تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 27 نوفمبر 2008.
نذكّر أولا بالحلول التأديبية المطبقة الآن سنة 2010 في تونس: يُحال التلميذ المتهَم بالغش
على مجلس التربية في معهده وإذا تبين بالحجة والدليل أنه قام بالغش في الامتحان، يُرفَت
لمدة تتراوح بين 4 و15 يوم، وفي صورة إعادة الكّرة يمكن أن يُرفت نهائيا من المعهد
مع العلم أن للتلميذ حق الدفاع عن نفسه أمام المجلس، لكن دون محامٍ رغم فداحة
العقوبة التي قد يتعرض إليها.
نطرح الآن بعض
الإشكاليات الموضوعية وبعض الحلول العلمية لظاهرة الغش:
1. الاكتظاظ في
القسم: هل يُعقل أن
نضع 40 تلميذا في قاعة تسع 20 ونطلب من
كل تلميذ أن لا يسرق النظر إلى ورقة زميله؟ هل التلميذ هو المسؤول عن الاكتظاظ في
القسم ؟
ربما يكون من
الأفضل توفير قاعات واسعة لعدد قليل من التلاميذ قبل محاسبتهم علي الغش.
2. طريقة إلقاء
الأسئلة: أنا
أتساءل: ما ضرَّ لو أدخل التلميذ معه ورقة
مكتوبًا عليها أبياتا شعرية في امتحان الإنشاء أو ورقة مكتوبًا عليها بعض القواعد
في امتحان الرياضيات أو الفيزياء؟
ربما يكون من
الأفضل عدم محاسبة التلميذ علي الحفظ في امتحان توظيف المعلومات.
3. مضمون البرنامج أصبح
قديما: لماذا نفرض
على التلميذ برامج قديمة لا تراعي اهتماماته الحالية ومن بعد نحاسبه على حفظها
وفهمها؟
ربما يكون من الأفضل استشارة التلميذ عبر
استفتاء لمعرفة تصوراته وآماله وطموحاته قبل إعداد البرامج المدرسية.
4. المدرسة
السلوكية المنسوبة إلي واتسون وسكينر (Le
béhaviorisme de Watson et Skinner): نعّلم
التلميذ بالتلقين والسؤال والجواب أو الجزاء والعقاب طوال حياته الدراسية ونرسم له مستقبله دون أن يشارك هو في
بنائه. نعامل التلميذ مثل ما يعامل الباحث السيكولوجي الفأر داخل المتاهة حتى أصبح
التلميذ يردد العبارة المشهورة "بضاعتكم ردّت إليكم" ومعه ألف حق فهي
بضاعتنا نفرضها عليه ولم يخترها بنفسه. نجحنا في خلق أجيال تقلّد جيّدا ولا تبادر
أبدا.
ربما يكون من الأفضل تطبيق ما جاءت به المدرسة البنائية المنسوبة إلي بياجي
وفيڤوتسكي (Le constructivisme de Piaget et Vigotsky) الّتي تعلّم التلميذ كيف يتعلم بنفسه خاصّة في عالم الانترنيت
اليوم وعالم الموسوعات حيث يستطيع التلميذ أن يتفوّق على أستاذه في بعض المجالات. "المدرسة
البنائية المنسوبة إلي بياجي وفيڤوتسكي" تُعَلِّمُ التلميذَ المبادرة والاستقلالية عن الأستاذ وتفرض على المربين بجميع أصنافهم اعتبار
التلميذ عقل مستقل يفكّر وينتج وله وجهة نظر محترمة وليس إناءً فارغًا نملؤه بما
نريد أو صفحةً بيضاءَ نَخُطّ عليها ما نشاءُ.
5. بيداغوجيا
الأهداف (PPO : Pédagogie Par Objectif): ترسم الوزارة أهدافها ويحضّر الأستاذ درسه وأهداف برنامجه دون
معرفة مسبقة لتصوّرات التلميذ ويقو م بإنجاز درسه على أحسن ما يرام رغم أنف
التلميذ ويكمل برنامجه. أنا أتساءل: هل أهداف الدرس هي أهداف التلميذ أم أهداف الأستاذ
أم أهداف الوزارة؟
ربما يكون من
الأفضل اعتماد طريقة بيداغوجيا المشروع (Pédagogie de
projet)، مشروع التلميذ لا
مشروع الأستاذ ولا مشروع الوزارة. أقصد مشروع البحث العلمي المشترك بين مادّتين أو
أكثر كالفيزياء وعلوم الحياة والأرض.مشروع يختار موضوعه التلميذ وينجزه التلميذ
داخل فريق بإعانة الأستاذ ويقدمه التلميذ أمام زملائه فلا حاجة إلي حراسة ولا عقاب
فنقضي على الغش وعلى الأنانية من جذورهما فينشأ التلميذ واثقا بنفسه وبالآخرين.
أروي لكم ما شاهدتُ بأمِّ عيني في معهد في نانسي
بفرنسا: رأيتُ فريقا من تلاميذ السنة ثالثة ثانوي يعني عام قبل الباكلوريا يقدّمون
مشروعهم في نهاية السنة مستعملين الوسائل الحديثة وهم يتداولون على أخذ الكلمة على
المنصة، يشرحون تجاربهم، فخِلتهم طلبة المرحلة الثالثة يدافعون عن أطروحتهم! اشتغل
التلامذة على المشروع عاما كاملا مع بعضهم, تبادلوا المعلومات واستشاروا أهل العلم
وقاموا بالتجارب وحدهم في المخبر ووظفوا المعلومات في حلّ مشكل واقعي كـ"تأثير
الأمطار الحامضة على النباتات" مثلا. "بيداغوجيا المشروع" جعلتهم يعدّون
أنفسهم بأنفسهم للبحث العلمي والعمل مع الآخرين.
خلاصة
القول
للغش حلولٌ
علميةٌ يتغافلُ عنها المسئولون والمربّون ولا يطبّقون إلا الحلول التأديبية على التلميذ
وهو الذي يمثّلُ أضعف حلقة في سلسلة المسئولين
على الغش في الامتحانات. أقِرُّ أن التلميذَ مسئولٌ نسبيًّا على عملية الغش ويجب
تأديبه لأن غيابَ التأديبِ فيه سوءُ
تهذيبٍ (L’absence d’autorité est une forme
de maltraitance).
لكن عندما لا تطبقُ الوزارة الحلولَ العلميةَ وتكتفي بالعقابِ يصبحُ
التلميذُ ضحيةً بعد ما كان مسئولاً.
إمضائي
و"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ"
جبران
Aimer, c`est agir. Victor Hugo
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire