vendredi 26 octobre 2018

أدعو إلى تدريس الطب الوقائي أربع سنوات في الثانوي. مواطن العالَم د. محمد كشكار



أوحَى إليّ بهذا المقال المقتضب قصدا، نقاشٌ علميٌّ من أعلى المستويات حضرته البارحة بمدرج ابن الجزار بمعهد باستور بتونس العاصمة بمناسبة مناقشة شهادة الكفاءة للإشراف على البحوث (Habilitation à diriger les recherches) لصديقتي (Amie du 3e cycle) وزميلتي سعيدة عروة (Maître de conf de didactique de la biologie à la fac des sciences Tunis) تحت إشراف صديقي (Ami du secondaire) ومدير أطروحتي السابق سالم عباس (Prof des Universités et chercheur à l`institut pasteur Tunis ).

أقترح عنوان أول درس في هذه المادة العلمية المحتملة: "علاقة الطبيب بالمريض،" وأبدأ بتعريف مفهوم علمي مُحدَث (انظر الصورة تحت المقال) اسمه "المثلث العلاجي" (Le triangle thérapeutique par analogie avec ses deux cousins le triangle pédagogique et le triangle didactique)، مثلث يجمع ويربط بين الطبيب والمريض وعلم الطب.
سأحاول تفكيك وتحليل الأضلع الثلاثة لــ"المثلث العلاجي":
1.     الضلع الذي يربط بين الطبيب والمريض:
-         يحمل الطبيب علما لكنه لا يحسن تبليغه إلى المريض لأنه لم يتعلم أكاديميا وسائل التبليغ وهي إبستمولوجيا الطب وبيداغوجيا الطب وديداكتيك الطب وعلم النفس المريضة.
-         يتعامل الطبيب المختص مع جسم المريض كما يتعامل الميكانيكي المختص مع أجزاء محرك سيارة ويعالج كل عضو على حِدَه.
-         الطبيب تلقّى تكوينا طبيا غربيا أحادي المقاربة فهو إذن يتعالى على المقاربات الأخرى عن جهل. لم يدرس المقاربة الصينية مثلا كالوخز بالإبر.
-         الطبيب لا يسمع المريضَ ويحتقر تكوين المريضِ العلمي مهما علا ولا يعرف أن للمريض دراية واسعة بمرضه. معرفة اكتسبها غصبا عنه من معاشرته لمرضه المزمن وتُسمى في الغرب "معرفة المريض بمرضه" (Le savoir du malade)، معرفة لا يمكن أن يمتلكها الطبيب حتى لو درس في أرقى الجامعات الأمريكية لأن معاناة المرض حالة خاصة وفريدة من نوعها ولا يمكن أن تتكرر بصفة مماثلة عند اثنين في العالم لذلك يقول المثل الشعبي "اسأل مجرب ولا تسأل طبيب". خذ مثلا مريض سرطان عايش وعاشر مرضه خلال عشرين سنة، يعرف أوقات صعوده وأوقات سباته دقيقة دقيقة. هل عايش طبيب السرطان مرض السرطان كمريض السرطان؟ طبعا لا! هذا لا يعني أن مريض السرطان بتجربته الذاتية قد أصبح قادرا على معالجة نفسه بنفسه لكن معرفته التجريبية بمرض السرطان تكمّل معرفة الطبيب النظرية بنفس المرض.
-         المريض كالغريق الذي يتعلق في قشة لذلك يسلم أمر مرضه للطبيب وهو منهار جسديا ونفسيا ويثق فيه ثقة عمياء، ثقة قد لا تكون في محلها خاصة مع الأطباء التجار الجشعين. يسمع تعليمات الطبيب ويقتنع بها بسرعة البرق ويطبقها بآلية عمياء دون احتياط ولو باستشارة طبيب آخر. وإذا عارض وكفر وتكلم فطبيبه يحتقره ولا يسمعه وفي بعض الأحيان ينهره ويُسكته. ومن أين له "المسكين" أن يناقش وهو لم يتلقّ علما في هذا المجال المحرّم على غير الأطباء؟ لذلك أنا أدعو إلى تدريس الطب الوقائي أربع سنوات في الثانوي لكل الشعب العلمية والأدبية حتى يتسنى للمريض مقاومة جشع بعض الأطباء والتوقّي ضد أخطائهم وهي للأسف كثيرة وكبيرة.
-         بعد الزيارة في العيادة لا يسأل الطبيب عن مريضه ولا يتابعه ولا يرسم له منحنى تطوُّر المرض بل يكتفي بالطلب المبالغ فيه لكشوفات طبية (Les examens médicaux) تثقل ماديا كاهل المريض وقد لا يحتاجها الطبيب للتشخيص، يبدو لي أن بعضهم يطلبها فقط لتوفير الربح لمخابر التحليل والأشعة التي يملكها هو أو زملاؤه أو شركاؤه وإن بعض الظن إثمٌ.

2.     الضلع الذي يربط بين المريض وعلم الطب:
ليس للمريض عموما أي تكوين في علم الطب وهو العلم الوحيد الحياتي (Vital) الذي بدونه، لا ولن يستطيع أن يعيش إنسان القرن الواحد والعشرين في صحة جيدة. يستطيع الإنسان أن يستغني في حياته اليومية الخاصة عن تعلّم علوم الرياضيات والفيزياء والكيمياء وعلوم الحياة والأرض لكنه يحتاج دوما لعلم الطب وإن لم يكن لنفسه فلوالديه وأولاده. فلماذا إذن نملأ دماغه بعلوم معقدة قد لا يحتاجها ونهمل عن نية سيئة مبيّتة تكوينه في علم الطب الوقائي الذي سيحتاجه مؤكدا وقد يجنّبه عديد الأمراض قبل وقوعها فيخفف عنه مصاريف علاج قد تذهب بثلث مرتبه في جيوب أصحاب العيادات والمصحات الخاصة؟

3.     الضلع الذي يربط بين الطبيب وعلم الطب:
يبدو لي أن الطبيب التونسي لم يدرس في كلية الطب إبستمولوجيا الطب  (طبيبة متخرّجة سنة 2018 أسرّت لي بكل براءة وعفوية أنها لم تسمع بكلمة إبستمولوجيا خلال دراستها بكلية الطب بتونس العاصمة)، لذلك لا نراه عادة يطرح على نفسه التساؤلات الإبستمولوجية التالية:
-         لماذا لا يتناول المريض نصف الأدوية الموصوفة ويرميها في سلة المهملات؟
-         لماذا لا يعود المريض بمرض مزمن لنفس الطبيب؟
-         لماذا يلتجئ مريضه إلى أطباء آخرين وقد يفضل عليه في بعض الحالات مشعوذا بثمن مضاعف؟
-         لماذا لا يتعالج كبار المسئولين والأغنياء والمتقاعدين المقيمين من عمالنا بالخارج في تونس ويسافرون للخارج من أجل علاج أبسط الأمراض؟
-         كيف يكون طبيبا ويحيّن معلوماته ويطورها وهو لا يشارك إلا نادرا في مؤتمرات طبية ولا يكتب مقالات علمية حول سيرته الطبية أو حول مرض مريض يتابعه؟

إمضاء
لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة والبراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى، وعلى كل مقال قد يبدو لكم ناقصا أو سيئا نرد بمقال كامل أو جيد، لا بالعنف اللفظي.

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الثلاثاء 16  جوان 2015.






Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire