مقدمة:
عادة ما لا
أتدخل حينيًّا في تقييم الأحداث السياسية المحلية والعربية والعالمية، وذلك لسببين
اثنَين لا ثالث لهما:
1. أنا مواطن
يعيش على هامش المجتمع (لا أمارس أي نشاط، لا إداري ولا سياسي ولا إيديولوجي) ولستُ
باحثًا علميًّا (الباحثُ يجب أن يكون عضوًا في مخبر جامعي أو لا يُسمّى باحثًا من
أصله - Chercheur scientifique).
2. الحكم
الأول والسريع عادة ما يقود إلى الخطأ، لذلك وليس صدفةً أو عبثًا أنني اخترتُ
جريدة "لوموند ديبلوماتيك"، لا أقرأ غيرها من الجرائد السياسية المحلية والأجنبية،
أنتظرها في بريد أول كل شهر كما ينتظر الشاب أو الشابة موعدًا غراميًّا، يكتب فيها
الراسخون في علوم السياسة والاقتصاد، يكتبون تحليلات معمقة في قضايا العالَم أجمع
بنزاهة وموضوعية أو على الأقل هذا ما يتراءى لي كغير مختص إلا في علم البيولوجيا وإبستمولوجيا
البيولوجيا (نقد البيولوجيا).
لماذا أتدخل إذن
واليوم بالذات؟
أتدخل لسبب
ذاتي بحت (لست نهضاويًّا ولن أكون ولكنني أيضًا لست معاديًا للنهضة ولا للنهضاويين
ولن أكون): لي صديق نهضاوي حميم يتعرض يوميُّا، هزلاً وجدًّا، إلى قصفٍ مجاني، وهو ينفي تمتعه بأي تعويض نقدي
رغم مروره بالسجن وطرده من العمل (زميل بيولوجيا)، ينفي وأصدّقه لأنني أعايشه
يوميًّا منذ 2012، ولكنني في نفس الوقت مثلكم، لا أصدّق كبار مسؤولي النهضة وفي
الوقت نفسه لا أكذّبهم والله أعلم، وذلك لسبب بسيط، لا أعرفهم عن قرب. عديد الأصدقاء
النهضاويين الآخرين غير الحميمين في تونس وحمام الشط وعشرات النهضاويين الجمنين، في جمنة وتونس والمهجر، ينفون أيضًا وأصدّقهم أيضًا.
الخبر
اليقين:
لي صديقان
حميمان بحمام الشط، واحد نهضاوي (سُجن، عُذّب، طُرِد من الوظيفة العمومية، أرهِب
بواسطة الكلاب البوليسية المفترسة في داره وأمام صغاره، شُرِّد، لُوحِق، طولِب
بالإمضاء ثلاث مرات في الأسبوع في خمسة مراكز أمنية في شعاع 15كلم، قبل الثورة كان
يرتعد رُعبًا كلما سمع صوت محرّك سيارة تمر بعد منتصف الليل أمام منزله)، وواحد
يساري، فردٌ من عائلة ورثة شهيد تعذيب البوليس في عهد بورقيبة (شهيد البوكت الشهير)،
الاثنان أخذا تعويضًا بعشرات الملايين، الصديق اليساري أكثر بكثير من الصديق النهضاوي،
تعويضًا على الورق أو وعدًا بالتعويض ممضى من قِبلِ اليسارية سهام بن سدرين. وعدٌ
لم يُفعّلْ بعدُ، ولعلمكم سمعتهما الاثنين، اليوم صباحًا بمقهى الشيحي، يُنسِّقان للنزول
معًا إلى العاصمة للمشاركة في اعتصام أو مظاهرة في القصبة للمطالبة بـ"التفعيل".
موقفي الفكري
والمبدئي، المستقل عن كل عصبية حزبية أو إيديولوجية:
أنا أرى نفسي
أنني لا أملك أدوات أو قنوات تمكنني من تصديق الإشاعات حول حزب النهضة أو تكذيبها،
لذلك أكتفي بما هو ثابت وظاهر للعيان ولا يحتاج لدليل أو برهان، ألا وهو فشل حزب النهضة
كطرفٍ في الحكم خاصة على المستوى الأمني (اغتيالات سياسية، إرهاب، سرقة، تهريب،
براكاجات، مخدرات، إلخ) والاجتماعي (تفقير الطبقة الوسطى وأنا منها، تردي خدمات
القطاع العمومي خاصة في التعليم والصحة والنقل) والثقافي (إعلام سوقي، فن سوقي،
مهرجانات فلكلورية سخيفة) واقتصادي (بطالة، ارتفاع الأسعار، هبوط الدينار، تعطّل ماكينة
الإنتاج). كل هذه "الإنجازات" يتحملها جزئيًّا حزب النهضة كطرفٍ في
الحكم، يتحملها حتى ولو لم يكن له يدٌ مباشرة في أي مصيبةٍ منها، يتحملها سياسيًّا
وأخلاقيًّا (المسؤولية الجنائيّة، الله أعلم بها، والحكم فيها للقضاء).
لم تقنعني
أعذارُ صديقي النهضاوي المذكور أعلاه دفاعًا عن حزبه، أعذارٌ أتفهمها لكنني لا
أقبلها ولا أعتمدها ولا أرددها، أعذارٌ لا تهم غير النهضاويين ولا تقنع أحدًا غيرهم، أعذارٌ من نوع: الاتحاد وراء مليون إضراب ومليون
اعتصام ومليون ديـﭬاج، الدولة التجمعية العميقة، الإدارة الرجعية المضادّة للثورة،
لو خرجتْ النهضة من السلطة لأرجعوها للسجن، الجيش غير مضمون، البوليس غير مضمون، الإسلاموفوبيا
والعداوات والإكراهات الخارجية، و.. و...
قلتُ أتفهمها
ولم أقل أصدّقها لكنني في نفس الوقت لا أكذبها، فقط أتركها لمَن لا يخطئ وهو علم
التاريخ، وأرجئ محاسبتها لمَن لا يظلم وهو جهاز القضاء المستقل، وأفوّض حسابها لمَن لا يخطئ ولا يظلم في آن،
سبحانه العليُّ القديرُ!
في النهاية،
أتوجه لخصوم النهضة بالنصيحة المجانية التالية وأقولُ: مالَكم عميان لا تبصرون،
حجج إدانة النهضة سياسيًّا كطرفٍ في الحكم مبثوثة أمامكم على قارعة الطريق ومنشورة
في جريدتي المفضلة الناطقة بلغتي المفضلة، الفرنسية، الجريدة الفرنسية الشهرية "لوموند
ديبلوماتيك" (نشرتْ مرة مقالا طويلاً مفصّلاً حول فشل النهضة سياسيًّا كطرفٍ في الحكم،
مقالٌ لم تتعرض فيه ولو مرة واحدة للإسلام ولا للإخوان ولا للجهاز العسكري السري
ولا للتعويضات النقدية، إلخ)، وأنتم تبحثون بالمجهر على حجج يلزمها المخابرات
الأمريكية والبريطانية معًا للكشف عنها و"انشالله يوصلوا"، مثل اغتيال بلعيد
والبراهمي والجهاز العسكري السري والتسفير
المنظم للجهاد في سوريا والتمويل التركي والقطري والانتماء العضوي لحركة الإخوان
المسلمين العالمية وقائمة التهم لا تنتهي.
إمضائي: "وإذا كانت كلماتي لا
تبلغ فهمك، فدعها إذن إلى فجر
آخر" (جبران)
تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 21 أوت 2019.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire