lundi 19 avril 2021

 

مبادرات بيداغوجية عالمية طريفة ومفيدة: مبادرة 8 والأخيرة. المؤلف مواطن العالَم والديداكتيك

 

8.    المبادرة الثامنة

عندما ندرّس وظيفة النظر، كثيرا ما نغفل عن دور الأذن الداخلية: و الأذن تري قبل العين أحيانا ! وظيفة النظر وظيفة معقّدة جدا لأنها ترتبط بجلّ المراكز المخيّة والعصب البصري والعين وعضلات العين والأذن الداخليّة والضوء والحالة الانفعاليّة للجسم. لنعلم أوّلا أن "المِهاد البصري" (le thalamus) هو عضو في المخ تلتقي فيه الأعصاب البصريّة والحسيّة المثيرة للعاطفة ويستقبل المعلومات الضروريّة للنظر: 80 % من المعلومات تأتي إلى "المِهاد البصري" من المخ مباشرة و20 % فقط تأتيه من العين.

لنفهم أكثر نوضح دور العناصر الضرورية المتدخلة في النظر:

1. المراكز المخيّة : يتدخّل عدد كبير منها في النظر ونذكر منها علي سبيل الذكر لا الحصر:

- "المراكز العصبيّة البصريّة" (les aires visuelles) التي تدرك الأشياء وتتعرّف عليها وتراها  بواسطة العين.

- "غدّة تحت المهاد البصري"  (l'hypothalamus)    التي تمثّل ملتقى  عصبيّا هرمونيّا  مسؤولا علي الشبع والجوع والعطش والانفعال والتأثّر والذاكرة وضبط الحرارة ومقاومة العدوان والسلوكيّات الجنسيّة والدفاعيّة.

- "وحدة شبكيّة متوسّطة" (la formation réticulée médiane) وهي غرفة صنع الأحلام.

 - "مركز عصبيّ يتحكّم في حركات العين" (Le colliculus).

2. العصب البصريّ : ينقل من العين إلي  المخّ ذبذبات كهروكيميائيّة وهي عبارة عن رسالة مشفّرة لا يفكّ رموزها إلا المراكز العصبيّة البصريّة.

3. العين السليمة: يستعين بها المخ لتجميع المعلومات الواردة من العالم الخارجيّ لذالك فاقد العينَين طبعًا لا يري.

4. عضلات العين: تُوجّه و تَضبط حركات العين مثلما نتحكّم نحن في الكاميرا لكي لا تتحرك الصورة.

5. يبدو أن دور "الأذن الداخليّة" (L`oreille interne) في النظر مغيّب تماماّ في التعليم. في الحقيقة تتمثّل مهمة الأذن الداخليّة في المحافظة علي توازن الجسم في كل الوضعيّات بما فيها توازن العين وهذا الدور المهم لا نحسّ به إلا إذا تعطّلت هذه الأذن أو تَلِفَ العصب الذي يصلها بالمخ (العصب الدهليزي-le nerf vestibulaire). لنوضّح أكثر, نذكر ما ورد في  محاضرة الأستاذ كليمان وهو يتحدّث عن مرض ألمّ به سابقا ويتمثّل في التهاب العصب الذي يربط بين دهليز الأذن الداخليّة والمخّ، قال :  "لم أفقد السمع لأنّ هذا العصب ليس مسؤولا علي السمع. كنت أحسّ بدوار ودوخة وإغماء وتقيّء وفقدان توازني كلّما حاولت الوقوف أو قيادة السيّارة. لم أعد قادرا علي القراءة والكتابة ومشاهدة التلفاز رغم سلامة مخّي وعصبي البصريّ وعينيَّ. أثناء هذه المحنة عايشتُ في الواقع ما  كنت  أعرفه   نظريّا وتأكّدت من وجود تنسيق دائم بين العين والأذن الداخليّة وأستطيع أن أقنعكم بتجربة بسيطة: انظروا إلي السبّورة وحرّكوا رؤوسكم. هل السبّورة تتحرّك معكم ؟ طبعا لا ! لو أخذتم الآن كاميرا ووجّهتموها صوب السبّورة وحرّكتموها فسترون بعد التصوير فيلما تتحرّك فيه السبّورة كأفلام المبتدئين. جسم الإنسان إذن مجهّز بكاميرا وهي العين وبضابط توازن الكاميرا وهو الأذن الداخليّة التي تلائم باستمرار بين الصّورة والحركة. العبرة من هذا المثال ليست فقط في التّعريف بدور الأذن الداخليّة في النظر وإنما في الإشادة بقدرة المخّ البشريّ علي إصلاح العطب في العصب الجمجمي دون علاج ولا أدوية لأن الخلايا العصبيّة السليمة في العصب المصاب أنبتت أليافا عصبيّة جديدة انتشرت وتوجهت نحو مكان العطب تلقائيا وعوّضت ما أتلِف في عصب الأذن المصابة.

 

خلاصة القول

                  وظيفة النظر ليست حكرا علي العين والعصب البصري والمراكز العصبيّة البصريّة فقط, كما هو شائع عند عامة الناس وحتى عند بعض أساتذة البيولوجيا,  بل تتدخّل فيها عدّة مراكز عصبيّة أخرى,  مثلا : يتدخّل المركز العصبيّ القفائيّ   (l'aire occipitale) في معالجة الألوان والمركز العصبيّ الصدغيّ   (l'aire temporale) في تعريف الأشياء التي نراها. أما المركز العصبيّ الجداريّ 

(l'aire pariétale)

 فيحدّد مكان الأشياء. يرتبط   النظر أيضا بالحالة العاطفيّة التي تقع تحت مراقبة "غدّة تحت المهاد البصري"  (l'hypothalamus) وهي نفسها تتأثر بما نري.  أما "الوحدة الشبكية المتوسطة" (la formation réticulée médiane) فهي تلعب دورا أساسيّا في الأحلام حيث نري  الصور تتحرك دون استعمال العينين. هذه الشبكة من الأعضاء التي تؤثّر في عملية النظر وتتأثّر بما تجلبه العين من معلومات خارجية, تفسّر كيف ندرك اسم الشّيء الذي نراه دون تركيز وغالبا ما لا نري الجزئيّات التي لا نعطيها أهميّة فلا نري إلا ما نريد أن  نرى لأننا لا نستطيع أن نري دون تأويل ما نري.

 

Références bibliographiques :

Clément P., Mouelhi L. & Abrougui M. (2006). Aster 42. Paris : INRP.

Varela F.J. (1989). Autonomie et connaissance, Essai sur le vivant, Paris, Editions du Seuil.

 

المصدر: كتابي، الإشكاليات العامة في النظام التربوي التونسي - سَفَرٌ في الديداكتيك وعِشْرَةٌ مع التدريس (1956-2016)، طبعة حمرة، 2017 ، 488 صفحة (ص.ص. "310-313).

 

إلى المنشغلين والمنشغلات بمضامين التعليم:

نسخة مجانية من كتابي "الإشكاليات العامة في النظام التربوي التونسي" على شرط التسلم في مقهى الشيحي بحمام الشط (23139868)، أو نسخة رقمية لمَن يرغب فيها ويطلبها على شرط أن يرسل لي عنوانه الألكتروني (mail).

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire