lundi 1 octobre 2018

ماذا سأفعل لو فرضنا جدلاً أنني أصبحتٌ وزيرًا للتربية التونسية! جزء 1 (ثلاثةُ أبوابٍ). مواطن العالَم محمد كشكار، دكتور في تعلّميّة البيولوجيا، دراسة مشتركة وإشراف مشترك بين جامعة تونس وجامعة كلود برنار، ليون 1، فرنسا، 2007


ماذا سأفعل لو فرضنا جدلاً أنني أصبحتٌ وزيرًا للتربية التونسية! جزء 1 (ثلاثةُ أبوابٍ). مواطن العالَم محمد كشكار، دكتور في تعلّميّة البيولوجيا، دراسة مشتركة وإشراف مشترك بين جامعة تونس وجامعة كلود برنار، ليون 1، فرنسا، 2007

ما هي الأبواب المطروقة في كامل المقال؟ 15 باب أساسي و6 أبواب فرعية: 1. باب الميزانية، 2. باب البيداغوجيا، 3. باب النجاح والامتحانات، 4. أبواب القانون الأساسي الخاص بالمدرسين (4. 1. باب الانتداب، 4. 2. باب التحفيز، 4. 3. باب المرتبات والإلغاءات، 4. 4. باب المديرين، 4. 5. باب التخفيض في ساعات العمل، 4. 6. باب الإصلاحات في المرحلة الابتدائية من التعليم الأساسي، 5. باب تغيير هندسة بناء المؤسسات التربوية، 6. باب إلغاء العقوبات المسلطة على التلاميذ، 7. باب التكوين المهني، 8. باب معضلة دفتر المناداة، 9. باب علوم الحاسوب، 10. باب المساواة بين المدرّسة والمدرّس، 11. باب اقتسام المسؤولية، 12. باب الحزم المفيد للتلميذ، 13. باب مفتوح، 14. باب الخيال العلمي التونسي، 15. باب الاستشراف المستقبلي المحلي والعالمي.


ملاحظة هامة: استجابةً لطلبات بعض القرّاء، قسّمتُ المقالَ الأصليَّ الطويلَ إلى ثلاثةِ أجزاءٍ تُنشَر تِباعًا.


نص المقال:
بعد ما قرأ شقيقي الأكبر صالح كشكار (تُوفِّي يوم الثلاثاء 19 جوان سنة 2018) مقالي السابق المنشور بالـ"فايسبوك" بعنوان "حكايتي مع الوزير", طلب مني أن أكتبَ مقالاً أحكي فيه ماذا سأفعل افتراضيا (أؤكد افتراضيا ونظريّا) لو عُينتُ، لا سمح الله، وزيرًا. حفاظا على مصداقيتي الفكرية النقدية وتمسّكا بحيادي الفكري حِيالَ أطروحات المعارضة التونسية، أطمْئِن قرّائي الأعزّاء أنني لن أرشّح نفسي لأي منصب سياسي، ولن أكون وزيرًا وذلك للسبب البسيط الآتي: أنا أدّعي أنني ناقدٌ مفكرٌ حرٌّ ومستقلٌّ وأتمنى أن أكون في مستوى هذه المهمة العظيمة والقائمة بذاتها وأرى أن كل مثقف ينخرط في السلطة، قد يفقد استقلاليته الفكرية ويفقد في الوقت نفسه القدرة على نقد منظومة أصبح يسكن داخلها وأنا لا أريد أن أفقد استقلاليتي الفكرية. لنفترض جدلاً أنني سُمِّيتُ اليوم وزيرًا، فاسمعوا وعوا يا معشر المعلمين والأساتذة وإذا وعيتم فاحلموا وتخيلوا عسى أن يتحقق حلمنا يومًا, هم يرَوه بعيدا ونحن نراه قريبا. شعارنا في المرحلة الانتقالية: "بالموجود والمجهود قد نقترب من المنشود".

استوحيتُ الرد الاستباقي التالي على قرائي من تعليقات قرائي قبل النشر وهؤلاء الأخيرين يمثلون بالونة الأكسجين التي أطلِقُها للتجربة قبل النشر قصد تَلَمُّسِ رد الفعل على ما أكتب: قد يبدو للبعض أن أفكاري طوباوية ومثالية، وحتى لو كانت كذلك فما الضرر في ذلك فالثورات الكبرى بدأت أحلامًا طوباوية وحلم اليوم هو حقيقة الغد. أؤكد لكم أن كل أفكاري مستقاة من الواقع الحالي في العالَم أو من واقع تونس الستينات (كانت جل المعاهد في الستينات مجهزة بقاعة رياضة مغطاة متعددة الاختصاصات ومنذ تلك الفترة لم تُبْنَ ولو قاعة واحدة في أي معهد مُحدَث بعد تلك الفترة إلا ما ندر). لقد تصورتُ البدائل المستقبلية  المطروحة في هذا المقال انطلاقا من دراستي الأكاديمية للديداكتيك بتونس وفرنسا. لم تصدر مني في هذا المقال فكرة واحدة لا تستند إلى نظرية علمية وكما يقول العلماء "كل تطبيق جيد تسبقه بالضرورة نظرية جيدة".

إليكم أيها الزملاء الكرام قراراتي القابلة للنقاش والباحثة عن التفنيد قبل التنفيذ في تونس 2050 ولا أدعي وليست مهمتي ولا في استطاعتي تقديم مشروع تربوي بديل شامل ومتكامل, إنما هي صرخة استغاثة أخلاقية ضد واقع مؤلم تلظى بناره الأستاذ محمد كشكار لمدة 36 عامًا. فهل يُعاتَبُ من صمت دهرًا وصرخ ساعة في الفايسبوك؟

1.    باب الميزانية: يبدو لي أن الهرم التعليمي في تونس هرم مقلوب لأن الدولة تُخصّصُ حصة الأسد من الميزانية للتعليم الثانوي ثم الإعدادي ثم الابتدائي ولو عكست لأصابت وصححت الخطأ ووضعت الهرم على قاعدته الأساسية المتمثلة في التعليم الابتدائي (انظر مقالي السابق في هذا الموضوع بالذات).
2.    باب البيداغوجيا:
قرار1.2: على الوزارة تطبيق الشعار الذي رفعته في مشروع مدرسة الغد منذ عام 2000 والمتمثل في اعتماد مقاربة المدرسة البنائية لبياجي وفيڤوتسكي (Le socio-constructivisme، يَبني التلميذ معرفته بنفسه بالاحتكاك بالمحيط  وبمساعدة المدرس والأقران) نموذجًا بيداغوجيًّا- تعلميًّا ومنهجًا في التعلم مع احتفاظ المدرس بحرية اختيار النموذج المناسب للوضعية المناسبة من بين كل النماذج التربوية الأخرى مثل التلقين والتقليد والدرس-المحاضرة والتخلي عن التدريس في القسم وترك التلميذ يتعلم بنفسه دون مساعدة ظاهرة من المدرّس.
قرار2.2: على الوزارة التخلص التدريجي من النموذج السائد في المؤسسات التعليمية وهو  نموذج المدرسة السلوكية لواتسون وسكينر 
(Le béhaviorisme،
 يُلقَّنُ التلميذ المعرفة من قِبل المدرس ولا يشارك في بنائها فيصبح "كالحمار يحمل أسفارا"، مع احترامي الشديد للتلامذة، هذا وصفٌ و ليس شتمًا والمهم أخذُ العبرة من التشابه بينهما في حمل المعلومات وعدم الاستفادة منها، وليس مقارنةً بين محتوَيْ مخيّْهِما). يكتسب التلميذ الحالي معلومات  لا يستفيد  منها ولا يوظفها في المكان المناسب والوضعية المناسبة.
قرار3.2: على الوزارة تطبيق بيداغوجيا المشروع منذ الابتدائي (مشروع علمي بسيط أو معقد يختاره التلميذ وينفذه داخل مجموعة من التلامذة تحت إشراف مدرسيهم) حتى ندرب التلميذ على البحث العلمي والعمل الجماعي والمبادرة الشخصية والاعتماد على النفس والاستقلال المتدرج عن المدرس منذ الصغر.
قرار4.2: على الوزارة التقليل من تدريس النظري المجرد في الثانوي وتعويضه بتدريس التطبيقات العملية في الفيزياء والكيمياء وعلوم الحياة والأرض.
قرار5.2: إدراج تدريس الممارسات الاجتماعية المرجعية أو التقليدية (Les pratiques sociales de référence) في البرنامج الرسمي والحد من سيطرة المعرفة العالمة  (Le savoir savant) التي تخص فقط العلوم الصحيحة والتجريبية مثل الرياضيات والفيزياء والكيمياء وعلوم الحياة والأرض وما ينتج عن تطبيقاتهم من تكنولوجيا. توجد المعرفة العالِمة في الجامعات والمؤتمرات العلمية والمجلات العلمية المختصة. توجد الممارسات الاجتماعية التقليدية متغلغلة في المجتمع لكنها مهمَّشةٌ ومتجاهَلةٌ مِن قِبلِ رجال العلم القابعين في أبراجهم العاجية والمتكبّرين على هذا النوع الأساسي من المعرفة الشعبية النفعية المباشرة. يقولون أن هذه المعرفة الاجتماعية التقليدية لا ترتقي إلى مرتبة المعرفة العالِمة ولا إلى  نُبلِها. نرى اليوم أن بعض الممارسات الاجتماعية مثل الرياضة بدأت تقتحم باحتشام عالم المعرفة العالِمة المغلق وبدأنا نسمع ببحوث معمقة ودكاترة في الرياضة. لماذا لا ندرس نظريا وتطبيقيا كيفية إعداد بعض الأطباق الشهية التونسية كالكسكسي والبَرْكوكِشْ؟ لماذا لا يتعلم تلامذتنا إناثا وذكورا الخياطة والنجارة والحدادة والبناء و"البريكولاج" في التعليم العام مثل ما يفعل تلامذة فنلندا وليس في المهني فقط؟ لماذا لا يتعلم تلامذتنا إناثا وذكورًا السياقة وقانون الطرقات داخل المعهد؟ لماذا نفصل بين المدرسة وما يقع في المجتمع؟ لماذا لا تكون مدرستنا مرآة للمجتمع تعكس تجربته وعِلمه ومعرفته وتقاليده أيضا؟
قرار6.2: على الوزارة برمجة مواضيع تعليمية تهم التلامذة التونسيين في القرن الحادي والعشرين بعد سبر آرائهم مِثل تعليم السياقة وقانون الطرقات والموسيقى والمسرح والموضة والوقاية من أمراض الشباب (لماذا يحتكر هذه المعرفة الأطباء والإطار شبه الطبي فقط) والتربية العاطفية والنفسية والجنسية والتدريب على فنون البستنة والطبخ وتربية الصغار وتعدد الحرف أو حب الترقيع الحِرفي (bricolage البريكولاج) كما كان معمولا به في فرنسا في مادة العلوم التطبيقية. يُنتدَبُ لهذا النوع من التعليم العام مدرِّبون من القرية أو المدينة القريبة حسب كفاءاتهم وليس حسب شهاداتهم, يُشرف عليهم مدرس خبير. قد يمنع عمل الأم والأب خارج المنزل توريث صغارهم مهاراتهم المكتسبة مثل ما كان الحال قديما، ابن النجار يصبح نجارًا وابن الحداد حدادًا.
قرار7.2: تقوم الوزارة مشكورة كل عام بإحصاءات لتقييم نتائج الامتحانات ونتائج التوجيه وهي إحصاءات دقيقة وموثوق بها ومتعِبة ومكلفة حسب ما قال لي بعض أصدقائي المديرين في الوزارة. لماذا لا تَدرُس الوزارة وتَفحَصُ نتائجَ الإحصاءات وتوظفها لإصلاح التعليم؟ أنا أدرّس علوم الحياة والأرض للسنة الأولى ثانوي (4 سنوات قبل الباكلوريا) منذ 15 سنة على الأقل ولم ألاحظ أي إصلاح واضح على هذا المستوى.
قرار8.2: على الوزارة تعريب تدريس العلوم في الابتدائي والإعدادي والثانوي والجامعة أو فرنستها تماما ولا نتركها على حالها معرَّبة في الأساسي فقط (9 سنوات: ابتدائي وإعدادي) ومُفرنَسة في الثانوي والجامعة. يصل التلميذ إلى الثانوي حاملا مصطلحات علمية معرّبة فيجد صعوبةً كبيرةً في فهم المصطلحات الفرنسية التي يتعرض لها في الثانوي. أنا أميل لفَرْنَسَة تدريس العلوم في كل مراحل التعليم من الروضة إلى الجامعة، وذلك لا لضعف حسي العربي وإنما لأن التعريب دون مراجع علمية بالعربية ودون أساتذة متكونين بالعربية ودون مجلات علمية مختصة تنشر إنتاجًا علميًّا عربيًّا خالصًا، هذا النوع المخضرم من التعريب الحالي على الطريقة التونسية، يُعدُّ تجهيلاً وليس تعريبًا، يُعدُّ تفقيرًا لثقافة الأستاذ والتلميذ. كان الأوربيون يدرُسون العلوم عربية الإنتاج في الأندلس بالعربية ولم يروا غضاضة ولا رأوه نقصًا في ثقافتهم حتى نهضوا وأنتجوا عِلمَهم ودوّنوه بلغتهم.
قرار 9.2: على الوزارة برمجة الانتقال التدريجي من تدريس العلوم بالفرنسية إلى تدريسها باللغة الأنڤليزية لما لهذه الأخيرة من ثِقَلٍ علمي اقتصادي ثقافي في العالم. يبدو لي أن عالم الثقافة بالأنڤليزية أرحب ألف مرة من عالم الفركوفونية الذي سجنتنا فيه الهيمنةُ الفرنسية لمدة قرن ونصف من الزمن.

3.    باب النجاح و الامتحانات:
قرار1.3: على الوزارة الأمر بعدم تجاوز 20 تلميذا في كل قسم وفي كل مستويات مراحل التعليم مع العلم أن في سنغافورة, بلد التعليم المتقدم جدا, يصل الفصل الواحد إلى 30 تلميذٍ. لا يكفي أن نغير عاملا واحدا حتى تتحسن المنظومة التربوية كاملة لأن العوامل السببية متداخلة ومتشعبة ومعقدة.
قرار2.3: في المرحلة الانتقالية، على الوزارة إرجاع العمل بـ"الامتحانات-الغرابيل" الثلاثة السيزيام (امتحان نهاية المرحلة الأولى من التعليم الأساسي أو المرحلة الابتدائية) والنوفيام (امتحان نهاية المرحلة الثانية من التعليم الأساسي أو المرحلة الإعدادية) والباكلوريا دون إسعاف بالنجاح لمن لم يتحصل على معدل 10 من 20 في انتظار إلغاء  جميع الامتحانات الوطنية عندما يشتدّ عُودُ الإصلاح التربوي.
قرار3.3: لا يرتقي تلميذ من مستوى أدنى إلى مستوى أعلى إلا إذا كان حاصلا على معدل سنوي 10 على 20 دون إسعاف بالنجاح لمن تحصلوا على 9 من 20. يكفينا إسعافًا, لقد امتلأت مؤسساتنا بالموظفين غير الأكفاء الناجحين بالإسعاف وقريبا نصبح شعبا مُسْعَفًا تضحك من جهله الأمم.
قرار4.3: على الوزارة إلغاء الأسبوع المغلق وترك الحرية للمدرس يبرمج امتحاناته بالاتفاق المسبق مع الزملاء والإدارة.
قرار5.3: على الوزارة السماح للتلميذ بالاستعانة بالوثائق والمستندات خلال امتحانات توظيف المعلومات, مثلا: ما ضرّ لو استعان تلميذ بوثيقة تحتوي على قصائد شعرية في امتحان الإنشاء أو مُستَنَدٍ يذكّره بالقواعد والنظريات في امتحان الرياضيات أو الفيزياء. أما تنشيط الذاكرة وتقييم الحفظ في كل المواد فيكون شفويا وفي السبورة باعتماد مقياس علمي متعدد المهارات وأمام لجنة مكوَّنة من مدرسين اثنين على الأقل لضمان العدل والإنصاف.

إمضائي
و"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 14 جوان 2010.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire