فكرة قرأتها في كتاب: لو
تُرِكَ التونسيون لوحدهم لَحلّوا مشكلتهم مع أصوليتهم و حداثيتهم! نقل و تعليق مواطن
العالَم د. محمد كشكار
تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 29 مارس
2012.
كتاب "مخاضات الحداثة التنويرية. القطيعة
الإبستمولوجية في الفكر و الحياة."، هاشم صالح، دار الطليعة للطباعة و النشر،
بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 2008، 391 صفحة. استعرته من المكتبة العمومية بحمام
الشط.
كتاب من أفضل الكتب التي
قرأتها في السنوات الأخيرة و أعتبر كاتبه من أعلم و أصوب الفلاسفة العرب
التنويريين، و أعُدّه من أهم رواد النهضة العربية المعاصرة.
تنبيه ضروري
ما أنشره في هذه السلسلة من
نقل و تعليق، تحت العنوان المشترك "فكرة قرأتها في كتاب"، لا يمثل
بالضرورة موقفي الفكري بل هو عبارة عن مذكّرة خاصة، أعتمدها شخصيا عند الرجوع إلى
الكتاب الأصلي. لا تغني هذه المذكرة عن قراءة الكتاب كاملا. يجب إذن توخّي الحذر
الشديد في التعامل مع ما ورد فيها لأن لا تصل إليكم فكرة الكاتب الأصلي ناقصة أو
مشوّهة. أنشر هذه السلسلة مساهمة مني في رد الاعتبار لفن ثامن في طريق الانقراض،
اسمه "مطالعة الكتب" و فكرة الكتاب تلزم الكاتب و لا تلزم الناقل دون أن
نتغافل عن كون
الأفكار هي وقائع فكرية تستقل عن قائلها.
نص هاشم صالح
صفحة 187:
و لكن المشكلة هي أن العرب
يواجهون مشكلة الأصولية و تصفية الحسابات مع الذات التاريخية، في الوقت الذي
يواجهون فيه عدوا شرسا مصمّما على الإيقاع بهم. و لو تُركوا لوحدهم لحلوا
مشكلتهم مع أصوليتهم و تراثهم من خلال الصراع الجدلي، الحر و الطبيعي. و هكذا
يجيء التهديد الخارجي لكي يعقّد الأمور و يقوّي من التيار الأصولي بطبيعة الحال و
يضعف التيار النقدي التحرري و ربما كان الإسرائيليون (إضافة 1 لـ م. ع. د. م.
ك: أضيف إلى الأصوليين حلفائهم
الإستراتيجيين، الحكّام الأمريكان و الأوروبيين) يريدون ذلك لكي يظل العرب يتخبطون
في مشاكلهم الداخلية أطول فترة ممكنة، و لكي يتأخر تحررهم الفكري و السياسي، و ذلك
لأنهم يعرفون أنه إذا ما انتصر العرب على أنفسهم و حلوا عقدتهم الداخلية، فسوف
يتحولون إلى قوة جديدة يُحسب لها ألف حساب.
انتهى الاستشهاد بنص هاشم
صالح.
إضافة 2 لـ م. ع. د. م. ك: قد حَصُل لي الشرف أنني نشرت على النت فكرة شخصية توافق
رأي هاشم صالح المذكور أعلاه، و ذلك في أحد مقالاتي قبل أن أقرأ هاشم صالح و هذا
تطابق فكري أعتز به أيما اعتزاز. و قد قلت في فكرتي المنشورة أن أمريكا - مُحتكِرة
التهديد الخارجي المسلط على كل دول العالم دون استثناء، أعداء و حلفاء - فعلت نفس الشيء في تونس ما بعد الثورة: قَوّت
حزب النهضة مباشرة و عن طريق قطر و ساعدته على تسلّم السلطة بعد انتخابات
ديمقراطية شفافة و نزيهة بشهادة أحزاب المعارضة و المنظمات الحقوقية التونسية و العالمية. فكان تسلّم هذه السلطة المؤقتة في مرحلة
انتقالية بالنسبة إلى حزب حركة النهضة بمثابة الهدية المسمومة و القنبلة الموقوتة،
أدعو الله صباحا مساء و يوم الأحد أن لا تنفجر في وجوهنا فنذهب هباء منثورا
مواطنين تونسيين مدنيين أبرياء فقراء مثقفين و أميين بنهضاويينا المتنورين غير
الظلاميين، و سلفيينا العلميين المسالمين
غير السعوديين الجهاديين المستوردين، و يساريينا الصادقين غير الانتهازيين و غير المنبتين
و غير المتطرفين، و قوميينا غير الدكتاتوريين، و ليبراليينا غير المتوحشين الجشعين.
و لو حدث الانفجار - لا قدر
الله - سوف نحترق نحن الشعب الكريم، و ترجع
قيادات الإسلاميين (قلت القيادات الهاربة اختيارا و ليس قسرا و لم أقل المناضلين
الإسلاميين الوطنيين) التي سرقت ثورتنا إلى لجوئها السياسي الجبان في منتجعاتها في
باريس و لندن و قطر و السعودية.
بمباركة شعبية عبر انتخابات
ديمقراطية، ساعدت أمريكا و قطر و السعودية على تسليم السلطة للقوى الإسلامية
الداخلية التونسية، اتفق ثلاثتهم على تسليم الحكومة - لا السلطة - على طبق من ذهب إلى
حزب حركة النهضة، و لأنهم لا يثقون فيه كثيرا و لأن أمريكا لا تضع كل بيضها في سلة
واحدة، سلموا حزب حركة النهضة حكما صوريا دون آليات التنفيذ حتى يمتحنوه و يجربوه،
فإن قدر و استطاع تنفيذ سياستهم الاستعمارية فسيتممون عليه نعمتهم و يرضون عنه كحاكم
لتونس، حاكم لا يعارض مواقف أمريكا في الشرق الأوسط، حاكم يستقبل الأمريكي
الصهيوني "ماك كاين" بالأحضان و "هيلاري كلينتون" بالورود - في
نفس الوقت الذي يَحرِق فيه الجنود الأمريكان مصاحف القرآن الكريم في أفغانستان - حاكم
لا يهدد رأسماليتهم المتوحشة، حاكم لا يحرمهم من نهب ثروات البلاد الطبيعية على
قلتها، حاكم على مقاس أمريكا، حاكم لا يعنيه بتاتا التطرف الديني داخل الدول الإسلامية ما لم يمس مصالح
الغرب الاقتصادية و الطاقية الإستراتيجية و مصالح حلفائها العرب و الإسرائيليين، حاكم
مُدجّن ممسوخ منبتّ لا يمتّ للدين الإسلامي الأممي الثوري التقدمي بصلة.
ثم أوصت أمريكا بتقوية حزب حركة
النهضة عن طريق قطر و في الوقت نفسه و لغاية في نفس العم سام، أوصت أيضا بتقوية التيار
السلفي التونسي عن طريق السعودية حتى تخلق بينهما تنافسا حادا و تنشر في تونس فوضى
خلاّقة - يعني هدامة باللغة التونسية غير العميلة - قد تفضي - لا قدّر الله - إلى
حرب أهلية محتملة بين التيارين الدينيين التونسيين المسنودين ماليا و إعلاميا - كل
على حده - من قطر و السعودية، أكبر نظامين
رجعيين متخلّفين في العالم، حيث لا يوجد في تاريخيهما الاثنين مُجتمعا مدنيا و لا
حرية معتقد و لا حرية إعلام و نشر و لا إبداع حر و لا انتخابات و لا برلمان و لا
رابطة لحقوق الإنسان و لا نقابات مستقلة أو موالية و لا حقوق للمرأة و لا مواطنة و
لا تعليم ديمقراطي و لا قضاء مستقل و لا فن و لا مسرح و لا سينما و لا نحت و لا تصوير
و لا رقص و لا تعبير جسماني و لا... و لا ألف لا... و فاقد الشيء لا يعطيه في هذه
الحالة.
لا يمكن لنظامين غير ديمقراطيين
(السعودية و قطر) أن يساعدا على تأسيس نظام ديمقراطي في تونس و العكس هو الذي قد
يحدث، فقد تصبح تونس دولة رجعية تابعة و عميلة لأمريكا و تقوم تونس مقام قطر في
المغرب العربي. و بواسطة هذا التدخل السافر في الشؤون التونسية الداخلية، فقد أضعفت
السعودية و قطر من تأثير اليسار و القوميين و الليبراليين التونسيين في الساحة
السياسية، و همّشت مشاركتهم في صياغة الدستور، مما قد يفقد هذا الأخير شيئا من
العَلمانية و التقدمية و الحرية و الديمقراطية و الحداثة و ما بعد الحداثة، و
يفقده أيضا شيئا من المقاومة في مساندة القضية الفلسطينية، إذا أصرّ حزب حركة النهضة
على عدم إدراج بند تجريم التطبيع في الدستور، و يفقده أيضا شيئا من التسامح و حرية
المعتقد إذا أصرّ حزب حركة النهضة على عدم إدراج بند تجريم التكفير في الدستور.
إن أمريكا تعي جيدا مَن تعادي،
و أول من تعادي، تعادي اليسار غير
الانتهازي (اليسار الانتهازي يتمثل في بعض الأفراد اليساريين الذين انضموا إلى
حكومة بن علي طمعا أو خوفا، مثل محمد الشرفي و صالح البكاري و منصر الرويسي و غيرهم
كثيرون، أما الاتجاه الإسلامي فقد انضم منه اثنين فقط حسب رسالة دكتوراه أعدّها
ميشيل بشير العياري في فرنسا)، أمريكا تعادي اليسار بشراسة لسبب واضح و هو أن هذا الأخير يحمل مشروعا
اجتماعيا و ثقافيا و اقتصاديا مناهضا للرأسمالية الليبرالية المتوحشة و مناقضا
للعولمة الإمبريالية الأمريكية، عولمة أُحادية القطب و الرؤيا. لقد توهمت أمريكا
أن اليسار انقرض مع انهيار الاتحاد السوفياتي، و لم تع أن الفكر اليساري التقدمي
أكبر من الدول شبه اشتراكية أو الدول الاشتراكية بالاسم، كالأنظمة "الشيوعية"
التي اعتمدت في الواقع رأسمالية الدولة و لم تعتمد اشتراكية الشعب، فأرست ديكتاتورية
الحزب الشيوعي الواحد المختزل في زعيم معصوم و "مُلهم"، زعيم أوحد يحكم
ظلما و بهتانا و اغتصابا باسم ديكتاتورية البروليتاريا و البروليتاريا المحلية و
الأممية هي أول ضحاياه.
انتهت الإضافة 2 لـ م. ع. د. م. ك.
إمضائي المختصر
لا أحد مُجبر على التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرّر أن يفعل، في
أي ظرف كان، فعليه إذن أن يتكلم بلسان المجتمع، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه من أجل بناء أفراده الذاتي لتصورات علمية مكان تصوراتهم
غير العلمية و على كل سلوك غير حضاري نرد بسلوك حضاري و على
كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف اللفظي أو المادي.
و إذا فهمت نفسك فكأنك فهمت الناس جميعا. هاشم صالح.
الفلسفة هي القبض على الواقع من خلال الفكر. هيغل.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire