dimanche 22 septembre 2013

سيناريو خيالي لمستقبل تونس، أتمنى من كل قلبي أن لا يتحقق! مواطن العالم د. محمد كشكار


سيناريو خيالي لمستقبل تونس، أتمنى من كل قلبي أن لا يتحقق! مواطن العالم د. محمد كشكار

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 3 مارس 2012.

أنا أعي جيدا أن السيناريو الذي أطرحه في هذا المقال يمثل صيحة فزع، و هو سيناريو ظرفي انطباعي افتراضي متشائم جدا، لكنني في الوقت نفسه أتمنى من كل قلبي أن يكذّبني تاريخ الشعب التونسي الوَسَطِي و لا يتحقق هذا السيناريو الذي لا أرضاه لشعب أراد الحياة و بقدرة الله لن يخذله القدر.

اختارت أمريكا - و هذا ليس صدفة أو تكتيكا عابر، بل إستراتيجية هدّامة مبيّتة و مبرمجة و مقصودة عن وعي تام و عدوانية موجهة ضد عدو مستقبلي محتمل و قوي بالقوة (بالمعنى الفلسفي للكلمة الأخيرة) - أكبر نظامين رجعيين قروسطيين بالمقياس الزمني الأوروبي و ليس بالمقياس العربي لأن العصور الأوروبية المظلمة في القرون الوسطى تزامنت مع الفترة الذهبية في الحضارة الإسلامية العبّاسية. اختارت الملعونة نظامين متخلفين مَلَكيين شموليين لا يرتقيان إلى مستوى الدولة الحديثة و تغيب فيهما تماما المؤسسات الضامنة للديمقراطية و استمرارها مثل الانتخابات الحرة النزيهة الشفافة، و المنظمات غير الحكومية المحايدة، و مكونات المجتمع المدني من نقابات و جمعيات حقوقية، و فصل السلطات الثلاث، و قضاء مستقل، و إعلام حر، و إبداع فكري و فني، و تعليم حديث، و بحث علمي منتج للمعرفة، و تطبيق حقوق الإنسان التربوية و الصحية و الاجتماعية، و ضمان حقوق المرأة و مساواتها مع الرجل حتى و لو لم تتساو معه حاليا في الواجبات و القدرات و الكفاءات، و تعددية حزبية فعلية ليست ديكورية. مجتمعان متصحّران أجدبان قاحلان، خاليان من المثقفين غير الانتهازيين و المفكرين غير المأجورين و الفلاسفة و الفنانين و المبدعين الأحرار المستقلين.

أنا، لا يخيفني أبناء جلدتي و أبناء بلدي تونس ما داموا على حالهم مستقلين، و لبلدهم مخلصين مهما اختلفت أيديولوجياتهم أو اعتقاداتهم أو مذاهبهم و مشاربهم، أبناء بلدي، هم أصدقائي و أقاربي و مواطنيّ، سواء كانوا إسلاميين أو يساريين أو قوميين أو ليبراليين أو سلفيين مسالمين. لا يخيفني العَلمانيون اليساريون النقابيون القاعديون غير الانتهازيين، فهم رفاق دربي الذين ناضلت معهم طوال 37 سنة في النقابات الجهوية و الأساسية للتعليم الثانوي، و الذين جرّبتهم في أوقات الشدة و خبرت معدنهم الصافي و لمست وطنيتهم و صدقهم و نزاهتهم و ثوريتهم، خاصة في الفترة الحاسمة بين 17 ديسمبر 2010 و 14 جانفي 2011. و لا يخيفني أيضا - عكس جل اليساريين - المتعاطفون مع حزب حركة النهضة من المسلمين  الوَسَطِيين الحداثيين، فمنهم ابنتي الغالية عبير و أبناء و بنات أخواتي الأعزاء و العزيزات و أصدقائي و أقاربي من الإسلاميين السياسيين، نخبة تمثل فكر أغلبية المواطنين التونسيين، منهم الذين عاشرتهم في حياتي عن قرب و تبادلت معهم و لا زلت حرية التفكير و النقاش و قبول الرأي و الرأي المعاكس، و لن أنسى أيضا الإسلاميين الذين لم أعرفهم إلا من خلال إنتاجهم الفكري أو محاضراتهم التلفزية و المباشرة مثل الفيلسوف أبو يعرب المرزوقي و أستاذ الفلسفة راشد الغنوشي اللذان أرى فيهما - باعتبار تكوينهما الفلسفي العَلماني الحديث - ضمانة فكرية محتملة و لقاحا مجازيا ضد الانزلاقات النظرية و الفكرية التي يقع فيها يوميا بعض النهضاويين من الإطارات العليا و الوسطى و الدنيا.

تحالفت أمريكا مع قطر و السعودية منذ أن بنت لهما مجدا و أقامت لهما شبه دولتين أو إمارتين و انفردت بهما و هيمنت عليهما كليا دون منازع أو منافس. استحوذت على ثرواتهما النفطية و تركت لهما حرية إدارة شؤونهما الدينية الداخلية ما دامت هذه الحرية الشكلية المزيفة لا تمس بمصلحتها الاقتصادية و لا تهدد أمن حليفتها الأولى إسرائيل. أطلقت لهما العنان أن يتطرّفا دينيا كما يشاءان ما دام خراجهما الاقتصادي يصبّ في الخزائن الأمريكية  دون فائض.

سعت أمريكا و خطّطت و شرعت في الإنجاز منذ عشر سنوات أو أكثر (منذ إنشاء القنوات الفضائية الأربعة العالمية العميلة الناطقة بالعربية و المعادية للعرب المسلمين و المسيحيين، الجزيرة و العربية و الـ"ب. ب. س." و "فرانس 24") لضرب مؤسسات الدولة العربية الحديثة الناشئة. بدأت بالعراق منذ احتلالها في 2003، غزتها باسم الديمقراطية و الإطاحة بديكتاتورية صدام، و وعد الغاصب المحتل بواسطة خدعة حربية مشروعة في عرف السياسيين و اللوم لا يقع على المستفيد الأمريكي بل يُوجّه للمستهدف العربي الذي إن لُدِغَ من أمريكا مرّة فتبّا لها و إن لُدِغَ منها مرّتين فتبّا له و ألف تبة، و يا لجهلنا أو ضعفنا أو اختراقنا نحن العرب فقد لَدِغنا و لُسِعنا من أمريكا ألف مرّة و لم نَتُبْ و لم نفق حتى الآن.

تلاقت مصالح أمريكا ظرفيا مع مصالح العرب في ربيع العرب حيث أُجهضت و سُرقت ثورة العرب.

حسب معيار و تقدير الأمريكان، فإنهم يرون أن النموذجين، القطري و السعودي، نموذجان ناجحان فقرّروا تصديرهما و تعميم "فائدتهما" على جميع البلدان العربية الأخرى دون استثناء. لا أحد ينكر أن كل الأنظمة العربية الحاكمة في الدول العربية الأخرى، أنظمة غير شرعية و ديكتاتورية، فأمريكا،هي التي بيدها الآثمة أرستهم و سلّحتهم ضدنا و ساندتهم إلى آخر دقيقة من حياتهم، و هي التي في آن معا لفظتهم لفظ النواة بعد ما استنفذت لبّهم و امتصت رحيقهم، ليس حبا فينا و إنما لغاية في نفس العم سام، بعد ما ساهمت في انحسار مردود هذه الأنظمة المنصّبة في سوق العمالة و النخاسة.

لنبدأ بقراءة ما فات قبل استشراف ما هو آت، دخلت أمريكا العراق، أشعلت فيه حربا أهلية دينية طائفية سنّية شيعية أودت بأرواح الملايين من الأبرياء و شرّدت الملايين في المنافي القسرية خارج الوطن و فقّرت الملايين في عقر دارهم و لوّثت البيئة العراقية نوويا و لم ينج من هذا التلوث تربتها و لا جوها و لا بحرها و لا شريانيها النابضين دجلة و الفرات، و يتّمت أو قتلت أو جوّعت ملايين الأطفال و أعاقت و شوّهت عمدا الملايين الباقين. بربّكم يا عرب، يا ثوريون، اسمعوا هذه الصرخة المدوّية في واديكم: هل هذه حصيلة نتمناها لشعوبنا في تونس و مصر و سوريا و اليمن و ليبيا؟ بربّكم يا أصحاب السلطةّ "الثوريين"، يا إسلاميين و سلفيين، هل هذا حليف نأتمنه على مستقبل أولادنا و بلادنا؟ طبعا لا و ألف لا يا إسلاميين تونسيين و مصريين و يمنيين و ليبيين و سوريين و يا أمريكيين و يا قَطَريين و يا سعوديين.

نأتي الآن إلى بيت القصيد، إلى السيناريو المتشائم المحتمل في تونس: تونس بلد متجانس دينيا و عرقيا و مذهبيا، 99 بالمائة من شعبها مسلم عربي و ينتمي إلى المذهب السلفي المالكي التونسي الوَسَطِي. كيف إذن ستثير فيه أمريكا فتنة طائفية و حربا أهلية دينية مثلما فعلت في العراق و أفغانستان و الباكستان و الصومال و فلسطين و لبنان و السودان؟

جوابي الانطباعي الافتراضي:
تسمح أمريكا الشمالية لإمارة قطر و تحثها على مساندة حزب حركة النهضة الحاكم في تونس و تقويته ماديا و تدعيمه سياسيا و في نفس الوقت تسمح للمملكة السعودية أن تساند و تدعم و تسلّح السلفيين الجهاديين كما سلّحت و بأوامر أمريكية عن بعد طالبان أفغانستان ، و السعودية هي أول مَن تخلت عنهم جبنا و خيانة و غدرا عندما نبذهم أسيادها الأمريكان. تسعى السعودية لأخذ نصيبها من كعكة الثورة العربية المسروقة مثلها مثل منافسيها قطر و أمريكا و أوروبا و تركيا، تخلق السعودية من عدم مذهبا سلفيا منافسا للمذهب المالكي في تونس فتشق التناغم الديني و تهدم الانسجام الاجتماعي المذهبي التاريخي في تونس. مع العلم أن السلفيين لا يتبعون أي مذهب من المذاهب السنّية الأربعة المعروفة لكنهم يحترمون الأئمة الأربعة مع تفضيل و ميل صريح إلى الإمام أحمد بن حنبل و خاصة إلى عبد الوهاب جد الوهابيين السعوديين الذي يقول عنه السلفيون أنه حنبلي المذهب، سلفي العقيدة. هذا التمييز يخدم مآرب السعودية العقائدية في نشر مذهبهم الحنبلي الأقلّي بين المذاهب الأربعة السائدة في العالم الإسلامي السنّي.

و بعد سنوات معدودات، قد يصبح نهضاويو السلطة قََطَريون بحكم الولاء و يصبح سلفيونا سعوديين بحكم الانتماء و يفقد الاثنان وطنيتهما، يتغوّل الطرفان و تذبل جميع الأطراف الأخرى من قوميين و يساريين و ليبراليين. يتخاصم الصديقان اللدودان على اقتسام السلطة في البلاد، كل طرف بسلاح حليفه، يتقاتلان و نذهب نحن في خبر كان و نقول يا ليته ما كان و ينوح معنا شرفاء الإخوان و يندمون على تزكية حزبهم في محالفته لقطر و الأمريكان و يعود السلفيون إلى لباسهم القديم فيجدونه قد ضاق عنهم و ما برح على مقاسهم القديم التونسي الجميل الرقيق و الأصيل.

إضافة هامة لمقالي أعلاه. مواطن العالم د. محمد كشكار
  في السيناريو الاستشرافي المعروض أعلاه، نسيت عاملا دينيا مذهبيا مهما، و هو أحد المكونات الأساسية في النسيج الاجتماعي الديني التونسي و المصري، ألا و هو المذهب أو الاتجاه الصوفي. مذهب متجذر في مجتمعاتنا العربية، خاصة الشرقية منها و الغربية كمصر و السودان و ليبيا و تونس و الجزائر و موريتانيا و المغرب الأقصى و الدول الإفريقية السوداء المجاورة كالسنغال و مالي. مذهب، يعدّ مريدوه الشعبيون المنضبطون جدا بالملايين و يُعتبر منظّروه و مثقفوه من ذوي المستويات العليا في الإنتاج الفلسفي اللاهوتي و تنظيمه على شكل تنظيم عالمي هرمي محكم جدا و شبه علني أو شبه سري لكنه تنظيم موازي لتنظيمات المجتمع المدني. يناصب السلفيون العلميون منهم و الجهاديون العداء الواضح للمذهب الصوفي و يتهمون أتباعه البسطاء بذبح القرابين لغير الله و ينكرون عليهم تقديسهم للأولياء الصالحين. بناء على هذا التحليل المختصر، قد يحدث صداما مسلحا بين الصوفيين و السلفيين في تونس و مصر إن أصرّ هؤلاء الأخيرين على نشر مذهبهم المستورد بقوة التمويل السعودي على حساب مذهب ضارب في تاريخ النسيج الاجتماعي حتى و لو كنت أعيب علي بعض أتباع الصوفية من البسطاء ما يعيبه عليهم السلفيون من طُرقية مشهدية - تبدو لي مفرَغة من القيم الإسلامية - و شعوذة و دجل و بعض مخلّفات الوثنية و تقديس - يبدو لي أنه  لغير الله - لكنني أختلف مع السلفيين اختلافا جذريا عندما يتعلق الأمر بتراث الصوفية الفلسفي التجريدي الراقي الحضاري السلمي المسالم الحالم الذائب في حب الله و حب الناس و حب الخير و الزاهد في السلطة الدنيوية و الملذات المادية، أشارك فلاسفة الصوفية حلمهم و أطمح للوصول إلى نقاوتهم و صدقهم و ورعهم و تقواهم و علوّ همتهم و زهدهم و قربهم من الروحانيات و بعدهم عن الماديات.   

إمضائي المختصر
لا أحد مُجبر على التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرّر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن أن يتكلم بلسان المجتمع، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه من أجل بناء أفراده الذاتي لتصورات علمية مكان تصوراتهم غير العلمية و على كل سلوك غير حضاري نرد بسلوك حضاري و على كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف اللفظي أو المادي أو الرمزي.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire