samedi 14 septembre 2013

ثورة 14 جانفي التونسية: هل هي إنجاز فعلي أو مجرد إنجاز رمزي؟ مواطن العالم د. محمد كشكار

ثورة 14 جانفي التونسية: هل هي إنجاز فعلي أو مجرد إنجاز رمزي؟ مواطن العالم د. محمد كشكار

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 30 أفريل 2012.

يظن كل اللذين شاركوا في الثورة التونسية أنهم أنجزوا إنجازا عظيما عند ما أجبروا رئيس النظام بن علي على الهروب هو و عائلته المضيقة إلى السعودية! نعم، هو إنجاز عظيم، لكنه عظيم برمزيته لا بتأثيره في تغيير الواقع المعيش للمواطن التونسي، هذا الواقع المرّ الذي لم يتزحزح على المستوى الاجتماعي و الاقتصادي و الصحي و الثقافي، لم يتزحزح قيد أنملة إلى الأمام بل تراجع خطوات و خطوات، خطوات لا يعلم عاقبتها إلا الله.

أطحنا برأس النظام و لم نُسقِط النظام، و الدليل القاطع على وجاهة هذا التحليل هو أن أركان النظام القديم ما زالت - بعد الثورة - تمارس الحكم و تتشبث بامتيازاتها التي اكتسبتها على حساب الشعب في ظل "دكتاتورية" بورقيبة و "فاشية" بن علي. لا زالت تتآمر على الدولة و الشعب مستعينة بقوى أوروبية، و عن وعي بما أقول، لم أقل تتآمر على حكومة النهضة لأن مصلحة تونس أهم من مصلحة حزب مهما جمع من أصوات في الانتخابات. لكن الخطأ لا يُعالج بخطأ أفدح منه! فمن أجل مجابهة قوى الردة و الثورة المضادة التجمعية، تحالف حزب النهضة  خارجيا مع  ثلاثة أنظمة، الواحد منها أفسد من الآخر: تحالف أو فُرض عليه التحالف مع نظام أمريكا الشمالية، أكبر نظام محترف في إرهاب الدولة و قمع الشعوب، خاصة العربية و الإسلامية منها، تحالف مع فاقد الشيء الذي لا يمكن أن يعطيه، تحالف مع قطر، أصغر دولة و أكبر فاقد للديمقراطية في الأرض، تحالف أيضا مع السعودية أكبر دولة رجعية في المعمورة. فهل ننتظر العسل من أعشاش هذه الدبابير الثلاثة (أمريكا و قطر و السعودية)؟ و قد حذرنا رسولنا الكريم صلى الله عليه و سلم منذ خمسة عشر قرنا بقوله: "لا يُلدغ المؤمن من الجحر مرتين"، و نحن لُدِغنَا و لُسِعنَا و ضُرِبنَا و أُهِنَّا و شُرِّدنَا و هُجِّرنَا و قُتِّلنَا و جُوِّعنا من قبل أمريكا مليون مرة و لم نتعظ. فهل نحن حقا مؤمنون؟ أشك، و الله العظيم، أشك حتى و إن كان ليس لي حق في هذا الشك.

بكل صدق و احترام و إخلاص على قدر المستطاع و دون خلفيات إيديولوجية، أنصح الخصمين، النهضاويين و التجمعيين، و أقول لهما: واهم من يعتقد أنه يستطيع النهوض ببلده دون التحالف و التوافق مع القوى الداخلية، الحية و الفاعلة في البلاد، العمال بالفكر و الساعد و المثقفون و الكتّاب و المبدعون و الفنانون و المستثمرون المحليون و صغار التجار و الفلاحين و رجال الدين المستنيرون غير المتزمتين و غير المتعصبين و غير العنيفين لفظيا أو ماديا.

يبدو لي أن كل تحالف تقيمه مع الغرب جهة حزبية تونسية موالية أو معارضة هو اتفاق بين حليفين غير نِدّين، و ماذا ننتظر من تحالف ميزانه مختل منذ البدء؟ هل تتحالف معنا أمريكا مثلا لسواد أعيننا؟ طبعا، لا! لا يمكن أن يثمر التحالف الذي يقع بين قَويّ و ضعيف إلا زيادة قوة القويّ و مضاعفة ضعف الضعيف. لذلك هل من الأفضل إذن أن يتحالف الضعيف مع ضعيف مثله؟ لا، طبعا! ما الحل إذن؟ و الضعيف مجبور على التحالف مع القويّ أملا في امتلاك شيء من أسباب قوة هذا الأخير.

سأعطي مثالا، قد يبدو بعيدا عن السياسة لكنه مبشر بحل: إذا أراد شخص تكوين شركة استثمارية برأس مال كبير (مثلا 200 مليون دينار تونسي) و إذا اختار شريكا دون تمهل و تربص و تفكير، فسيختار الحل الأسهل و المريح، سيختار مليارديرا أغنى منه بمئات المرات، يدفع هذا الأخير 90 في المائة من رأس مال الشركة و يستحوذ بالأغلبية الديمقراطية على رئاسة مجلس إدارة الشركة و يسطّر سياستها دون الرجوع للشريك الضعيف و استشارته. بهذا الصنيع، وقع هذا الشخص في شر أحلام اليقظة بالربح السريع و أصبح في أحسن الحالات بمثابة الخادم المطيع لتنفيذ سياسة و أوامر شريكه الذي تحول إلى رئيسه و ولي نعمته. كان من الأفضل، إذن، أن يتروى صديقنا هذا و يتبصّر و يختار مليارديرا  طبعا، لكن يشترط على هذا الأخير شراكة بالنصف حتى يضمن التعامل معه معاملة الند للند. على صاحبنا هذا أن لا يطمع في ثروة غيره و جاه غيره و قوة غيره و عليه الاعتماد على قواه الذاتية مهما كانت ضعيفة، فالقَوي لم يُولد قويا و الذكي لم يُولد ذكيا، و القوة مكتسبة و الذكاء مكتسب، الاثنان يُكتسبان بالجد و الكد و العمل و المثابرة و الثقة بالله أولا و بالنفس ثانيا. عليه أن لا يطمع في تنمية ثروته بأدوات غيره فيفقد ثروته لصالح إنماء ثروة غيره. و هذا ما وقع بالضبط لكل الدول الضعيفة التي تحالفت مع أمريكا كالدول العربية، فأمريكا تزداد كل يوم قوة بالمال العربي و حليفاتها من الدول العربية تزداد كل يوم فقرا و مرضا و جهلا و ذلا و مهانة و خيانة لشعوبها جراء تحالفها غير المتوازن مع عدوها الأمريكي - الصهيوني. أما إيران و تركيا و ماليزيا فقد اختاروا صعود الجبال ("و من لم يرم صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر"  كما قال شاعرنا العظيم أبو القاسم الشابي)، و عوّلوا على طاقاتهم المحلية و قواهم الذاتية و تحالفوا مع الغرب تحالفا ذكيا غير مُذِلَِ فاستطاعوا أن يبنوا علما و صناعة و يحققوا عزة و مناعة في ظرف 40 عاما فقط.

لسنا ضعفاء أو عاجزين أو متسولين، لنا همة و كرامة و ثروة يبحث عنها الغرب و للغرب نفوذ و علم و تجربة نسعى لاكتسابهم بعرقنا لا بتملقنا.

نحن شركاء لا أجراء، نحن مستقلين منذ سنة 1956، نشارك بعمالنا المهرة و بأدمغة مهندسينا الأكفاء  و يشارك الغرب برأسماله و تكنولوجيته، على شرط أن نكون شريكين متساويين في رأس المال، لا تابع و لا متبوع. يستفيد الغرب من ذكائنا و ثروتنا البشرية و نستفيد نحن من علمه و تقدمه و ثروته الاقتصادية.

علينا أن لا نعيد الأخطاء الجسيمة التي وقع فيها "سلفنا الطالح" الحديث و "الحداثي" من عبد الناصر إلى بومدين و بورقيبة و صدام و الأسد و مبارك و النميري و البشير و صالح و القذافي و بوتفليقة و بن علي و الملك الحسن و الملك الحسين، إلى آخر التابعين للرأسمالية أو المتاجرين بالدين أمثال القطريين و الوهابيين، و علينا في المستقبل تجنب أخطاء الإسلاميين "الثوريين"، الحلفاء الحاليين للسعودية و قطر، أو علينا على الأقل فصل إسلاميينا المناضلين الصادقين المدنيين المستنيرين الحداثيين عن إسلامييهم الخليجيين و الوهابيين المتخلفين الرجعيين المتاجرين بالوطن و الدين كالحكام السعوديين المعاصرين.

الإمضاء
على كل سلوك غير حضاري نرد بسلوك حضاري، و على كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف المادي أو اللفظي أو الرمزي.
أكتب للمتعة الفكرية و للمتعة الفكرية فقط، لا أكثر و لا أقل، و لكن يسرّني جدا أن تحصل متعة القراءة أيضا لدى قرّائي الكرام و السلام.



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire