dimanche 7 octobre 2018

موقفٌ إنسانيٌّ وعِلميٌّ مِن ظاهرةِ تعنيفِ التلاميذِ من قِبلِ المدرّسينَ. مواطن العالَم محمد كشكار، دكتور في تعلّميّة البيولوجيا، دراسة مشتركة وإشراف مشترك بين جامعة تونس وجامعة كلود برنار، ليون 1، فرنسا، 2007



أعي جيدا أن بعض زملائي المدرّسين (ابتدائي، إعدادي، ثانوي وعالٍ) يتعرضون أيضا إلى ظاهرة العنف اليومي من قِبل بعض التلاميذ أو بعض الأولياء، لكنني - منهجيا - اخترتُ اليوم أن أتناول ظاهرة تعنيف التلاميذ من قِبل المدرسين:
أولاً، العنفُ لا يُعالجُ بالعنفِ والخطأُ لا يُصلحُ بخطأٍ أفظعَ منه.
À un mauvais discours, on répond par un bon discours et non par la violence

ثانيًا، لو ارتكبَ تلميذٌ خطأً سلوكيًّا (عنف لفظي أو مادّي ضد زميله أو ضد أستاذه) فالشيء من مأتاه لا يُستغرَبُ، مراهقٌ في طورِ النموِّ الجسديِّ والذهنيِّ، ناقصُ رعايةٍ وناقصُ ثقافةٍ والمسئول عن هذا النقصِ هُمُ الكهولُ، أولياءٌ ومدرّسونَ. لكن لو ارتكبَ مدرِّسٌ خطأً سلوكيًّا (عنف لفظي أو مادّي ضد تلميذه) فالشيء من مأتاه يُستغرَبُ ويُستغرَبُ ويُستغرَبُ، كهلٌ عاقلٌ، صاحبُ شهادةٍ جامعيةٍ وصاحبُ رسالةٍ إنسانيةٍ نبيلةٍ.

ثالثًا، يبدو لي أن التجاء المدرس لتعنيف التلميذ هو أكبر دليل على فشله البيداغوجي في تبليغ رسالته. وفاقد الشيء لا يعطيه في هذه الحالة، أعني أن المدرّس (ابتدائي، إعدادي، ثانوي وعالٍ) لم يدرُس جامعيًّا البيداغوجيا (كيفية التدريس) ولا التعلميّة (كيفية تقبّل المعرفة من قِبل التلميذ). أنا لا أعتبر الندوات البيداغوجية التكوينية في مراكز التكوين الجهوية تحت إشراف المتفقدين، لا أعتبرها تكوينًا أكاديميًّا كافيًا لأن المتفقد نفسه لم يدرُس جامعيًّا البيداغوجيا ولا التعلمية ولا علم التقييم ولا علم نفس الطفل ولا علم التواصل إلا ما ندر ويصح على المتفقد ما يصح على المدرس: "فاقد الشيء لا يعطيه". ماذا بقي إذن للمعلم غير الاجتهاد الذاتي؟ بقي له - للأسف الشديد - سلاح العنف لكي "يسيطر" على قسمه.

رابعًا، هذا الموقف الذي ارتأيتُه أنا شخصيًّا من ظاهرة تعنيف التلاميذ من قِبل المدرسين، لا يعني البتة أن المدرس لا يخطئ وأنا أقِرّ أنني أخطأتُ عديد المرات في حق تلاميذي السابقين وبهذه المناسبة أطلبُ منهم العفوَ صاغرًا، لكن لم يمنعني ذنبي من تدارك نفسي ومحاولة إصلاح أخطائي ولم يمنعني أيضا من إدانة ظاهرة تعنيف التلميذ من قِبل المدرس (أدين أيضًا تعنيف المدرس من قِبل التلاميذ أو الأولياء)، أدينها إدانةً شديدةً لأنها تتنافى مع قداسة الحرمة الجسدية للإنسان (خاصة الطفل لأنه يمثل الحلقة الأضعف بدنيًّا وذهنيًّا وللأسف قانونيًّا أيضًا). يردّ بعض المدرسين مبرّرين العنفَ بقولهم: "وكيف نسيطر على قسم فيه ثلاثون تلميذٍ يشوّش؟" من طبيعة التلميذ أن يشوّش لكن من غير الطبيعي أن نعاقبهُ بالضربِ. ما هي الحلول إذن للسيطرة على القسم؟ لا توجد وصفاتٌ جاهزةٌ أقدّمها لكم! لا أملِكُ إلا اجتهاديَ الشخصيَّ المحدودَ: المدرسُ ليس مُطالَبًا بالسيطرة على القسم كما يفهم السيطرةَ بعض المربين. أضيفُ، قَبل البحث عن الحلول والبدائل، علينا الاتفاقُ على تجريمِ العنفِ وتحريمِه بكل وضوح، وهذا ما كنتُ أقوله لزملائي الذين يبدئون بتعنيف التلميذ وعندما يردّ التلميذ عنفًا بعنفٍ، يكتبون فيه تقريرًا مطالبين بتأديبه، كنتُ أقول للبعض منهم: "يا زميلي العزيز، لو بدأتَ أنتَ بالاعتداء على تلميذٍ، يسقط حقك في تأديبِه حتى لو ردّ عنفَك بعنفٍ أشنعَ، بل يصبح من واجبك الاعتذار للتلميذ والولي وللأسرة التربوية عموما، وعليك أن تَخْفِضَ لهم جميعا جناح الذل من الرحمةِ لعلك تشتري نفسَكَ وتستفيدَ من خطئك ولا تكرّرَه أبدا".

خامسًا ، وهذه حجة علمية ضد  ظاهرة تعنيف التلاميذ من قِبل المدرسين: يبدو لي أن جل مدرّسينا (ابتدائي، إعدادي، ثانوي وعالٍ) لا يُدركون أن للتلميذِ ميولاتٍ عاطفيةٍ يجب مراعاتها في القسم، ليس استجابةً للأخلاق النبيلة فقط وهذا سلوكٌ محمودٌ في حد ذاته، وإنما اعترافًا علميًّا صريحًا بدورِ العاطفةِ في تسهيلِ عمليةِ تقبُّلِ العلمِ. لو عامَلْنا التلميذَ بلطفٍ فستشتغلُ في مخه مراكزٌ عصبيةٌ تُسهّل عملية استيعابه للمعلومات الجديدة، ولو عامَلْناه بقسوةٍ فستشتغل في مخه مراكزٌ عصبيةٌ تُعطِّلُ عملية استيعابه للمعلومات الجديدة.

سادسًا ، وهذه حجة علمية أهمْ ضد  ظاهرة تعنيف التلاميذ من قِبل المدرسين: تتمثل رسالة المدرّس أساسًا في إعانةِ التلميذِ على تجاوُزِ العوائقِ (Les obstacles) ومنها العوائق الإبستمولوجية (المعرفية) والنفسية (عُقَد نفسية وأمراض عضوية غير ظاهرة للمدرّس أو لم يسمع بها تمامًا لنقصٍ في تكوينِه العلميِّ، مثل Dyslexie) والتعلمية (المضافة من قِبل المدرس نفسه كتحقير التلميذ أو شتمه أو تعنيفه رمزيًّا أو لفظيًّا أو بدنيًّا).  


خاتمة: نحن المدرّسون، جئنا رحمةً للتلميذِ، زملائي أبوسُ نِعالَكم قبل أيادِيكم، لا تشوّهوا رسالتَنا النبيلةَ وتجعلوها نقمةً عليكم وعليه، والله المستعان.

NB : Dyslexie : Difficulté d'apprentissage de la lecture et de l'orthographe, en dehors de toute déficience intellectuelle et sensorielle, et de tout trouble psychiatrique.

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الأحد 2 مارس 2014.
محَيّنٌ بتاريخ 7 أكتوبر 2018.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire