indigénisation)، بورقيبة لم يكن يومًا كاتبًا ولا مفكّرًا ولا فيلسوفًا ولا حتى منظرًا سياسيًّا. كان مقلدًا مبهورًا بالغرب وناقلاً غير مجتهدٍ لقيمه (La première impression mène souvent en erreur, et elle nous a malheureusement mené en erreur)".
كان زعيمًا حباه الله بالقبول عند عامة التونسيين،لا أكثر ولا أقل.

ماذا أقصد بنظام بورقيبة، أقصد مدارسه، مدرّسيه الأجانب والمحليين، جوامعه وخطبائه ورجال دينه، حزبه الستاليني، شعبه، قوّاديه، مثقفيه، حاشيته، شرطته القمعية، جيشه في الخميس الأسود يوم 26 جانفي 1978، قضاته المرتشين، مسانديه الفرنسيين، إلخ. بارادوكسالومان، حتى إنجازاته بين ظفرين، كانت إنجازات عصره، عصر الستينيات والسبعينيات الجميل على حد تعبير الكاتب المسيحي اللبناني-الفرنسي أمين معلوف في آخر إصداراته، كتاب "غرق الحضارات"، أفريل 2019 
(C’était dans l’air du temps, conforme à son époque).

أمرّ الآن إلى لب موضوع مقالي الكاريكتوري، أكرر وأقول كاريكتوري، فلا تأخذوه مأخذ الجد: أنا لستُ ابنًا عاقًّا لبورقيبة ولا ناكرًا لجميله (J’ai vécu les 7 ans de ma scolarité secondaire logé, nourri et blanchi aux dépens de l’état bourguibien ولستُ ابنًا عاقًّا للماركسية ولا ناكرًا لجميلها (Mais j’ai déjà fait mon autocritique, j’ai renié mon marxisme et j’ai conservé ma gauche d’avant-Marx)، ولكن لكل مقامٍ مقالٌ. ولكي لا أزعج أبناء جيلي، مواليد أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات من البورقيبيين والماركسيين، سأجلد نفسي وأنا حر في نفسي، البورقيبية والماركسية، ضربتان في الرأس آلمتاني كثيرًا:
-          بورقيبة شلّكني وليّكني 
(Il m’a laïcisé
أي جعل مني وريثًا للائكية الثورة الفرنسية المعادية للدين عمومًا، وما تبقّى من إسلامي دمّرته الماركسية، أفيون المثقفين (L'Opium des intellectuels, un livre écrit par le philosophe français de droite Raymond Aron et paru en 1955). هذا لا يعني أنني أصبحتُ اليوم نهضاويًّا، بل لا زلتُ عَلمانيًّا لكنني أصبحتُ عَلمانيًّا على الطريقة الأنـﭬلوساكسونية المتصالحة مع الدين، ولا زلتُ أيضًا يساريًّا لكنني أصبحتُ يساريًّا اشتراكيًّا-ديمقراطيًّا على الطريقة الأسكندنافية.
-         .بورقيبة "ترّكني" باستنساخه للائكية كمال أتاتورك.
-         بورقيبة اقتلعني من جذوري التونسية-الأمازيغية-العربية-الإسلامية وكرّهني في تقاليد بلادي وقِيم حضارتي: صرت "بفضله" أمقت رمضان والعيد والصلاة والجوامع وواجب العزاء والجبة والبرنس وخبز الطاجين وزيارة الأولياء الصالحين. في شبابي تحديت أمي وأفطرت رمضان في حضرتها وهي تستر عليّ عند الجيران، يا ليتني كنتُ ترابًا وما فعلتها، لكنني وللأسف الشديد فعلتُها، واليوم أعتبرها كبرى الكبائر في حق أمي.
-         بورقيبة، كنتُ في شبابي فكريًّا وسياسيًّا أعارضه، فكيف تطلبون مني اليوم وأنا في شيخوختي أن أذكره بالخير وأمجّده؟
إمضائي: "وإذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك، فدعها إذن إلى فجر آخر" (جبران)

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 17 أوت 2019.



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire