samedi 3 avril 2021

يبدو لي أن كليات العلوم التونسية قد أنتجت لنا ناقِلي علم ولم تنتج لنا علماء ! المؤلف مواطن العالَم والديداكتيك

 


« Il me parait que les professeurs universitaires raisonnent en termes d`addition, jamais en termes d`interactions et d`émergences. » André Giordan, Apprendre !, Belin, 1998, p67.

اكتفَى الأساتذة الجامعيون التونسيون بنقل ما تعلّموه إلى طلبتهم ولم يبحثوا ولم يضيفوا للعلم شيئاً يُذكر. كتبوا آلاف الأطروحات، نُسَخًاً باهتة لِما أنتجته الجامعات الغربية، نُسَخًاً محفوظة على رفوف المكتبات الجامعية. اهتم هؤلاء بملفات ترقياتهم الإدارية أكثر من اهتمامهم بالبحث العلمي (في بعض الدول الغربية ألغِيت الترقيات للأساتذة الجامعيين وحُذِفت الدرجات -Les mentions- عند منح شهادة الماجستير والدكتورا).

ينفذ المهندسون التونسيون ما تعلموه و لا يضيفوا شيئا من عندهم وكأنهم مجرد تقنيين. لم يبتكروا حلولا للصعوبات التقنية التي يتعرض لها يوميا الفلاح أو الصناعي التونسي. نحن في واحات جمنة مثلا نحتاج لآلات تسهّل عمليات تلقيح النخيل وجني التمور.

قلد المعماريون التونسيون تصميمات زملائهم الغربيين وأهملوا كنوز تراثهم القديم والمعاصر. نحن في جمنة مثلا كنا نبني بيوتاً من "الطوب" بأبخس التكاليف (حجر هش مكون من الرمل والكلس والطين المتماسك) ، نبنيها متأقلمة مع مناخنا صيفاً وشتاءً دون تكييف، بيوتاً تعيش أكثر من قرن. أصبحنا اليوم نبني بالأسمنت المسلح الغالي الثمن مثل ما يفعل سُكان المدن، أسمنت مسلح ضد كل شيء لكنه غير مسلح  ضد شمسنا.

تفنن الأطباء التونسيون العامّون والمختصون في كتابة وَصْفاتٍ مطولة قد تنهك جيب المريض وصحته. لم يبتكروا وصفات جديدة ولم يطوروا أدوية "الطب العربي" المتأتية من الأعشاب. قَصَدَهم المرضى الأجانب من الأغنياء (ليبيون وجزائريون جاؤوا للعلاج وغربيون جاؤوا للتجميل) وهجرهم المرضى التونسيون من الفقراء بسبب أجور كشوفاتهم المشِطّة (سنة 2016، أجرُ كشفٍ عند مختص = 50 دينار = ثُمْنُ -1\8- الأجر الصناعي الأدنى). 

لم يؤسس المختصون في علوم التربية نماذج تعلمية انطلاقاً من عاداتنا وتقاليدنا، خاصة في مجال التعليم ما قبل المدرسي. كنا أطفالاً في جمنة الخمسينيات وغيرها من المدن والقرى التونسية نتعلم من ومع أقرانِنا دون رقيب كهل، نصنع لُعَبَنا بأيدينا ومن لَعِبِنا كنا نتعلم دون معلم. كنا نطبق دون أن نشعر نظرية البنائية الاجتماعية للعالم السوفياتي فيڤوسكي (Le socio-constructivisme de Lev Vygotsky, 1896-1934)، ونجسِّم شعار الطبيبة الإيطالية ماريا مونتيسوري "ساعِدني على أن أفعل بنفسي" (Aide-moi à faire seul, Maria Montessori, 1870-1952). تركونا أولياؤنا -يرحم والديهم- نتعلم بأنفسنا ومع أندادنا ولم يقتلوا مَلَكَة الإبداع فينا كما تفعل اليوم روضات الأطفال "الحديثة".

لم ينتبه المختصون في علم النفس لإبداعات مجتمعنا في التعايش مع "مجانيننا" قبل أن يغلق الغرب معتقلات الأمراض العقلية عنده. كنا في جمنة وفي كل المدن والقرى التونسية ولا زلنا نفتح قلوبنا وشوارعنا لـ"مجانيننا".

"مجانيننا" الأعزاء على قلوبنا، لم نحرمهم يوما من حرياتهم ولم نقيدهم بالسلاسل ولم نسلمهم لمعتقل الرازي بالعاصمة، زوّجنا البعض منهم فأنجبوا كفاءات في كل المجالات، أطلقنا أيديهم فأسعدونا وأخص بالذكر أطرفهم وأشهرهم المدعو الساسي بن احْمِدْ. قبل تأسيس البلدية كان الساسي ينظف شوارع جمنة وجامعها الوحيد، كان يغني فريد الأطرش وأسمهان، باختصار كان عَلماً وبعده لم تعد جمنة جمنتي.

أصبح الصيادلة التونسيون تجار أدوية غربية باهضة الثمن مثلهم مثل تجار قطع الغيار، واكتفوا بقراءة وصفات الأطباء كما يقرأ زملاؤهم تجار قطع الغيار ورقات الميكانيكيين. استوردوا أدوية جاهزة ولم يصنعوا لنا أدوية تونسية تكون ملائمة لمناخنا الحار ولنظامنا الغذائي وتكون ماليا في متناول فقرائنا.

طبق البيولوجيون التونسيون في مخابرهم مواصفات التحاليل الغربية حرفيا دون مراعاة لنظامنا الغذائي المختلف عن الغرب.

Haut du formulaire

 

المصدر: كتابي، الإشكاليات العامة في النظام التربوي التونسي - سَفَرٌ في الديداكتيك وعِشْرَةٌ مع التدريس (1956-2016)، طبعة حمرة، 2017 ، 488 صفحة (ص.ص. 239-241).

 

إلى المنشغلين والمنشغلات بمضامين التعليم:

نسخة مجانية من كتابي "الإشكاليات العامة في النظام التربوي التونسي" على شرط التسلم في مقهى الشيحي أو نسخة رقمية لمَن يرغب فيها ويطلبها على شرط أن يرسل لي عنوانه الألكتروني (mail).

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire