jeudi 8 avril 2021

ما هي أسباب عدم قدرة التلميذ التونسي على توظيف معلوماته ؟ المؤلف مواطن العالَم والديداكتيك

 

 

إشكالية تعترضني يوميا كأستاذ في القسم: ما هي أسباب عدم قدرة التلميذ التونسي على توظيف معلوماته ؟

مثالٌ حي 1:

المكان : الجمهورية التونسية.

الزمان: الثلاثية الأولى من العام الدراسي 2010/2011.

المستوى التعليمي: السنة أولى ثانوي (ما يقابل أربع سنوات قبل الباكلوريا).

المادة: علوم الحياة و الأرض باللغة الفرنسية.

اللغة: رسميا الفرنسية وشبه رسميا العربية: كل جملة أكتبها أو أقولها، أترجمها بالعربية نظرا لمستوى التلامذة المتدني في اللغة الفرنسية. بعض زملائي -الله يسامحهم- من أساتذة علوم الحياة والأرض أوالرياضيات أوالفيزياء أو التقنية ركنوا للحل الأسهل والأنجع ظاهريا وآنيا. حلٌّ يتمثل في تدريس العلوم  باللهجة التونسية الدارجة المهذبة في القسم أو في الدروس الخصوصية اعتقادَا منهم أنهم بصنيعهم هذا قد  يتفادون عائقَ اللغة الفرنسية غير المفهومة من قِبل جل التلامذة التونسيين خريجي التعليم الأساسي المعرّب. بهذه الطريقة، قد يفهم التلامذة أحسن وقد يفرح الأستاذ بمشاركة تلامذته وتجاوبهم لكن ينسى الاثنان أو يتناسيا أن الامتحان الرسمي، في فروض المراقبة والفروض التأليفية، يُقرأ ويُكتب ويُنجز باللغة الفرنسية فقط وأن كل الشعب العلمية في الجامعة تُدرّس بالفرنسية أيضا.

بكل لطف وصدق ودون مزايدة أو مجاملة أو أبوّة أو تعالٍ فكلنا في "عدم الكفاءة" تونسيون، يبدو لي أن ترتيب تلامذتنا  كان في آخر القائمة في تقييمات بعض المنظمات العالمية مثل تقييم منظمة "تيمس"(الاتّجاهات في الدراسة العالمية للرّياضيات والعلوم) وتقييم منظمة "بيزا" (برنامج التقييم الدولي للطلبة) وهذا الأخير هو عبارة عن مجموعة من الدراسات التي تشرف عليها منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية كل ثلاثة أعوام بهدف قياس أداء الأنظمة التربوية في البلدان الأعضاء وفي بلدان شريكة.

هذه الشهادة العلمية العالمية التي أثبتت "عدم كفاءتنا" في تكوين تلامذتنا تتناقض مع شهادة الامتياز الصادرة  عن وزارتنا الموقرة والمتجسمة في نتائج الباكلوريا التونسية المضخمة بالإسعاف.

بعد هذا التمهيد غير المريح لي ولزملائي، ألفت نظر زملائي المحترمين وتلامذتنا الأعزاء إلى أهمية اللغة العلمية السليمة في إنتاج العلم. يبدو لي أن العلم لا يقتصر على طرح الإشكاليات العلمية وفهم وحل المشاكل فقط بل يتجاوز هذه المرحلة المهمة إلى التعبير الكتابي والشفوي الضروريين لنشر هذه المعرفة بلغة علمية سليمة. نلاحظ أن جل العلماء ومنتِجي المعرفة يعملون أساتذة في الجامعات و كُتّابا في المجلات العلمية المختصة لذلك وجب عليهم إتقان لغة حية ومن المستحسن أن تكون الأنڤليزية عِوض الفرنسية وللأسف الشديد لا يمكن أن تكون العربية في عصرنا هذا لتخلف العرب في كل المجالات العلمية الحديثة. حسب اطلاعي المتواضع، لا توجد مجلة علمية واحدة مختصة ذات قيمة علمية عالية مكتوبة بالعربية وحتى العلماء الفرنسيون أنفسهم أصبحوا مجبورين على النشر باللغة الأنڤليزية، اللغة العلمية العالمية المتواجدة في الساحة دون منافس.

الأستاذ التونسي والتلميذ التونسي هم ضحايا ومسؤولين في الوقت نفسه. مسؤولون لأنهم لم يبذلوا مجهودا إضافيا لسد الثغرات في التكوين العمومي الرسمي. ضحايا سياسة تربوية تونسية تسمح بتدريس العلوم بالعربية من السنة الأولى إلى السنة التاسعة أساسي وفجأة وفي السنة الموالية أي الأولى ثانوي (ما يقابل أربع سنوات قبل الباكلوريا)، يجد التلميذ نفسه غير مؤهل لمتابعة دروس العلوم بالفرنسية فيتقوقع حول نفسه وينغلق ويبتعد شيئا فشيئا عن التعلّم لعدم تسلّحه بأدواته الضرورية وخاصة الأداة الأساسية المتمثلة في اللغة الفرنسية في دولة لغتها الرسمية في الدستور هي اللغة العربية. كنتُ دوما أذكّر تلامذتي بهذه الحقيقة المرة، الحقيقة التي تقول أن اللغة الفعلية الأولى في التعليم التونسي هي الفرنسية وليست العربية. الانتقال من تدريس العلوم بالعربية إلى تدريسها بالفرنسية في تعليمنا التونسي، يَعتبره  مصممو البرامج تحوّلا سهلا في الأذهان، وهو في الواقع يمثل عائقا تعلّميا (يعني عائقٌ ناتجٌ عن الطرق البيداغوجية العقيمة المستعملة من قِبل الأساتذة و المعلمين)، عائقٌ يصعب تجاوزه من قِبل تلامذة أبرياء وأساتذة غير متكونين. يبدو لي أن التلميذ التونسي أضحى ضحية سياسة تربوية خاطئة، أما الأستاذ التونسي فعذره الوحيد أنه لم يشارك في تخطيط هذه السياسة الخاطئة لكنه مجبرٌ على مواجهة تداعياتها الكارثية على حساب صحته ونجاعة أدائه البيداغوجي.

 

أعرض عليكم بعض أسباب عدم قدرة التلميذ التونسي على توظيف معلوماته

ما دامت الوزارة عاجزة عن تعريب العلوم في الثانوي بعد عشرين عاما من تعريبها في الإعدادي فلماذا لا تتراجع في قرارها وتُفرنس مؤقتا العلوم في الإعدادي حتى تستعد جديا وتستعيد تعريب العلوم في التعليم التونسي بجميع مراحله مثلما هو حاصلٌ في بعض البلدان العربية لكي لا يضيع جيل كامل من التلامذة بسبب التردد السياسي لوزارة التربية التونسية في تعميم التعريب على جميع مراحل التعليم. 

مثالٌ حي 2:

الدرس الرابع في برنامج السنة أولى ثانوي في مادة علوم الحياة و الأرض: تحسين الإنتاج النباتي.

إشكالية الدرس: ما هي الوسائل التقليدية والعصرية لتحسين الإنتاج النباتي ؟

سير الدرس: في أول الحصة، طلبتُ من تلامذتي أخذ ورقة بيضاء وكتابة أسماء هذه الوسائل بالفرنسية أو بالعربية دون شرح أو تفصيل وقلت لهم: إن لم تجدوا الكلمات باللغة الفرنسية فعليكم الاستعانة بالمعجم "الفرنسي-عربي" الملحق بكتابكم المدرسي. انتظرت عشر دقائق ومررت بين الصفوف أقرأ ما كتبوا. وجدوا وسيلتين فقط، "الماء والأملاح المعدنية" وهذان المفهومان يمثلان عنوانَيْ الدرس الأول والثاني. حاولت إثارتهم وتحفيزهم ذهنيا بقولي: أنا متأكد مائة بالمائة أنكم كلكم ودون استثناء تعرفون الجواب كاملا وجيدا. طريقتي لم تُجدِ نفعا إلا عند بعض المتفوقين وعددهم لا يتجاوز الاثنان في كل قسم.

بعد انتظار دام خمس دقائق، تدخلت معاتبا ومشجّعا: سأبيّن لكم بالدليل القاطع أنكم تعرفون الجواب وتحملون معلومات لكن لم تستطيعوا توظيفها في المكان المناسب والوقت المناسب.

مَن منكم لا يعرف أن حرث الأرض يحسّن الإنتاج النباتي ؟ وكانت إجابتهم الجماعية بنعم. توالت أسئلتي:  مَن منكم لا يعرف أن اختيار البذور واستعمال البيوت المكيفة وتخصيب التربة بالأسمدة العضوية والري قطرة قطرة والقضاء على الأعشاب الطفيلية والحشرات الضارة يحسّن أيضا الإنتاج النباتي ؟ توالت إجابتهم الجماعية بنعم. استنتجتُ من أجوبتهم أنهم يحملون معارف كافية حول إشكالية الدرس لكن يُعيقهم توظيفها بلغة علمية فرنسية سليمة. قلت لهم أن هذه المعلومات تُعتبر ثقافة علمية عامة يمتلكها حتى رجل الشارع الأمي لكن لا يستطيع أن يعبر عنها كتابة أو مشافهة بلغة علمية فرنسية سليمة وهنا يكمن الفرق بينه وبينكم، أنتم علماء المستقبل وبُناة نهضتنا إن كُتِب لنا يوما أن نستفيق من سباتنا الموروث والمكتسب وننهض من تخلفنا الذاتي والمدبّر في نفس الوقت من قِبل عدونا الخارجي الغربي والإسرائيلي وعملائهم المحليين في الداخل.

أرجع وأقول أن التلميذ ضحية ومسؤول في كل حالات فشله التعليمي. التلميذ هو ضحية مدرسة سلوكية لـ"واتسون" و"سكينر"، نطبقها في تونس منذ الاستقلال إلى اليوم، جانفي 2017. تعتمد هذه المدرسة على الإثارة والجواب مثل ما يفعل عالم النفس السلوكي مع فأر التجارب. طريقة بيداغوجية تلقينية تعتمد الحفظ واستحضار المعلومات يوم الامتحان دون تفكير. وقد عبّر عنها التلامذة في مظاهراتهم عندما رفعوا شعار "بضاعتكم رُدّت إليكم". صَدَقَ التلاميذ، نعم هي بالفعل بضاعتنا نحن الأساتذة. بضاعتنا، لأن التلامذة لم يشاركوا في صنعها أثناء عملية التعلم وبقوا في أحسن الحالات يتفرّجون على أستاذ يعمل بمفرده في القسم، يسأل ويجيب نفسه، يكتب بالطباشير ويفسّخ ما كتبه فوق سبورة تقليدية عمرها مائة سنة، يحضّر المجهر ويدعو التلامذة للمشاهدة دون مشاركة، يجرّب ثم يعرض النتائج على تلامذة مبهورين باستعراض عضلات أستاذهم "القدير والكفء". كيف تطلب إذن من تلميذ،  ترعرع في مدرسة تقتل المواهب بهذه الطريقة، أن يوظف معلوماته لحل مشكل علمي يعترضه لأول مرة مهما كان بسيطا. التلميذ مسؤول عن فشله الدراسي أيضا لأنه لم يبذل مجهودا إضافيا وقد تفطن جل الأولياء القادرين ماديا إلى نقطة الضعف هذه في المدرسة العمومية وضحّوا من أجل تكوين أبنائهم في الدروس الخصوصية وأصبح الولي ينفق ما يقارب المائتي دينار شهريا (ما يساوي نصف مرتب شهري أدنى لعامل في تونس)، ينفقها بين دروس الرياضيات والفيزياء وعلوم الحياة والأرض والأنڤليزية والفرنسية وغيرها. في هذه الحالة، ماذا يفعل الفقراء ؟ ونحن معشر الأساتذة من الفقراء باستثناء شبه زملائنا الأساتذة، مقاولي الدروس الخصوصية مع العلم أنني لا أدين هؤلاء الأخيرين لو طبقوا القانون المنظم للدروس الخصوصية: 12 تلميذ من تلامذة أقسام لا يدرّسونها، موزعين على 3 مجموعات منفصلة في قاعة تدريس محترمة وليس 20 في "ﭬاراج". ماذا يفعل هؤلاء الفقراء المسحوقين طبقيا والعاجزين ماديا وهم يرون أبناءهم يضيعون أمام أعينهم ولا يقدرون ماديا على إنقاذهم من براثن مدرسة عمومية لا تقوم بواجبها في تأهيل النشء لبناء معرفته بنفسه حسب المدرسة البنائية لـ"بياجي" و"فيڤوتسكي"، مدرسة غير مطبقة في تونس حتى الآن رغم اعتمادها شعارا سياسيا من قِبل وزارة التربية التونسية، شعار تجني من ورائه سياسيًّا الكثير ولا تخسر من أجل تحقيقه مليما واحدا.

حِفظ المعلومات مهم، لكن توظيفها أهم وليس من قبيل الصدفة أننا وبعد نصف قرن من الاستقلال  لم نصنع علماء ولم ننتج عِلما تجريبيا أو رياضيا أو إنسانيا ما عدى الأدمغة الوطنية المهاجرة التي بَنَتْ علمها في بيئة مغايرة حيث تتوفر الحرية والكرامة وظروف العمل المُثلى لإنتاج المعرفة مثل ما فعل في أمريكا أحمد زويل وفاروق الباز ومحمد الأوسط العياري وغيرهم كثيرون.

 

المصدر: كتابي، الإشكاليات العامة في النظام التربوي التونسي - سَفَرٌ في الديداكتيك وعِشْرَةٌ مع التدريس (1956-2016)، طبعة حمرة، 2017 ، 488 صفحة (ص.ص. 264-270).

 

إلى المنشغلين والمنشغلات بمضامين التعليم:

نسخة مجانية من كتابي "الإشكاليات العامة في النظام التربوي التونسي" على شرط التسلم في مقهى الشيحي أو نسخة رقمية لمَن يرغب فيها ويطلبها على شرط أن يرسل لي عنوانه الألكتروني (mail).

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire