jeudi 1 avril 2021

من حق أبنائنا علينا أن نضحي من أجلهم كما ضحى من أجلنا آباؤنا وأمهاتُنا ! (جزء 2) المؤلف مواطن العالَم والديداكتيك

 



2.    الحجة الثانية: قصة واقعية حدثت في عائلة جار زميل أستاذ تعليم ثانوي وصديق، وهو الأقرب إلىّ قلبي وطبقتي الاجتماعية 

  أعرف عن قرب زميلا وصديقا وأبا لبنت جميلة وولدين وسيمين، مناضل اجتماعي صامت محترم ومتوسط الحال وزوجته لا تشتغل إلا في المنزل. حصل على قرضٍ من البنك وعِوَضَ أن يبني مسكنا يُكمل فيه سنين عمره المتبقية وهو "مُكهِّبْ" (مُشرِف) على الستين، خصّص الأب كامل القرض لحاجيات ابنه المرسّم على نفقته بالجامعات الفرنسية وبقي يسدّد بالتقسيط المتعب والمضني نفقات "الربا" البنكي على مدى سنوات متحملا ضنك العيش من أجل أن يتعلم ابنه البكر في أرقى الجامعات الغربية. أليست هذه قمة في نكران الذات ومثالا يُحتذي به في التضحية من أجل مستقبل الأبناء ؟ أطلب من دولة ما بعد الثورة أن تكون حنونة وتضحي من أجل  أبنائها الفقراء اقتداءً بحنان بهذا الأب المثالي وتحرص على ضمان مستقبل جميع أبنائها كما  حرص هذا الأخير على ضمان مستقبل ابنه ؟ نجح الابن وأنهى دراسته الجامعية وتخرّج مهندسا في الاتصالات واشتغل بفرنسا وفي العطلة المدرسية الماضية استضاف كامل عائلته في جولة سياحية بفرنسا وأدخل السرور والبهجة والرضاء إلى قلبَيْ والديه وعوّضهما أحسن وأفضل تعويض على تعب السنين وجازاهما على صبرهما أجمل جزاء.

 

 

3.    الحجة الثالثة: قصة واقعية حدثت في عائلة جار زميل مدير عام في وزارة التربية وصديق، وهو الأقرب إلىّ فكريا

أعرف عن قرب عائلة متوسطة اجتماعيا، مناضلة ومحترمة يسودها الود والحب والاحترام والوئام متكونة من أربعة أفراد، أب مدير عام في وزارة التربية والتعليم، أم أستاذة أولى بالتعليم الثانوي، بنت جامعية تحتاج إلى مصاريف كبيرة وشاب طالب بألمانيا. خصص الأب كامل مرتبه لحاجيات ابنه المرسّم على نفقته بالجامعات الألمانية واكتفي هو وباقي العائلة بمرتب الأم. أليست هذه قمة في نكران الذات لثلاثة أفراد في عائلة متماسكة جدا ومثالا يُحتذي في التضحية من أجل مستقبل ابنهم ؟ أطلب من دولة ما بعد الثورة أن تكون حنونة وتضحي من أجل  أبنائها الفقراء اقتداءً بالحنان المثالي لهذه العائلة وحرصها على ضمان مستقبل ابنها ؟

 

4.             الحجة الرابعة: وطنية وديمقراطية وعلمية

فقرة، أريد أن تُكتب حرفيا في الدستور الجديد: تعليم ديمقراطي متساوٍ لأولاد التونسيين جميعا أغنياء وفقراء ومتوسطين، أجانب وعرب مقيمين، تعليم "قائم الهرم" وليس تعليم "مقلوب الهرم"، تعليم تكون الميزانية فيه نسبيا تصاعدية من الأساسي إلى الثانوي إلى العالي، يضمن الحقوق التالية لكل أبناء التونسيين دون تمييز: ترسيم مجاني، أدوات مدرسية مجانية، نقل مجاني من المدرسة إلى البيت ومن البيت إلى المدرسة، وجبة يومية ساخنة صحية متوازنة مجانية، منحة جامعية لكل طالب وليس قرضا، وتعليم أساسي وثانوي دون تفقد بيداغوجي غير ناجع مع تكوين أكاديمي مستمر للمدرّسين. في نهاية المرحلة الأساسية (15 سنة)، أطالب بتوجيه 70 في المائة من التلامذة إلى تعليم مهني طويل وجيد قد يفضي إلى الجامعة (مثل ما هو الحال الآن في الدولة الألمانية المصنّعة جدا)، توجيه يكون حسب رغبة التلميذ واجتهاده، و30 في المائة فقط إلى تعليم نظري رياضي وتجريبي ينتهي بشهادة التبريز للتدريس في الثانوي أو بشهادة الدكتوراه للتدريس بالجامعة أو بشهادة مهندس أو بشهادة طبيب عام أو مختص أو غيرها من الشهائد العلمية المعتبرة. أطالب بتعيين مقتصد وممرض واستشاري نفسي في كل مؤسسة تربوية. أطالب بمنحِ ميزانية تسيير محترمة للمدارس الابتدائية فورا و"تَوْ" وأطالب بتجهيز كل المدارس الابتدائية بمجموعات صحية للمعلمين والتلاميذ " تَوْ " أيضا. الآن... الآن... وليس غدا.

 

 

يوجد هذا النظام التربوي المجاني في بعض البلدان الأسكندنافية كفنلندا أو النورفاج وأنا مقتنع بأن أبناءهم ليسوا أفضل من أبنائنا. نستطيع توفير كل هذا لأبنائنا لو تقشفنا قليلا، وضحينا من أجلهم كثيرا، ولو صرفنا عليهم ما كان يُصرف على الحزب الحاكم في العهد البائد، ولو حوّلنا لفائدتهم ما سرقه بن على وحاشيته، ولو خفّضنا قليلا من تبذير المال العام في السكن الوظيفي والسيارة الخاصة والبنزين المجاني لمسؤولينا "الكبار"، ولو سرّحنا أغلبية الجيش البيروقراطي من موظفي الدولة الذين يعطلون عمل الإدارات العمومية، ولو ألغينا التفرغ للنقابيين البيروقراطيين الانتهازيين أو الحزبيين الموالين، ولو فتحنا وقتيا (في العطل المدرسية مثلا عندما تكون المؤسسات التربوية خالية من التلامذة والطلبة)  فضاءات المؤسسات التربوية الرياضية لعموم الرياضيين  مقابل مساهمة مادية محترمة في ميزانية تعليمنا العمومي.

 

زد على ما سبق من تبذير في غير محله -كان أولى بالأموال أن تصرف في محلها، أي في التعليم العمومي- أذكّر بما نستورده خطأ في رمضان الكريم من أطنان من البيض واللحوم والبطاطا لسد حاجات غير أساسية تبعدنا عن المقصد الحقيقي من وراء فريضة الصيام وتجلب معها من حيث لا ندري أمراض القلب والشرايين والسكري. أضيف: نستورد أيضا في الصيف والشتاء أنهارا من المشروبات الكحولية، نضعف ميزانيتنا وننهك صحتنا وقد تتفكك من أجلها أواصر بعض أسَرِنا. نستورد بالعملة الصعبة أنواعا فاخرة من السيارات والماكياج، نتجمل بها وننسى أن نِصف التونسيين أميون أو شبه أميين ولن تغطي عيوبهم المساحيق، ونستورد ملايين اللترات من العطورات الغالية وننسى أن عددا كبيرا من التونسيين لا يتوفر لديهم الماء الصالح للشراب أو الاستحمام. بعض نخبتنا فاسدون راشون ومرتشون، منهم إعلاميون وصحافيون وحزبيون معارضون وموالون ومحامون وقضاة وأمنيون وتجمعيون، إداريون وسفراء ووزراء ونواب ومستشارون وولاة ومعتمدون ورؤساء بلديات وعُمَد ورؤساء شعب، لن تمنع العطورات المستوردة الغالية تسرّب رائحتهم النتنة إلى أنوفنا وأنوف العالم الحر حتى ولو استحمّوا بها ليلا نهارا، صباحا مساء ويوم الأحد. نشتري سيارات غير اقتصادية بمئات الملايين ولا توجد في مؤسساتنا التربوية سيارة وظيفية واحدة لخدمة أبنائنا وبناتنا وأساتذتنا في مدارسنا الابتدائية والإعدادية ومعاهدنا.

 

 

ملاحظة

         كل من سيقول: "هذا خطاب مثالي... ليس في الإمكان أحسن مما كان... "لا تبحث عن نصف النهار في الثانية بعد الزوال" ... كن واقعيا... وغيرها من القوالب الرجعية المتكلسة.

سأجيبه وأقول له على لسان شاعرنا العظيم، أبو القاسم الشابي:

ومن لا  يحب صعود الجبال .........يعش أبدَ الدهر بين الحفر

 

المصدر: كتابي، الإشكاليات العامة في النظام التربوي التونسي - سَفَرٌ في الديداكتيك وعِشْرَةٌ مع التدريس (1956-2016)، طبعة حمرة، 2017 ، 488 صفحة (ص.ص. 225-229).

 

إلى المنشغلين والمنشغلات بمضامين التعليم:

نسخة مجانية من كتابي "الإشكاليات العامة في النظام التربوي التونسي" على شرط التسلم في مقهى الشيحي أو نسخة رقمية لمَن يرغب فيها ويطلبها على شرط أن يرسل لي عنوانه الألكتروني (mail).

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire