lundi 16 septembre 2013

قصة الفيل و الفأر، و الإسلاميين و اليسار! مواطن العالم د. محمد كشكار

قصة الفيل و الفأر، و الإسلاميين و اليسار! مواطن العالم د. محمد كشكار

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 29 أفريل 2012.

يمتاز الفيل بأكبر حجم بين الحيوانات الثديية، لكنه يحمل في الوقت نفسه أصغر مخ بينهم بالمقارنة مع وزن جسمه.
يُعتبر الفأر الأصغر حجما بين الثدييات، لكنه في الوقت نفسه يمتاز بأكبر مخ بينهم بالمقارنة مع وزن جسمه.

مع الإشارة إلى  أن الذكاء لا يُقاس بوزن المخ أو حجمه و إنما بعدد الوصلات العصبية المعقّدة (Les synapses) التي تقيمها الخلية العصبية المخية مع مثيلاتها و جاراتها.

و مع العلم أيضا أن الإسلاميين لم يستثمروا كثيرا في مجال الإبداع، و هذا توصيف واقعي و ليس حكما متحيزا ضدهم، و ذلك ناتج عن اجتهاد بشري و تأويل مذهبي (الشيعة يختلفون عن السنة في موقفهم من الفلسفة و الفن عموما) و موقف ديني إيديولوجي إزاء هذا المجال، و أقصد به مجال الإعلام و الصحافة المرئية و المسموعة و المكتوبة و مجال الفنون كالسينما و المسرح و التصوير و النحت و مجال الأدب و الرواية و مجال البحث العلمي الأساسي و الميداني و مجال الفكر الحر و الفلسفة. يبدو لي أن ليس للإسلاميين في هذا المجال مبدعون، و حتى و إن خرج بعض المبدعين المشهورين عن التيار اليساري فهم في أغلبهم مسلمون و ليسوا إسلاميين، و على سبيل الذكر لا الحصر، أسوق لكم بعض الأسماء المشهورة منهم:
-         في مجال البحث العلمي: أحمد زويل، العالم العربي المسلم الأمريكي-المصري، صاحب جائزة نوبل في الكيمياء و زميله فاروق الباز، عالم الأرض في وكالة الفضاء الأمريكية "نازا" و التونسي محمد أوسط العياري و مئات العلماء العرب و المسلمين المهاجرين في الغرب أو المهجّرين قسرا من بلدانهم الأصلية العربية و الإسلامية جراء فقدان حرية البحث العلمي.

-         في مجال السينما: المخرج الأمريكي المسلم ذو الأصل السوري، مخرج فيلم الرسالة، العبقري و المبدع الراحل مصطفى العقاد الذي قتلته يد التطرف و التعصب الديني المذهبي الإسلامي. يبدو لي أن لا وجود لأسماء مخرجين سينمائيين إسلاميين في العالم العربي الإسلامي مع الإشارة أن المخرجين الإيرانيين المشهورين هم مسلمون و ليسوا إسلاميين حسب علمي المحدود في هذا المجال الفني.

-         في مجال الأدب و الرواية: الأدباء المسلمون - و ليس الإسلاميون - المصريون من أمثال طه حسين و نجيب محفوظ (صاحب جائزة نوبل للآداب) و توفيق الحكيم. و تغلب على المجال الشعري العربي أسماء شعراء يساريين من أمثال محمود درويش و سميح القاسم و مظفر النواب و الصغير أولاد أحمد.

-         في مجال الفنون (سينما و مسرح و رقص و نحت و تصوير): يبدو لي أن لا وجود لأسماء إسلامية بالمرة و يظهر أن اليسار العربي سيطر على هذا المجال تماما، و كما أسلفنا سابقا فهذا ليس ناتجا عن عجز فطري في إبداع الإسلاميين و إنما ناتج عن موقف فقهي من الفنون.

-         في مجال الفكر الحر و الفلسفة: أستحضر - و ربما يكون استحضاري انتقائيا و غير حيادي بالمرة نتيجة ثقافة يغلب على جذورها الانتماء اليساري غير الماركسي - الفيلسوف المغربي عبد الله العروي و الفيلسوف السوري صادق جلال العظم و جل المفكرين المسلمين الجدد من أمثال محمد أركون و هشام جعيط و علي شريعتي و محمد الطالبي و محمد الشريف الفرجاني و محمد إقبال و محمد محمود طه (نفّذ فيه حكم الإعدام بسبب أفكاره المعارضة للسائد في عهد جعفر النميري سنة 1985) و نوال السعداوي و عبد المجيد الشرفي و جمال البنا و فرج فودة، و كما أسلفنا سابقا فهذا ليس ناتجا عن عجز فطري في إبداع الإسلاميين و إنما ناتج عن موقف فقهي من الفلسفة و الفكر الحر من كل قيد ديني أو مذهبي.

نأتي الآن إلى الخصوم الفكريين و السياسيين للإسلاميين، و هم دون منازع اليساريون أولا و الليبراليون ثانيا، هؤلاء استثمروا كثيرا في مجال الإبداع، أكثر ألف مرة من الإسلاميين، لذلك أصبح الإعلام و الفن و الفكر الحر مجالهم الحيوي، على عكس الإسلاميين الذين طُعِنوا في هذا المجال بالذات (خذ عداوة الإعلاميين و الفنانين التونسيين و  المصريين للإخوان الإسلاميين في تونس و مصر مثالا مجسما في الواقع الحالي ما بعد الثورة)، طُعِنوا في نقطة ضعفهم التي خلقوها أو تجاهلوها بأنفسهم (عن خطأ في تأويل القرآن الكريم  أو عن صواب في فهم مقاصده، هذه قصة أخرى).

من المفروض أن لا يشتكي الفيل، عظيم الجثة، من جلبة الفأر و لا من ضرباته و لا حتى من عضاته. و إذا بكى الفيل ألما، فيعني هذا أنه موجوع فعلا و يعني أيضا أن من رأى الفأر فأرا و الفيلَ فيلا من بين المعجبين و المعجبات بعظمة هذا الأخير، قد يكون رأى الأول بنظارات مُصغِّرة و رأى الثاني بنظارات مكبّرة، أو قد يكون الفيل مجرد جاموس مزهو بمساندة من ساعده على المسك بزمام أمور الغابة و ملّكه إياها استجابة لإرادة سكانها، و قد يكون الفأر ثعلبا منكمشا رهبة من مواجهة خصمه المنتفخ شحما لا لحما.

ضَرب الفيلُ الفأرَ و بكى و سبقه و اشتكى إلى الأسد - ملك الغابة الفعلي - أفعال الفأر الوهمية هروبا و خوفا من التشكي من أفعال السباع الحقيقية.

كما هو معروف في الغابة، ليس للفأر سند و لا ظهر يحميه من كبار الجثة و صغار المخ (صغر المخ ليس ثلبا و الدليل أن العصافير صغيرة المخ تبدع موسيقى يعجز عن تأليفها أمهر العازفين، و في المقابل فكبر المخ ليس شكرا و إلا لكان حوت العنبر - مخه يزن 10 كلغ - أذكى الثدييات)، فجده الديناصور، انقرض و اندثر و لم يعد له ذِكر و لا أثر منذ سقوط جدار برلين سنة 1989، أما السباع التونسية (7 نوفمبر 1987)، أبناء عمومة الملك، فلهم لبؤات رأسمالية محلية و أجنبية ترضعهم و أسود تحميهم من بعيد.

ظن الفيل أنه انتصر بعد أن أكل حشيش الانتخابات، أفيون السياسيين، استقطب عامة العامة و المتعلمين العِلميين منهم (الذين يؤمنون بالعلم و ليس العَلمانيين الذين يؤمنون بفصل الدين عن السياسة) و انتشى بهزيمة خصمه الصفر فاصل، و نسي أو تناسى أن الصفر فاصل في الانتخابات يمثل 99 فاصل في مجال الإعلام و الفنون و الفلسفة و الفكر الحر، يعني "الأنتجلنسيا" (هو لقب أطلقه الروس على المثقفين قبل ثورة عام 1917، و منهم المحامون و القضاة و الصحافيون و الفنانون و الأدباء و الأساتذة الجامعيون، الخصوم الفكريون و السياسيون الحاليون للإخوان المسلمين في تونس و مصر).

انهزم الفأر في الانتخابات و اعترف شكليا بانتصار خصمه الفكري و السياسي لكنه لم ينحن أمامه بل عارضه بكل قوة و ثقة في النفس، قوة استمدها من "الأنتلجنسيا" و ليس من الشعب، طاقة استغلها "أفضل استغلال" حسب وجهة نظره، و نسي أو تناسى أن "لا أحد مُجبر على التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرّر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن أن يتكلم بلسانه (المجتمع)، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه" كما قال الفيلسوف المغربي اليساري غير الأرتودكسي عبد الله العروي.


الإمضاء
على كل سلوك غير حضاري نرد بسلوك حضاري، و على كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف اللفظي أو المادي.
أكتب للمتعة الفكرية و للمتعة الفكرية فقط، و لا أكثر و لا أقل. لكن يسرّني أن تحصل متعة القراءة صدفة لدى قرّائي الكرام و السلام.




Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire